ندوة حول كتاب صاحب السيادة

المطران مارون ناصر الجميّل

الـمـطـران نعـمـةالـلـه أبـي كـرم

الاربعاء 18 آذار 2015

 

مداخلة المطران عـــاد أبـــي كـــرم

الـمـطـران نعـمـةالـلـه أبـي كـرم:

رسالة التزام بالكنيسة وبالإنسان وبالوطن

 

        المطران نعمة الله أبــي كــرم قامةٌ كنسيّةٌ رفيعةٌ، وقيمةٌ فكريّةٌ ثمينة، باقيةٌ في ضميرِ كنيستِنا كما الذممِ التي تُلحُّ على أصحابِها بالوفاء.

        فالشكرُ للحركةِ الثقافيّة – أنطلياس، التي، بِـمِـصباحِها المشعّ، تُسلّطُ الضوءَ على كبارٍ منسيّين، تقديرًا منها لأعمالِهم، وإقرارًا بإسهاماتِهم، في حقولِ المعرفةِ والإنتاج.

        والشكرُ لسيادةِ الأخِ والصديق، المطران مارون ناصر الجميّل، الذي، بمؤلَّفِه الأخير، عن المطران نعمة الله أبــي كــرم، أخرجَ هذا الأسقفَ العلّامة، من كواليسِ النسيان، وأظهرَه أمامَ الأجيال، وهو الكاهنُ والحَبرُ المتعدّدُ الوزْناتِ والمواهب ، وقد أحسنَ استثمارَها، في شتّى الحقولِ التي اؤْتُـمِـنَ على خدمَتِها، في لبنانَ وفي المدينة الخالدة.

        ليس لمداخَلتي هذه أن تُضيفَ الشىءَ الكثير إلى ما كتبَه سيادةُ المطران مارون ناصر في كتابِه، الذي فاقتْ صفحاتُه الثمانماية، وقد ملأهُ، الى فوقُ، سَردًا وشرحًا وتحليلًا واسـتـنـتـاجًا ... غير أَني، انطلاقًا ممّا قرأتُ وسَمِعْت، رأيتُ من المفيد التوقفَ، وإن باقتضابٍ، عند الجوانبِ الكنسيّةِ والعلميّةِ والاجتماعيّةِ والسياسيّة التي ساهَمت في صُنعِ هذه الشخصيّةِ المميَّزة.

 

1-    فمن الناحية الكنسيّة، أولاً

        يُـجـسّـدُالمطران نعمة الله،جوهرَ العلاقة بين كنيستِنا المارونيّةِ، وكنيسةِ روما، أو الكنيسةِ الجامعة...  وتتمثلُ هذه العَلاقةُ بأبعادِها، القائمةِ على الاحترام المتبادَلِ بين الكنيستَيْن، خضوعًا من كنيستِنا، للسلطةِ الرومانيّة، وإقرارًا من هذه الأخيرة، بخصوصيّةِ كنائسِ الشرقِ وغناها... وقد أدركَ صاحبُ السيرة، هذا التوازنَ، وعاشَهُ بإخلاصٍ، وأعطاهُ قيمتَه المضافةَ، وذلك من خلالِ وجودِه في روما، وقُربـِه من سلطاتِها، وعملِه كمستشارٍ في مجمعِ الكنائسِ الشرقيّة.

        من المدرسةِ المارونيّة في روما، التي كلّفَه البطريريك الياس الحويك بترؤسِها في مطلعِ القرنِ المنصرم، أطلَّنعمة الله أبــي كــرم،على كنيسةِ روما، ونجحَ في نسجِ عَلاقاتٍ رفيعةٍ معها، ولم يكنْ قد مضى على وجودهِ فيها أكثرُ من ستةِأيامٍ، حتى حَظِيَ بمُقابَلةِ البابا بيوس العاشر، بالإضافة الى صداقاتٍ، نشأتْ مع كرادلةٍ وأساقفةٍ وكهنة، عاملين سَواءَ في المجمعِ الشرقي،أمْ في مجمعِ نشرِ الإيمان، أمْ في سائر دوائرِ الكوريا الرومانيّة.

        لمْ تكنْ صداقاتُ المطران نعمة الله،للمباهاةِ والإفادةِ الشخصيّة، بل لخدمةِ مدرستِه المارونيّة التي عَـقَـدتْ عليها كنيستُـنا الآمال، ولخدمةِ الكنيسةِ المارونيّة،في لبنانَ وبلادِ الانتشار ... ولخدمةِ لبنانَ وقضاياه...  وكم تدخّلَ لمعالجةِ فتورٍبين البطريرك الماروني، مثلاً، والكاردينال غوتيه(رئيس المجمع الشرقي)، أو لتصحيحِ وضعيّةِ مَـلَـفٍ كنسـيٍّ، يتعلّقُ بمؤسّسةٍ أو أبرشيّةٍ أو رجلِ دينٍ، أو لكتابةِ تقريرٍ يتعلّقُ بشأنٍ كنسيٍّ شرقيٍّ، كالعَلاقة مع الأرثوذكسيّة وسِواها. 

