كلمة المحامي جورج بارود

في يوم تكريم الرئيس خليل أبو رجيلي

الخميس 19 /3 / 2015

الحركة الثقافية – أنطياس

 

        من رعيل المخضرمين الذين أغنوا القضاء الاداري في لبنان. عاصر علماء في القانون وتتلمذ على يد عمالقة منهم أمثال: إميل تيان، وبيار صفا، وجان باز، وجان سوريو، وأنطوان بارود، وإدمون ربّاط.

        سقى الله زمانًا كان فيه لبنان وطنًا يعتّز برجال القانون والادارة من أبنائه ويفاخر بهم، وقد نهلوا جميعًا من علم القانونيين الفرنسيين واكتنزوا من خبرتهم حتى تميّزوا وباتت آراؤهم واجتهاداتهم مراجع يُهتدى بها.

        بعد هيئة القضايا في وزارة العدل عيّن خليل أبو رجيلي قاضيًا برتبة مستشار معاون في ملاك مجلس شورى الدولة ورفع إلى رتبة مستشار، ثمّ تولى رئاسة الغرفة الثالثة في المجلس عام 2006، واستمر حتى تقاعده في أول تموز عام 2008، وقد فصلت غرفته في ملفات مميّزة، وأصدرت اجتهادات هامة نذكر منها ملف قصر فرعون، حيث أعلنت طابعه الاثري وجعلت منه متحفًا ومعلمًا تراثيًا.

        شارك الرئيس خليل أبو رجيلي طيلة حياته القضائية في عضوية مجلس  القضايا، وهو أعلى هيئة قضائية في مجلس شورى الدولة، وشارك كذلك في أعمال الغرفة الادارية التي تعطي الاستشارات إلى الحكومة اللبنانية.

        اهتم مكرمنا بالحقل الاكاديمي، فدرّس في عدة جامعات، وحاضر في مواد القانون الاداري والقانون الدستوري والقانون الدولي العام، ومثّل وزراة العدل في لجنة المعادلات التابعة لوزارة التربية الوطنية، وعمل مستشارًا قانونيًا لرئاسة الجامعة اللبنانية، وكان له دور أساسي في وضع العديد من مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية لدى أكثر من إدارة عامة. وكلّف من قبل الحكومة اللبنانية برئاسة اللجنة المكلفة بدراسة اتفاقية مكافحة الفساد؛ وقد وضع النصوص اللازمة لتصبح القوانين اللبنانية متلائمة مع الاتفاقية الدولية، يوم يطلب لبنان الانضمام إليها، إلاّ أن هذا الامر لم يحصل لانه يتعارض مع مصالح بعض الحكام والسياسيين عندنا.

        اعتمدت أطروحته بعنوان:"الرقابة على دستورية القوانين بصورة عامة وفي لبنان بصورة خاصة التي نال على أساسها شهادة الدكتوراه دولة في الحقوق بدرجة جيد جدًأ، مصدرًا لتأسيس المجلس الدستوري في لبنان، وكانت المرجع الوحيد بهذا الموضوع باللغة العربية.

        أصدر الرئيس أبو رجيلي عدة مؤلفات حقوقية نذكر منها: قانون الوظيفة العامة والمعاهدات الدولية وأًصول المحاكمات الادارية ونشر أبحاثًا قانونية متعددة في مجلات متخصصة.

        إلى جانب الوجه القانوني، يتمتع مكرّمنا بوجه آخر فكري وأدبي مميّز وقد أصدر ديوانين باللغة الفرنسية واحد يعنوان:"حكايات سياسية Fables politiques "، وآخر بعنوان: "قم وامش Lève – toi marche"، وديوان ثالث لا يزال قيد الطبع، إلى جانب العشرات من القصائد يحاول جمعها، وقد اطلعت شخصيًا على بعض منها، وهي تنضح جميعها بالنفحة الانسانية، ويتجلى فيها البعدان الديني والثقافي اللذين اكتنزهما من دير مار يوحنا الخنشارة حيث تعلم وتعمق في الاداب لاسيّما الفرنسية منها وعلم النفس والدين والفلسفة، حتى لقبه رئيس المعهد في حينه سيادة المطران ابراهيم نعمه الذي كان لا يزال كاهنًا بشاتوبريان.