        إنّعَلاقاتِه المتينةَ بالكرسي الروماني، انطلقت من إعجابِ المسؤولين هناك بشخصيّتِه، وقـيمَـتِه العلميّة، وتفانيه في سبيلِ كنيستِه، وقد تُـرجِـمَت بِـتَـعـيـيـنه مسجِّلا باباويًا protonotaireوهو لقبٌ قلّما ينالُه شرقي –وتُـوّجتْبِـتَـعـيـيـنه أسقفًــا من قبل البابا بيوس العاشر في 9 أيار 1913. هذا التعيينُ، الذي قابَـلته السلطةُ الكنسيّةُ المارونية ببعضِ الفـتـور،نجحَالـمـطـران أبــي كـــرم، فـيما بعد، في إزالَـتِه، وإعادةِ تركيزِ عَلاقتِه ببطريركِه الياس الحويّك–وهو بالمناسبةِ رفيقُ صفّهِ في إكليريكيّة غزير– وسائرِ الأساقفةِ الذين ربَـطـتهُم بالمطرانِ المعنيِّ، علاقاتٌ عل أكثـرَ من صعيد. وقد كان خيرَ مندوبٍ للبطريرك في كلّ المَهِمّاتِ، منها تمثيلُ غبطتِه في المؤتمرِ القربانيِّ الذي عُـقـدَ في مالطا 1913 ثمّ في روما 1922.

        وفي خلاصةِ هذا الجانبِ الكنسيِ، نُـشـيرُإلى أنَّ ما قامَ بهِالمطران نعمة الله على مستوى التعاملِ مع كنيسةِ روما، قد أسّسَ لعَلاقاتٍ ثابتةٍ، ومُـقـارباتٍ مُـتطوّرة، ومبادراتٍ قامَـت بها هذه الكنيسةُ، تُجاهَ كنائسِ الشرقِ، تجلّتْ بشكلٍ أكثرَ وضوحًا في أعمالِ المجمعِ الفاتيكاني الثاني، وما تَـبِعَه من مواقفَ ورسائلَ بابويّةٍ، تُعطي كنائسَنا موقِـعَها ودورَها، وتؤكّدُ تمايُـزَها وغِـناها.

 

2-    أمّا من الناحية العِـلميّة، ثانيًا

 

        فإنّ الآثارَ الفكريّةَ التي تركَها المطرانُنعمة الله تضعه في مصافِ من سبقوه من علماءَ موارنةٍ كالصهيوني والحاقلاني والدويهي والسماعنة...وقد أغنى المكتبةَ الحقوقيّة، وهو مَن شاركَ في وَضْعِ الحـقّ القـانـونـي الشـرقي في صياغـتِه الأولى سنة 1917، وفي كتابه "قسطاس الأحكام"، باجزائهِ الثلاثة، كما ترجَمَ قاموسَ"محيط المحيط" الى اللغة الفرنسيّة "وشرح الكتاب المقدّس" وقامَ بتصحيحِ اللغةِ العربيّةِ "لميزان الزمان" وبترجَـمةِ بَـراءاتٍ للبابا بيوس التاسع، وبتعريبِ الرسالةِ المعروفة RerumNovarum(في الشؤون الحديثة) للبابا لاون الثالثَ عشر، التى أحدثتْ تحولاً أساسيًا في السياساتِ العمّاليّة في العالم.

        إنّ شـغـفَـهُ بالعلمِ والبحثِ، كان يقودُه غالبًا إلى أماكنَ يَـختـلي فيها، أو إلى مكتباتٍ يغرِف منها ما يتوقُ اليه... وقد أخذَ عليهِ بعضُهم أن أحقيّة الجانب العلمي في شخصيّته أثَّــرت سلبًا على إدارتِه "ـلـلمدرسة المارونيّة" التي، بالرغم من مستواها الاكاديمي الرفيع ونجاحِ طلاّبِها، كانت تُـعاني من سوءِإدارةٍ وتنظيم ... ومَـردُّ ذلك لأكثرَ من سببٍ ذكرَه المؤلّف .

        وفي عودةٍ الى بدء، نلاحظ أن القيمةَ العلميّةَ للخوري نعمةالله ابــي كــرم قد ظهرتْ، منذُ بداياتِ حياتِه الكهنوتيّةِ، حيثُ شُغِـفَ بالدرسِ والتدريس، فنالَ المَلفنة (أي الدكتوراه)، وعلَّم، وكان مديرًا في أهمّ مدرستَي تلك الحقبة - أي في الربع الأخيرِ من القرن التاسعَ عشرَ– عَـنيْنا بهما مدرسةَ مار يوسف قرنة شهوان ومدرسةَ مار يوسف الحكمة في بيروت، وقد نال ثقةَ المطرانـيْـن الوصيّـيْن على كلّ منهُما، يوسف الزغبي في قرنة شهوان ويوسف الدبس في بيروت...  وقد لَـمعَ نجمُه كمربٍّ ومعلّم في كنيسة لبنان، وتابع تألّقَه في روما، وأحيانًا في العاصمة الفرنسيّة باريس ... وذِكرُ باريس يقودُنا الى التعرّفِ على شقيقِ المطران، الخوري لـويس أبـي كــرم، الذي عاش هناك وكان له فيها، وفي فرنسا، حضورٌ فاعل على الصعيدَين الإجتماعي والسياسي.

 

3-    أمّا من الناحية الاجتماعيّة، ثالثًـا

 

        فقد كان للمطران نعمةَ الله ، وبدعمٍ أحيانًا من شقيقِه الخوري لويس – المونسنيور فيما بعد – فضلٌ كبيرٌ، بمدّ يدِ العون الى الكنيسة المارونيّة – البطريركيّة والأبرشيّات والرعايا والرهبنات – عن طريقِإرسالِ حسناتِ القداساتِ التي بلغتْ ملايين الفرنكات في تلك الأيام.

 

        في أزمنةِ الحاجةِ ، ولاسيّما إبّانَ الحربِ الكونيّة الأولى، كان للدّعمِ الماديِّ الذي وفّره المطـران نعمة الله، نفـعٌأكـيدٌ، بعدمـا شَحّـتِ الـمواردُ الأخرى، في مختلِفِ مؤسّسات الكنيسة؛وقد تجلّى الدعمُ أيضًا، في إرسالِ شحناتِ قمحٍ وحبوبٍ الى لبنان،لإنقاذِ شعبه من المجاعة.

 

وفي الشقّ الاجتماعيِّأيضًا، لفَـتَـنا ما جاء في كتاب المطران الجميّل عن المساعداتِ التي قدّمَها اللبنانيون، هذه المرّة، للمنكوبين الفرنسيّين إثرَ فياضانات نهر السين سنة 1910 التي سبّبت كوارثَ في باريس ... وكان ذلك بفضل أبــي كـــرم الذي لفت نظرَ البطريركِ الحويك الى أهميّةِ مساعَـدةِ اللبنانيّين لإخوتِهم المتضرّرين. وما كان من غبطتِه إلاّ أن تجاوبَ وطرحَ النداءَ فهبّ الكثيرون – ولاسيّما الفقراء –لتقديم العونِ بقدرِ فلس الأرملة... ويلفـتُـنا، في الكتاب المذكور، ذِكرُ القرى التي جمعَـت تبرّعاتٍلإرسالِها الى فرنسا... ولعلّ في هذه المبادرة، اعتبارًا لمبدأ التكافؤ، أو على الأقلّ التبادل، بين الشرق والغرب... فالشرقُ لن يكونَ دائمًا في موقِـعِ المتلقّي والمحتاج الى الغرب... بل يمكن أن يكون له دورُ من يعطي أيضًا.

 

4-    تبقى الناحية السياسيّة، رابعًا

        التي كان للمطران نعمةَ الله فيها صولاتٌ وجولات. لا لأنه كان يهوى هذا الفنّ بل لأنه، من مَـوقِـعِـه حيثُ هو، كان مضّطرًا الى لَعِـبِ دورِ الرسولِ الأمينِ، ينقلُ واقعَ كنيستِه ووطنِه الى آذان الكنيسة الأم، ومنها الى ملوكٍ ورؤساءَ في دول العالم، وقد وضع مواهبَه وعَلاقاتِه، في خدمةِ الوطن والكنيسة، فنراه يرفع التقاريرَ الى البابا - بندكتوس الخامس عشر– والوثائقَ المفصّلةَ بالبيّنات، ويُـرسلُها مِن هناك الى أصحابِ القرارِ في العالم، وقد انصبَّت اتصالاتُه السياسيّةُ، على صَون استقلال لبنانَ، وتخليصِه من الجوعِ، ومن ويلاتِ الحرب.

        وكان على تواصلٍمع دبلوماسيّين، أتراكٍ وأوروبيّين، معتـمَـدين لدى إيطالياوالفاتيكان، كما كان يقوم باتصالاتٍ مع الزعماءِ الفرنسيّين، كلّما تسنّى له ذلك، وكان شقيقُه، يؤمّنُ له الأجواءَ المؤاتية.  ولم يكنْ بعيدًا، عن زيارة البطريرك الحويك الشهيرةـ الى مؤتمر فرساي، ولا عن زيارة مندوبِه فيما بعد، المطران عبدالله الخوري، رئيسِ الوفد اللبناني، فكان جنديًا فاعلاً حتى ولو لم يذكرْه التاريخ والمؤرخون.

        أمّا في الداخل اللبناني، فلم يَكن المطران نعمةالله، رغم غربته، بعيدًا عن سياسة لبنان وسياسيّيه، وقد عرفهُم واستقبل منهم من استقبل... وها هو يتعاطى مع سياسيّي الجبلِ وزعمائِه، والمتصرّفين، وقد ورد في أرشيفه ذكرُ الكثيرِ منهم.  وبالاختصار فإنّ وجودَ المطران نعمةالله في روما، قد أفاد الكنيسةَ المارونيّةَ ولبنانَ، في معظم القضايا والأمور، التي كُلّف بها، حيث قام بها خيرَ قيام وأعطاها، قيمةً مضافةً، بفضلِ علمِه، وبلاغـتِه، وشجاعـتِه، والمثابرة.

 

        وختامًا أخلصُ الى القول أن المطران نعمة الله أبــي كـــرم لم يكن رسولًا وحسب، بل هو رسالةٌ الى الأجيال، تستدعينا وتُـلِحُّ علينا من أجل التزام مستمرّ بثلاث:

        بالكنيسة وبالإنسان وبالوطن...