        إن الحركة الثقافية – أنطلياس، إذ تكرّم اليوم الرئيس الدكتور خليل أبو رجيلي كعلم من أعلام الثقافة في لبنان، تسلط الضوء  من خلاله على أهمية الفكر العلمي القانوني المبني على القيم والاخلاق التي بدأت تغيب بعض الشيء عمن يتولون الشأن العام في أيامنا الحاضرة، بحيث لم يعد يفاجئنا غياب الدولة والمؤسسات بعد أفول نجم رجال العلم وتقاعد كبار رجال القانون والادارة وغياب رجال الدولة، وبروز المتنطحين الطامعين بالمجد وجني الثروات، غير آبهين بالمعايير المعتمدة لبناء الدولة، عاملين على إزكاء روح الزبائنية والطائفية البغيضة؛ فبتنا كمراقبين نفتش على ضوء الحباحب عن إداري عالم أو مسؤول نزيه، يساهم في بعث شعاع بسيط من النور في هذا الظلام الدامس.

 

        أيها الحضور الكريم،

        يدفعني في هذه المناسبة واجب وطني ، بإطلاق صرخة بأن السكوت عن الفساد والتلاعب بمصير الوطن بات يصب في مصاف الجرائم. فلم يعد من الجائز التغاضي عن مخالفة القواعد المطلوبة لقيام الدول واستمرارها، بعدما بات وطننا مهددًا ومؤسساتنا تصارع في الرمق الاخير.

        إننا من على منبر هذه الحركة، ندعو رجال القانون والدولة القابعين في الظّل إلى رفع الصوت والتحرك لوضع المواطن في حقيقة ما يختلف عليه رجال السياسة عندنا ويخوضون من مغامرات تهدد الكيان والوجود...

        فليس من الصحة بمكان أن يربط شعب مصيره بما ستقرره دول أخرى عنه ولو كانت صديقة أو شقيقة، كما أنه لا تليق الاوطان بشعب يبتغي أبناؤه الوصول إلى مرحلة من التعايش من خلال التناحر الدائم ، والخوف المستشري بكل فئة منه، من فئة أخرى.

        فإن لم تسُد إرادة العيش بحرية وكرامة على أرض ارتضى أبناؤها بها وعملوا على جعلها وطننا لهم جميعًا يعيشون فيه ومن أجله ضمن أطر قانونية مدنية شاملة وموحدة.

        وإن لم يرتضوا الاحتكام إلى الديمقراطية في حل خلافاتهم واختيار حكامهم.

        وإن بقي التلطي وراء الطائفية بغية كسب منصب أو مركز أو موقع مهما علا، بحجة المناصفة أو المثالثة أو المرابعة أو المخامسة...

        تصح فينا مقولة الساعي وراء الحصول على أرباح عن حصته في شركة مفلسة، فيصل به الامر إلى طلب حلّها وتصفيتها، وإلاّ فتحّل وتصّفى بحكم القانون.

        لا أيها السادة، ليس هذا ما قام وبني عليه لبنان يوم أعلن دولة. فهو قد قام على روح التعاون والتفاني في سبيل الخير العام لجميع أبنائه، وقد أعلن جمهورية ديمقراطية وليس جمهورية طائفية يتناتش أبناؤه خيراته متلطين وراء مصالح طوائفهم، وقد ارتضوا العيش ضمن حدود آمنة وباحترام متبادل، وكانت تباشير الدولة الحديثة قد بدأت تظهر عليه.في ظل حكمه الديمقراطي وقواه الامنية ونظامه المصرفي، وقد توجت السلطة القضائية هامته،وشكلت الضمانة لجميع المقيمين والمستثمرين فيه، ما جعله قبلة الشرق ومركزه الفكري والاقتصادي، وقد بتنا اليوم نترحم على ما وصل إليه.

        فهيهات أن ترجع لنا الايام ما كان في لبنان.

 

        حضرة الرئيس المكرّم،

بتكريمك نعيد إلى أجيالنا الطالعة بعض الامل بعودة الدولة والمؤسسات، فنعلن لهم من خلالك بأن الدول لا تقوم على الفوضى والانانية، وإنما من خلال رجال علماء وشرفاء يعرفون القانون ويعملون في هديه، علّ هذه الاجيال التي لم تعرف لبنان على حقيقته، بسترتك تتمثل وبقيمك تهتدي.