____________________________________

 

جورج يوسف الأشقر     

حلقة موضوع كتاب سيادة المطران مارون ناصر الجميّل

عن مثلث الرحمات المطران نعمة أبي كرم.

 

 

    المثلث الرحمات المطران نعمة الله أبي كرم ؛

    أسعد صعب أبي كرم، قبل أن يتلقى سرّ الكهنوت في 15 آب 1876 على يدّ المثلث الرحمات المطران يوسف جعجع، بعد أن أتمّ بتفوّق دراساته في اكليريكيّة الاباء اليسوعيين في غزير وبيروت ؛

    المولود في 13 كانون الثاني 1851 في برمّانا ؛ مسكن رامانا‘ اله الشتاء المخصب.

    برمّانا، مقام التأملات الدينيّة في العهدين الفينيقي والروماني، مضجع النسّاك ومركز الدراسات الفلسفيّة في أوائل العهد المسيحي.

    برمّانا‘ البلدة الوادعة التي تجسّدت على ارضها منذ القدم‘ الوحدة الكنسيّة، بحيث كانت تقام القرابين حتى عام 1780 على مذبح واحد لكلّ من الطائفتين المارونيّة والروم الارثوذكس، وقبل أن تنفرد كلّ منهما، بكنيستها.

    برمّانا، حيث أقامت عائلة أبي كرم منذ القدم، رأت يترعرع على أرضها أسعد أبي كرم، الخوري نعمة الله لاحقا، ومن ثمّ المطران نعمة الله بن صعب دانيال ابي كرم، احد كبار الاداريين في قائمقاميّة النصارى، كاتب محكمتها في عهد رئاسة الأب حنّا الحاج‘ المنتخب اسقفا على مدينة بعلبك في 15 آب 1861، وبطريركا على الطائفة المارونيّة في 28 نيسان 1990 وحتى وفاته في 24 كانون الاول 1998.

 

    سيادة العمّ نعمة الله‘ كما أحبّت العائلة أن تناديه

   عمّ الوالدة ؛

   المتواضع، المحب، الجامع، الحاضن للجميع ؛

   لم يكن لي الشرف أن  التمس بركته ؛ لقد رحل الى دنيا الخلود في 11 نيسان 1931، قبل أن أرى النور بسنوات.

 

     تعرّفت اليه من خلال ذكراه في بيتنا حيث أقام في أيام شيخوخته وأبّان مرضه، لعجزه عن الوصول الى منزله الأبوي، الا سيرا على الأقدام.

 

     تعرّفت اليه من خلال ذكراه الدائمة بيننا ؛

كونه أعطى سرّ العماد لكبريات شقيقاتي، وأنقذ أكبرهن سنا، حيث استضافها مع الوالد والوالدة في باريس على اثر حادث أليم أصابها بشلل في رجلها وهي في الرابعة من عمرها. فحملها الى أشهر الأطباء، والى شفيعته وشفيعة العائلة القديسة تراز الطفل يسوع في Lisieux،حيث أقام الذبيحةالالهيّة وهي جاثية على قبرها تصلّي وتتضرّع. وكان شفائها الذي أذهل الاخصائيين. ودوّنت الأعجوبة هذه في السجلات مرفقة بالتقارير اللازمة.

    هذا، بالاضافة الى أنه، وبناء لطلبه، حملت شقيقاتي أسماء أفراد عائلة القديسة، تراز وبولين وانياس وسالين.

 

    تعرّفت اليه بعدها، من خلال جزء من أعماله وكتاباته وترجماته ومراسلاته، يوم كان شقيق والدتي الراهب الماروني اللبناني مارون جرجس أبي كرم يشرف بنفسه على نشر بعض من مؤلفات سيادته في الحقّ القانوني الكنسي وعلم الاجتماع، بحيث كنت أشارك في بعض من الأوقات في تصحيح الطباعة، متمنّيا من أن أكتب سيرته يوما، الى أن زارنا في بداية حروب الغيرعلى الارض اللبنانيّة وبأيد

 

لبنانيّة، خادم رعيّة برمانا، المؤرّخ الشاب الاب ناصر الجميّل الذي كنت قدّ التقيته سابقا في سفارة لبنان في ال UNESCO في باريس، عاملا على تحضير وتنظيم معرض " الكتاب ولبنان " ؛ والذي جاءنا حينها مستفسرا عن وثائق تخصّ العمّ نعمة ألله،  قائلا لي : " منذ أن دخلت كنيسة مار اشعيا النبي عندكم ورأيت منحوتة سيادة المطران أبي كرم المرفوعة على مدفنه، أحسست وكأنه ينادي...؛ وها أنا لبيّت النداء وباشرت في جمع المستندات والوثائق لأكتب ...". وكانت الخطوة الاولى في عمل " ماراتوني " شاق؛  كون الوثائق هذه، مع ما كنّا نحتفظ به عائليّا، موزّعة ما بين حاضرة الفاتيكان وروما وباريس، حيث كان يقيم المطران نعمة ألله من خلال موقعه في رئاسة المدرسة المارونيّة ومن ثمّ في المجمع الشرقي هناك، وما بين البطريركيّة المارونيّة والابرشيّات والاديار في لبنان، وبالأخصّ في تلك التي اقام فيها الاب مارون، ابن شقيقه جرجس صعب ابي كرم، عضو أول مجلس بلدي في قصبة برمّانا، منذ عام 1987 وحتى عام 1914 .

 

   وهكذا، كان لي شرف التعمّق في معرفة أعمال العمّ الجليل من خلال المحفوظات والمستندات التي أمدّني بها الاب ناصر الجميّل؛ موضحا هنا، أن العديد من الوثائق والمستندات لا تزال مع الأسف، ضائعة في أمكنة ما، اختارها ووضعها شقيق سيادته، المونسنيور لويس، المقيم في فرنسا منذ ما قبل عام 1875، ومرشد الجيش الفرنسي،  خادم رعيّتيBercy    و Anières  في باريس، والحائز 

 

على أوسمة عديدة، من جوقة الشرف الفرنسي، الى الوسام الملكي البلجيكي المذهّب وسواها، لاعماله الانقاذيّة-الاجتماعيّة أبّان الحرب العالميّة الأولى؛ والذي توفي عام 1939، في منزله الواقع على تخوم بازيليك القديسة تراز الطفل يسوع في Lisieux،والذي دمرّ في زحف الجيوش الحليفة نحو باريس. عسى أن يحظى اليوم صديقنا سيادة المطران مارون ناصر الجميّل، رئيس أساقفة فرنسا على الطائفة المارونيّة والزائر الرسولي على اوروبا الغربيّة، لما له من صداقات وخبرة، بمعرفة أمكنة وجود هذه الوثائق والمستندات، بغية نشرها؛ بحيث أنها، على ما أعلم من أحاديث العائلة، تحتوي الكثير من المواعظ والمراسلات والوثائق الهامّة، الدينيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وسواها.

 

   ومن خلال أحاديث العائلة تلك ووثائق هذه الموسوعة، تعرّفت بعمق الى سيادة العمّ نعمة الله، وعرفت عنه استاذا لللاتينيّة ومديرا للدروس العربيّة في كليّة القديس يوسف للاباء اليسوعيين ومحرر جريدتهم البشير والمشارك في وضع معجمي "كوش" و"بلو"، الفرنسي-العربي والعربي-الفرنسي في المطبعة الكاثوليكيّة؛ وبعدها، عيّنه المثلث الرحمات المطران يوسف الدبس مديرا للدروس في معهد الحكمة، ومن ثمّ كلفه المثلث الرحمات المطران يوسف الزغبي القيام بتأسيس مدرسة القديس يوسف في قرنة شهوان ؛ وهو كان في هذه الأثناء يقوم بتدريس العربيّة والفرنسيّة واللاتينيّة، بالاضافة

 

الى الفلسفة واللاهوت والخطابة، في اكليريكيّة الرهبنة الانطونيّة في دير مار اشعيا برمّانا، واكليريكيّة الرهبنة المخلصيّة في صربا، ومعهد الرهبنة الكبوشيّة في عبيه ؛ الى أن انتدبه المثلث الرحمات البطريرك الياس حويّك، بناء لطلب الحبر الأعظم البابا بيّوس العاشر والحاح المجمع الشرقي، لرئاسة المدرسة المارونيّة في روما. فكان هو الرئيس، وسواه حامل الاختام والمفاتيح والمداخيل. عسى، أيها الصديق العزيز المطران مارون ناصر، أن لا يكون تعيينكم رئيسا للطائفة المارونيّة في فرنسا، مجرد رفع عتب على غرار ما حصل للخوري اسقف نعمة ألله أبي كرم، ويكون حينئذ التمثيل الرسمي للطائفة المارونيّة ضائع بين مقرّ أبرشيتك ومكان ما من باريس في  "d’UlmRue".

 

  ومن خلال الاحاديث العائليّة والمستندات التي أمدّني بها واضع هذا   الكتاب، لمست مدى احترام الكرسي الرسولي للخوري اسقف نعمة ألله أبي كرم لأعماله وكتاباته ومؤلفاته ولمعاناته خاصّة في ادارة المدرسة المارونيّة لما صادفه من صعوبات ومشاكسات ووشوشات، ولكيفيّة ترفعه وحكمته في معالجة ألامور مع تلامذته ومعاونيه من جهة وبكركي من ناحية اخرى، مما حمل الحبر الأعظم على ترقيته الى درجة الاسقفيّة في 22 حزيران 1913. وهذا ما أغاظ البطريرك الماروني، مدّعيا أن التعيين مخالف للمجمع الماروني. وبالرغم من أن المطران نعمة ألله أبي كرم أبحر خصيصا الى الوطن متوجّها فور

 

وصوله الى حيث يقيم صاحب الغبطة في الديمان بغية تأدية واجب الطاعة، بقي غبطته على مواقفه المتصلبة. 