  ____________________

كلمة الارشمندريت الدكتور الياس رحّال

أيُّهـا الحفـل الكريـم،

أيُّهـا المكــرَّم،

أيُّهـا المكـرِّمـون،

 

بينما كنتُ أستذكرُ، مرةً جديدةً، قصائدَ أبي الطيّب المتنبّي الخالدات، وقفتُ على "داليَّةٍ" منهنَّ رائعة مطلعُها:

"لكـلِّ امـرئٍ من دهـرِهِ مـا تعـوّدا"

وتوقَّفتُ بعد ذلك عند بيت من أبياتها هوهذا:

"هو البحرُ غُص˚فيه إذا كان ساكناً

على الدُّرِ واحذره إذا كان مُزبداً"

 

ووجدتُ أن مؤدّاه يُجسّدُ إنتاجَ الرئيس خليل أبو رجيلي الفكري ويُلمُّ به من جوانبِـهِ المهمـةِ الثلاثـة:

 

الجانبُ الأول هو الجانبُ القضائي الإداري

 

كان للرئيسِ أبو رجيلي، منذ بداياتِه الجامعية، موعدٌ مع مجلس شورى الدولة. فنذَرَ عمرَه القضائي للقوانين الإدارية: دراسةً تخصُّصية، وتعليماً في الجامعات، وتطبيقاً واقعياً في الأحكام، واقتراحاتٍ تشريعيةً طليعية. وكان أهلُ القانونِ، قبلَ تقاعدِه في تموز 2008، إذا دخلوا إلى مجلس الشورى ناشدين ناسكاً شظِفَ العيش، رزينَ الطبع، هادئَ الإنفعال، متواضعَ المسلك، شديدَ الإنغماسِ في عمله، يجدون المكرّمَ محتفياً بهم بهدوءِ مِزاجٍ وطمأنينةِ ضميرٍ وثقةٍ وطيدةٍ في النفس مُنبثقةٍ من علمٍ وافرٍ وشفافيةٍ ناصعةٍ وتوكُّلٍ على ربّ العدالةِ والصلاحِ.

 

 

مجموعةُ ثلاثة الاف وخمسماية ملفٍ (3500) إداريٍّ ساهمَ في التحقيق فيها وفي صياغة قراراتها ، بضعُ عشرات من القوانين والمراسيمِ التنظيمية أَعدَّ مشاريعَها، مئاتُ الدراسات والمحاضرات الجامعية في جامعة الحكمة وجامعة الروح القدس ومعهدِ الدروس القضائية ومداخلات في المؤتمرات القانونية محّليةً كانت أو دولية تناولها بنجاحٍ كبيرٍ.

 

أما العناوين الهامة التي استفاض في بحثها بمهنية عالية فهي:

 

1-   الرقابة على دستورية القوانينالتي كانت أطروحته في الدكتوره سنة 1988

 حيث أصبحت منذ ذلك التاريخ مرجعاً سبّاقاً للباحثين في هذا الموضوع الفائقِ الأهميةِ، الذي لم يتوانَ عن متابعته عن كثب في ست دراسات متعاقبة تناول في بعضها إجتهاد المجلس الدستوري وبين التعديلات الواجب إدخالها على نظامه من أجل رقابة أكثر فعالية.

 

2-العقـود الإداريـة:وقد كتب فيها أبحاثاً مستفيضة نشرَت˚في مجموعة إجتهاد القضاء الإداري سنة 1982 وفي مجلة القضاء الإداري في سنة 1996 وفي مجلة العدل سنة 1998 وكان أول من بحث فيها بالعقودِ الأدارية باللغة العربية التي تغطي إجتهادات القضائين الفرنسي واللبناني.

 

3-المعاهدات الدولية:وقد أصدر كتاباً بشأنها سنة 2014 تناول هذه المعاهدات المشرّع لها في إتفاقية فيينا سنة 1969 مع ما توافر في تفسيرها وتعديلاتها من فقهٍ واجتهادات وهو كتاب واسع الآفاق لم يكن له نظير في اللغة العربية عند صدورِه.

 

4-أصول المحاكمات الإدارية:وهو مؤلّف قيدَ الإعداد ولا غنى عنه في القضاء الإداري نظراً للنواقص وللإقتضاب في التشريع ويتناولُ فيه تعديلاتٍ واجبةِ الوجود في قانون نظامِ مجلس الشورى ولا سيما في المادة 70 منه التي يعتبرها مخالفة للدستور (مجلة العدل – العدد الرابع لسنة 2013 قسم الدراسات ص 1679 و1699)

 

الجنيُ في الجانب الإداري عند المكرّم غفيرٌ لا تتّسع لغزارته هذه العجالة فلنكتفِ منه بما تيسّر لنا الآن من تلك الحفنات من اللآلئ المستخرجة من بحر علمه ولنترك للمطوّلات القانونية ما تبقّى.