 

   ومن خلال الأحاديث العائليّة، وبالأخصّ مستندات الموسوعة التي بين أيدينا، تبيّن لي مدى حب العمّ المطران أبي كرم للعائلة، ومدى تعلقه بها، وكيف أنه قد كان خير سند لكلّ فرد من أفرادها؛ وتعرّفت بعمق على أعماله، فوجدت فيه المتشدد دوما على اعطاء افراد عائلته أعلى الدراسات الجامعيّة في القانون والادارة والآداب والفلسفة والفنون، سواء في بيروت أم في باريس وليون وروما ؛ فهو الذي استصحب معه ألى أوروبا ابن شقيقه، الراهب اللبناني الاب مارون جرجس صعب أبي كرم، الذي نال الدكتورا في الحق القانوني من معاهد روما، وفي الفلسفة من جامعة ال Sorbonneواللاهوت من معهد Saint-Sulpice  في باريس ؛ واستأذن أيضا الرهبنة الانطونيّة، مختارا قريبه الاب بولس الاشقر، لموافاته الى عاصمة  الكثلكة، حيث أدخله معهد الموسيقى فيها ومن ثمّ أكاديميّة الفنون في مدينة  Lyon، والذي نال بامتياز أعلى الشهادات وبرع في وضع أجمل الألحان الكنسيّة وفي تعليمه وتدريبه وتوجيهه خاصّة، للاخوين الرحابنة. ولن ننسى اشرافه على دراسات اولاد أشقائه وشقيقاته واحفادهم، في حقل الأداب والتربية والترجمة والاقتصاد، من يوسف جرجس صعب أبي كرم المترجم الخاص لملك المغرب محمد الخامس والمستشارالأول للحاكم الفرنسي Lyautey

 

 

وصديق المستشرقMassignon؛ الى تخصص كلّ من وديعه وشفيقه وماري جرجس صعب نفسه، في علم التربية والتعليم؛ الى فارس وكميل وكلمنتين أولاد شقيقه نجيب، وجوزف وجليله ولدي شقيقته لطيفه بشور، في حقل الادارة والاقتصاد والمال؛ الى سواهم من الاحفاد والأقارب والأصدقاء. ولن ننسى حتما اختياره ابن بلدته، يوسف نقولا الاشقر، شمّاسا له في تنقلاته الاوروبيّة واللبنانيّة.

    وهو ايضا، ومن ناحية أخرى، دافع بصلابة عن قريبيه، الراهبان الانطونيان، يوسف وبولس الاشقر وعن الخوري يوسف عواد، أمام المراجع الدينيّة المختصّة يوم تطاول عليهم زورا بعض من الحاقدين الحقودين؛ كما أنه ساند كلّ من نسيبيه، شاهين الاشقر وحنّا أبي كرم؛ الأول، في تبؤ رئاسة بلديّة برمّانا، وقدّ كان أول رئيس ماروني منتخب لها في أوائل عهد الانتداب؛ والثاني، الخوري حنّا لاحقا،  في تولّي  قائمقاميّة الشوف الأعلى في بداية العشرينات، لما كان له من علاقات وطيدة ونفوذ لدى المراجع الحاكمة في لبنان وفرنسا، ومن محبة وتقديرعند ابناء بلدته ومنطقته. كما أنه عاضد نجم الأسود وشقيقه ابراهيم، من وجهاء برمّانا، في انتخابات مجلسي الادارة والمندوبين، لما كان له من علاقة صداقة وقربى بينهم، ولما كان لسيادته من مودّة واحترام في المتن وعند المسؤولين والقنصليّات وكافة مراجع القرار، في باريس وروما وحاضرة الفاتيكان ولبنان.  

 

  تعرّفت اليه بعمق عندما شجّعتني الوثائق التي قدّمها لي سيادة المطران مارون  ناصر الجميّل،  فراجعت مجددا المستندات العائليّة،

 

وتأكدت يومها من حبّ سيادة العمّ نعمة الله لبلدته وطائفته ووطنه؛ وهو الذي شدد دوما في مراسلاته على الوحدة من ضمن التعدديّة الدينيّة والمذهبيّة، وأشرف على المصالحات بين العائلات والفئات، وساعد بسخاء في بناء كنيسة رعيته بعد أن بيعت الاثاريّة المبناة عام 1780 الى طائفة الروم االكاثوليك؛ ولاحقا، في انشاء منصّة الكنيسة الحاليّة La Tribuneوقبّتها، وفقا لما جاء في مراسلاته ويوميّات الأب ابراهيم حرفوش، أمين سرّ البطريركيّة المارونيّة.

   وهوعمل أيضا، بعد أن شبك علاقات هامة وثيقة مع كافة كبار رجال الدين، من كرادلة واساقفة واكليروس ورهبان في حاضرة الفاتيكان وايطاليا وفرنسا وبلجيكا ومصر ولبنان والامريكيتين، قبل وأبّان وبعد الحرب العالميّة الاولى، على مساعدة الافراد المعوزين والأبراشيات والرهبنيّات، سواء في وطنه الامّ أم في ديار الاغتراب، بمئات الالوف من الفرنكات الفرنسيّة، ولما كان للفرنك حينها من قوّة شرائيّة. والمساعدات هذه، كانت ترسل خاصّة في أيام الحصار العثماني للشواطئ اللبنانيّة بواسطة قاعدة الاسطول الفرنسي في جزيرة ارواد، العاملة بقيادة الجنرال ترابو وآمر الوحدة العملانيّة الضابط انطوان ادّه، والتي كان يحملها سرا وليلا الى بكركي بغية أن توزّع، تلميذه في المدرسة المارونيّة، الخوري بولس عقل، النائب البطريركي لاحقا، وذلك برفقة وحراسة البحار يوسف البواري.

   وتجدرالاشارة هنا، الى ذكر بعض من تلامذته في عاصمة الكثلكة، من أمثال المثلث الرحمات البطريرك مار بولس المعوشي والمطران نجيم  وسواهم.

 

    وهو ومن ناحية أخرى، وفي الحقل الوطني، تصدّى بقوّة لرئيس جمعيّة الاصحاب البروتستنتيّة المتّخذة من برمّانا مركزا رئيسا لها، Théophile Weldmaeer،مطالبه بالكفّ عن اغراآته الماديّة والتبشيريّة وعن زرع الفتن في المناطق المتنيّة وبين أبناء البلدة والطائفة الواحدة، وفي بعبدات بالذات، يوم وقع الخلاف بين آل لحود من جهة والعائلات من ناحية أخرى، على نسب توزيع مياه نبع العرعار، مما تسبب بانشقاق مذهبي على أثر مواقف مطران بيروت آنذاك، المناهضة للأكثريّة الشعبيّة وبخلافات سياسيّة عميقة في المتن، ألذي ظلّ جيلا كاملا يتحمّل نتائج أعبائها. وقد كان للمطران أبي كرم، الخوري نعمة الله آنذاك ومديرالدروس العربيّة في كليّة القدّيس يوسف للآباء اليسوعيين، وفي الموضوع هذا بالذات، ما ابتغاه وعمل له. وانحصر نشاط  Weldmaeerفي التعليم والتطبيب، وعادت كافة العائلات البعبداتيّة الى الكنيسة الرسوليّة المقدّسة، بانتسابها الى الطائفة اللاتينيّة بخدمة الأباء الكبوشيين، بعد أن اعتنقت كيديا المذهب البروتستنتي.

   كما وانه على الصعيد الوطني الصرف، اتخذ سيادة المطران نعمة الله المواقف الشجاعة المدافعة عن الوطن اللبناني - اللبناني، أرضا وشعبا، سواء في حاضرة الفاتيكان، أم في روما وباريس والدول الأوروبيّة، لما كان له من علاقات صداقة متينة مع العديد من القادة، وفي مقدمتهم رئيس فرنسا Raymond Poincaré، ومع الكثير منالمناضليناللبنانيين - اللبنانيين العاملين في الوطن أم في ديار

 

الاغتراب، في سبيل الاستقلال ضمن الحدود التاريخيّة واعادة ما سلخ عنوة من أقضية ومناطق؛ وقد كانت له، على ما هو معلوم عائليّا، علاقات مميّزة مع "  La Société Libanaise de Beyrouth" التي حكم على العديد من أعضائها بالشنق أو النفي، وفي مقدّمتهم يوسف الهاني من أبناء برمانا صيفا، واميل ادّه ويوسف الجميّل وسليم الجلخ وفيليب تابت وراعي أبرشيّة بيروت المطران بطرس شبلي؛ ومعL’Alliance Libanaise ،وخيرالله خيرالله ويوسف السودا ورفاقهما، ومع سواهم من الجمعيّات والأفراد في لبنان ومصر وباريس والأمريكيتين؛ مما حمل ودفع الحبر الأعظم على انتدابه لتمثيله لدى امبراطور أوتريشيا وتسليمه مذكّرة باسمه، سطّرها المطران نعمة الله أبي كرم شخصيّا، محددا ومفنّدا المطالب الوطنيّة التاريخيّة وحقوق الشعب اللبناني في العيش الحر المستقلّ في وطن ذات حدود قابلة للحياة والدفاع والاستمرار، مشددا على رفع الحصار العثماني عن كامل الأراضي اللبنانيّة. وقد نشر سيادة مارون ناصر الجميّل ترجمتها سابقا.

 

   ومن خلال مواكبتي لبعض من فصول هذه الموسوعة التاريخيّة، التي نناقش، تعرّفت بعمق أكثرعلى كتابات وترجمات ومؤلفات وفكر العمّ المطران نعمة الله وعلى اسلوبه الكتابي وفنّه في ايجاد الكلمة الصائبة وابتداع اللفظة المناسبة؛ وهو في ترجمته لابن سينا الى اللاتيّنية وتوما الأكويني والكردينال مرسيه الى اللغة العربيّة، كأني به يضع الحجر الأساس لما هو حوار الحضارات والأديان؛ قائلا لهذا

 

العالم العربي، أن سكب اللغة ليس حصرا على فئة دينيّة أو اقليميّة، وأن الجبل الذي قاوم في أدياره التتريك وحافظ على اللغة العربيّة، يوم اندسرت في العالم الاسلامي، يمكنه من أن يكون " ... له المقدرة على صوغ التعابير ووضع المفردات... "، وبحيث كانت النتيجة، على حدّ ما أورده الأب فريد جبر في دائرة المعارف، أن المطران نعمة الله ابي كرم " ... ترك لنا مئات الألفاظ المستحدثة للتعبيرعن المدولات العصريّة ..."؛ فاتبعها الأزهر في كتاباته في مصر،  وتبنّاها ودرّسها شارل مالك في محاضراته الجامعيّة.