 

الجانبُ الثاني فهو الجانبُ الشعري باللغة الفرنسية

 

منذ انتسابِه إلى معهدي الفرير في دير القمر والقدّيس يوحنا في الخنشارة، كان للرئيس أبو رجيلي موعدٌ أخرُ مع عصبة الشعراء اللبنانيين باللغة الفرنسية من مثل: شارل قرم وهكتور خلاط وفؤاد أبي زيد وفؤاد نفاع وناديا التويني وصلاح ستَيتيِّة وإميل أبو خير، فاقتفى أثرهم ونشر ديوانين: الأول سنة 2010 باسم "أمثال سياسية" (Fables Politiques)والثاني سنة 2012 باسم "قم وامشِ" “Lève toi marche”ثم لديه ديوان ثالث من الشعرِ الصوفي هو قيدُ الطباعة وسوف يصدرُ عما قريب.

 

القارئُ المثقف يجد في إنتاجه الشعري أنه نجح بأن يَقرِنَ إلى بيانِ الشعرِ الفرنسيِّ الذي يعتمدُ الإيحاءَ الجذّابَ(Le pittoresque)بيانَ الشعرِ العربيِّ الذي  يعتمدُ الإنشاد الإحتفالي(Le solennel).

 

وقد قال فيه البروفسور شريف مجدلاني الروائي الفرنكوفوني الكبير وأستاذ الأدب الفرنسي في جامعة القديس يوسف في معرض تقديمه الديوان الثاني:

 

“Comme ses prédécesseurs, il manie la langue française avec une indéniable habileté. Et comme eux il la met au service d’une vénérable passion pour le Liban qu’il chante avec ferveur et aussi avec une grande fureur face aux vents de l’histoire qui tendent à provoquer la ruine de ce pays"

 

والقارئُ المثقـف عينهُ يجدُ أيضاً أنه اختار في ديـوانِه الأول أسلـوبَ الأمثـال

(Les fables)على غرار عبدِ الله إبن المقفع في الأدب العربي وجان دي لا فونتين في الأدب الفرنسي من أجل الثورة على الظلم بطريقة أدبية تفرّج عن الهموم لا سيما في الزمن الرديء كزمن الحروب والإضطرابات الأمنية التي تُحيط بنا. وتنتزعُ إبتسامةً بقصد تقويم إعوجاجِ الناس عن طريق إضحاكهم على غرار الرومانيين الذين جاهروا بالقول Castigare mores ridendoفجاءت أمثالُ ديوانه تجسّدُ وتُمجّدُ العدالةَ والحرّيةَ والسلامَ وتقاومُ القبائحَ والمظالمَ الآتيةً من الحكّام.

 

وفي قصيـدتــه: Le voyage de la Liberté

 

        نقرأ أن الحرّية نَزَلَت˚ بإجازة من مسكنِ الآلهة فاختارت˚ بلدين هما أميركا ولبنان. إنتهت في أميركا بجزيرة مانهاتن حيث يرتفعُ تمثالُ الحرّيةِ فانفجرَ غضبها وذرفت دمعتين من نار وصرخت: يا زعماء أميركا توقفوا عن هذه السياسة الملتوية فمتى سكنت˚الحرّيةُ في قلب من حجر أنتم لا تستحقون أن تكونوا حرّاساً لشعلة الحرّية، أنتم شهودُ زورٍ عليها. وتعتّب على فرنسا التي أهدت˚الحرّيةَ إلى أميركا. ثم قطعت الحرّية رحلتها ولدى عودتها إلى مسكنها الإلهي مرَّت بلبنان المشتعل بالحرب فالتقت˚بشعبٍ مضيافٍ يتشوّق إلى الحريّة المنشودة. حينذاك قالت لأهله أنتم لم تنسوا الحرّية بالرغم من تعبّدكم لهؤلاء الأصنام. أَسرعوا وافتحوا لي الأبواب فأنا أُعجبتُ ببلد الأرز وأُغرمتُ بطقسه وجبالهِ ووديانهِ وسهولهِ وقرَّرتُ أن أتّخذ فيه مسكناً لي.