 

   وأخيرا، لن أدخل في تفاصيل مؤلفات وترجمات المطران نعمة ألله أبي كرم الفلسفيّة واللاهوتيّة والقانونيّة المتعددة المتنوّعة، الارث الوحيد الذي تركه بعد وفاته بالاضافة حتما الى أعماله الخيّرة وفكره، كون الموسوعة التي بين أيدينا عالجت بالدقّة والتفصيل القسم الأكبر منها؛ لذا، أختم شاكرا باسم العائلة وبلدة برمّانا أفراد لجنة معرض الكتاب في انطلياس، رئيسا وأعضاء، وأشكر المحاضرين فردا فردا، خصّا بالذكر سيادة المطران الصديق مارون ناصر الجميّل على وضعه هذه الدراسة عن كبير من أحبار الطائفة المارونيّة المنسيين، ولما كتبه ويكتبه عته وعن الكثيرين من اللذين أعطوا الوطن والطائفة الكثير-الكثير دون أي مقابل، وقدّ بقوا همّ أيضا،علمانيين ورجال دين، في طيّ النسيان؛ راجينه استكمال أبحاثه عن المطران نعمة الله أبي كرم ورفاقه، وعن رجالات لبنان-اللبناني على صعدهم كافّة،  لما هو خير للوطن ولوحدته،  من ضمن

 

التعدديّة الطائفيّة القائمة، وخير للطائفة المارونيّة بالذات ولوحدتها من ضمن تعدديّتها السياسيّة، وهي الطائفة الوحيدة الفريدة في هذا الشرق التي ظلت موحّدة متماسكة رغم الحروب والاضطهادات منذ يوحنّا مارون، بينما سقطت الأنظمة كافّة، وتشققت الأديان عامّة، وتفتت المذاهب جمعاء؛ وفي زمن يعمل فيه البعض اليوم، عن معرفة أم غباء تاريخي، على الافساح في المجال لتعدد المرجعيّات المارونيّة بين هنا في بكركي، وهنالك خارج التخوم الوطنيّة، مما حمل اللبناني والمسيحي والماروني بالأخصّ، على فقدان كلّ أمل بالكيان والوجود والسيادة والاستقلال، بالاضافة الى ما يراه عند القيادات على صعدها، من تنافر وتناحر وأنانيّات ومصالح خاصّة وفئويّة ، بالاضافة الى عدم التخطيط والتوجيه.

 

  وشكرا لكم جميعا.

_______________________________

كلمة الأب الرئيس الدكتور جوزف بو رعد

وصف الأب الرئيس الدكتور جوزف بو رعد، مدير الندوة، اللّقاء بـ"حبري بامتياز"، مشيرًا إلى أنّه يجتمع فيه المطرانان عاد أبي كرم وحنا علوان للتحدّث عن كتاب زميلهم المطران مارون ناصر الجميّل. ثمّ أضاف أنّ المشاركين في هذه الندوة سيناقشون الكتاب من "موقع القارئ المنحاز والمتعاطف الّذي تربطه بالكتاب والمكتوب فيه صلاتٌ كثيرة". وأشار في الختام إلى أنّ الكاتب المطران مارون ناصر الجميّل كتب هذا الكتاب لينزع "غبار الإهمال" عن المطران نعمة الله أبي كرم "ويعيد له الإعتبار اللائق به"، ثمّ أعطى الكلمة للمحاضرين.

__________________

كلمة سيادة المطران حنّا علوان

أشار المطران حنّا علوان في بداية كلمته إلى أنّ شغفه بالكتابة وتقديره لعلمٍ من أفخر أعلام الكنيسة المارونيّة هما ما دفعاه إلى قبول المشاركة في الندوة حول كتاب المطران مارون ناصر الجميّل، مشيرًا إلى أنّه هناك مجالات علميّة ومهنيّة تربطه شخصيًّا بالمطران نعمة الله أبي كرم. ثمّ وصف المطران نعمة الله بـ"العبقري الكبير" الّذي غاص في الفلسفة وترك مكتبة كاملة في الحق القانوني. وأضاف أنّه كان شغوفًا بعلم الفقه والقانون ونشر كتابه الأوّل في القانون عام 1889 "قسطاس الأحكام"، وأشار إلى أنّ ما ميّز عمله هو أنّه حاول التوفيق بين القانون الكنسيّ الشرقيّ وعادات الشرع الإسلامي والتقاليد القضائيّة والفقهيّة المعمول بها في الجبل اللّبناني. ثمّ تحدّث عن القضايا الّتي نظر فيها المطران نعمة الله بصفته مستشار في مجمع الإيمان القسم الشرقي، كالدعاوى الزواجيّة والدعاوى الحقوقيّة، وأشار إلى أنّ المطران لجأ إلى المبادئ القانونيّة التسعة والتسعين الّتي كانت تعتمد في المحاكم ليدرس هذه القضايا. ثمّ أضاف أنّ المطران نعمة الله ساهم في وضع مجلّة قانونيّة رسميّة للكنائس الشرقيّة، نُشرت بعد وفاته. وفي الختام، شدّد المطران حنّا علوان على أنّ كتاب المطران مارون ناصر الجميّل عن سيرة المطران نعمة الله هو بمثابة تراث في متناول الجميع، يُشعر بأنّ "نجمًا من نجوم كنيستنا عاد وتألّق في سماء العلم والمعرفة".