 

وفي قصيـدتـه: Les dieux et les demi-dieuxالآلهة وأنصاف الآلهة

 

        نقرأ أن القضاة رفعوا شكوى إلى رئيس الدولة يطالبون فيها بزيادةِ مخصّصاتهم: فأجابهم رئيس الدولة من خلال وزير الأختام: القضاة هم أنصاف آلهة فإذا شبعوا يصبحون آلهة ويقضون عليَّ وتنتهي القصيدة بالنداء التـالي:

 

“Juges de la planète, en tous les tribunaux

Tremblez,tremblez,Dieu est votre juge suprême

 Craignez-le, craignez-le, le monde vous craindra

 Adorez la justice et soyez des Allahs”.

 

وأما في ديوانه الثاني “Lève toi marche”فنقرأ أناشيـد:

 

-         تتغنّى بسقوط يوضاس وتدعوه إلى حبّ الله فيغفر له الله تمرّدَه وتصبحُ بذلـك

جهنمُ فردوساً.

 

-         وتتغنّى بعتـاب يسوع لأبيه لكونه أرسله إلى الشعب اليهودي حيث لاقى شعباً

ناكـراً للجميل ويلومه لأنه لم يرسله إلى لبنان ويختم كلامه بهذا القول:

 

                        "لو قُيّضَ لي أن أولَد من جديد لَوَلِدتُ في لبنان˚

                                 ولقلـتُ للكـونِ اعُـد˚صُنـعَ الزمـان˚"

 

-         وتتغنّى بنهوضِ لبنان من كبواته عَبرَ القصيدة التي تحمل عنوان: "فعل إيمان"

حيـث يعـلــن:

 

 

                "بالرغم من سلاسل الحديد والخيانات والصغائر والوجاهات الفارغة

                "      أنا أبشّر بولادة لبنان الجديد.

"وبالرغم من تفوّقِ الأعداء والمعاهدات الخاطئة والإفلاس الأخلاقي

                "      أنا أبشّر بقيامة لبنان على غرار طائر الفينيق.

                "وبالرغم من السأم والتنكّر للمعرفة وسيطرة الظلمات على الضمائر

                "      أنا أبشّر بأن لبنانَ الحرّية محتومٌ له الإنتصار.

 

وهنا أيضاً فلنستخرج دُررَ شعرهِ ولنتابع˚لآلِـئَـهُ في مطالعات يَقِظة لدَوَاويِنِهِ.

 

أما الجانبُ الثالث فهو جانبُ الثورة على الفساد

 

        يحرصُ المكرّمُ كل الحرص على مبدأ الثواب والعقاب بين الناس ويقتفي بذلك إثر الحكيم البيبلي حيث يوجز مبدأ العدالة عند البشر بالقول:

        "مؤثِّمُ البارِّ ومبرئُ الآثم كلاهما رجس عند الرّب"

(سفر الأمثال: الفصل 17 الآية 15)

 

فبمقدار ما كان الرئيس أبو رجيلي يسهر على توزيع العدالة بالتوازن الصحيح بين المتداعين، كان بالمقدار عينه بالغَ التشدُّد في السّعي إلى مكافحةِ أوجه الفساد في كتاباته وفي مساهمته بوضع مشروع قانون مكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص وفي المؤتمرات التي شارك فيها.

 

وبالتالي كان ثائراً عنيداً ضدّ الفساد وخاصة فسادَ العاملين في القطاعات العامة وقد نادىباعتبارجريمة سلب الشعب جناية دولية معادلة للابادة الجماعية le génocide

 

ففي تشرين الأول سنة 2003 إشتركَ في مؤتمر مكافحةِ الفساد المنعقد في بيروت بدعوة ورعاية من وزير الدولة اللبنانية للشؤون الإدارية حينذاك وقد إقترَحَ المكرّم على المؤتمر عدّة توصيات تبناها ومن بينها التوصيتان التاليتان:

 

 

 

- الأولى: تناولت تحسينَ مستوى المعيشة والتقديمات الإجتماعية للعاملين في القطاع

العام وإعطاءهم رواتبَ وأجوراً عادلة ومنصفة "تتيح للمسؤولين" النظيفي الكفّ من  التشدد في مطالبتِهم بالشفافيةِ الكاملة والإداءِ الجيِّد.

 

 

-  الثانية: تناولت تشديدَ العقوباتِ في الجنايات والجنح المتعلّقة بالفساد والتفريق بين جرائم الفساد العادية وبين جرائم الفساد الكبرى التي تلحق الخسائر بالأموال العامة وبأموال المودعين في المصارف وعدم إخضاعها للتقادم.

 وبتاريخ 23/5/2006 قرّر مجلس الوزراء تعيينه رئيساً للجنة المكلّفة بدراسةِ إتفاقية مكافحة الفساد الدولية" وبيان النصوص القانونية اللبنانية الواجب تعديلها أو إستحداثها لكي تصبحَ التشريعاتُ اللبنانية منسجمةً مع هذه الإتفاقية الدولية في حالِ إنضمامِ لبنان إليها.

 

 

        أما إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فقد أنشئت بموجب قرار الجمعية العامة رقم 55/61 تاريخ 4/12/2000 بهدف صياغة صك قانوني دولي فعّال لمكافحة الفساد الذي لم يعد شأناً محلياً فقط بل أصبح آفة تمس مجتمعات واقتصاديات العالم أجمع.

        وهكذا فإن اللجنةَ مع رئيسِها المكرَّم قد قدّمت تقريرها إلى مجلس الوزراء. وأن الأممَ المتحدة قد أفسحت المجال للدول بالإنضمام إلى الإتفاقية المذكورة لكن الدولة اللبنانية لم تُقدِم˚على الإنضمام إليها ربما لكون التقيّد ببنودها يضرّ بمصالح بعض القيّمين على دولتنا المغلوبة على أمرها منهم.

 

        وفي الجانب الثالث هذا، قد أثبت المكرّم أن بحرَ علمه، حتى في حال الإزبادِ ضدّ الإنحرافات المالية، لا يبخل بحفنات من الزبرجد. لكن الأيادي المعتادة على الإختلاس لم توافق على اغتنام الدرر الإصلاحية مخافة وقف تدفق المال الحرام إلى الجيوب التي لا تعرفُ الإمتلاء.

 

        تعالوا أيها المواطنون الشرفاء ننادي مع المكرَّم بأن يكون للقانون سلطة على البشر لا أن يكون للبشرِ سلطةٌ على القانون.

 

        وتعالـوا إلى جَمعِ اللآلئ عنده وتنظيمها عقداً تزدان به قامته الوقـورة.

 

وتعالـوا نستبدل كلمة واحدة من بيت أبي الطيّب بتغييرِ لفظة "واحذَره" بلفظة

"واسمَعه"،فيصيـر البيـت هكــذا:

 

هـو البحـرُ غُص˚فيـه إذا كـان سـاكـنــا

    على الـدرّ و"اسمَعـهُ" إذا كـان مزبـدا

 

وكونــوا جميعــاً بخيـر


_________________________

كلمة القاضي خليل أبو رجيلي

 

شكر المحتفى به القاضي خليل أبو رجيلي في بداية الكلمة ربّه، مشيرًا إلى أنّه مصدر كل خير وحق، وقاده إلى القضاء ووضع على دربه أشخاصًا استثنائيّين مثل الدكتور أنطوان بارود، رئيس هيئة القضايا، وعبّر عن سعادته للعمل تحت إشرافه ثلاث سنوات كمحامٍ عن الدولة. وأضاف أنّه عُيّن قاضيًا في مجلس شورى الدولة. ثمّ شكر مدير الجلسة المحامي جورج بارود ومقدّمه المنسنيور الدكتور الياس رحّال، وشكر الحركة الثقافية أنطلياس لتنظيمها المهرجانات السنويّة ولتكريمها رجال العلم والأدب والقانون. وأهدى التكريم إلى عائلته الّتي وفقت إلى جانبه في مسيرته الوظيفيّة والقضائيّة والتعليميّة، وإلى أسرته الكبرى القضائيّة الّتي تعلّم معها بعض القناعات والمبادئ مثل سمّو الوظيفة القضائيّة والعصمة في قول الحق. وفي نهاية كلمته، أشار إلى أنّه كتب الشعر لأنّه وجد فيه "جسر عبور من عالم العدل إلى عالم الحب والمحبّة والجمال".

وقدّم عدد من الأصدقاء شهادات بالمحتفى به في هذا الإحتفال الّذي حضره عدد من الشخصيّات الحقوقيّة والرسميّة والثقافية، كما قدّمت كريمة المحتفى به السيّدة رندة أبو رجيلي خليل مقطوعة غنائيّة لقصيدة بالفرنسيّة لوالدها، بمرافقة على البيانو.

وفي الختام، قدّم الدكتور أنطوان سيف، أمين عام الحركة الثقافية، درع تقدير للمحتفى به، ونسخة عن عامية أنطلياس الشهيرة، عامية 1840، ونسخة عن شهادة التكريم.