"المصالح اللبنانية في المفاوضات السورية - الاسرائيلية"

 
مداخلة د. عصام خليفة
 الدكتور شفيق المصري

 

مداخلة د. عصام خليفة

أيها السيدات والسادة،

        يمر المشرق العربي بمرحلة مفصلية تتحدد في ضؤ تحولاتها أوضاع دول وشعوب المنطقة لفترة زمنية غير قصيرة. فإذا أحسّنا قراءة خلفيات الأحداث الجارية، كشعب وكمسؤولين، وإذا أحسّنا التصرّف بحكمة وروح عالية وحس تاريخي يلتزم الدفاع عن استقلال الدولة اللبنانية وسيادتها، تمكّنا من عبور المخاض. وإذا ولغنا في تعميق الخلافات الضيقة، والتبعية العمياء، وآثرنا المصالح الفردية والفئوية، ولم نحسن التصرف في إطار من الوحدة الوطنية الصافية، حصلت التسوية على حساب لبنان وخسرنا ما أنجزه لنا الآباء والأجداد.

        أيها السيدات والسادة،

        بين سوريا وإسرائيل حصلت مفاوضات قبل العام 2000 أدت إلى ما سمي في ذلك الحين ورقة العمل الأميركية حول المباحثات الإسرائيلية السورية (نشرت في هاآرتس ونقلتها النهار في 14/1/2000 والحياة في 16/1/2000).

        ومنذ العام 2004 حصلت مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل عبر الوسيط التركي. بدأت مقدماتها بين إبراهيم سليمان (عن سوريا) وجيفري أرونسون وآلون ليال (عن اسرائيل). واستكملت المفاوضات في تركيا ووصلت الى مرحلة متقدمة كادت تتحول إلى مفاوضات علنية لولا اندلاع الحرب مؤخراً على غزّة. ليس هدفنا، في هذه الندوة، ان نتعمق في المضامين التفصيلية لهذه المفاوضات، وإنما تسليط الضؤ على كيفية الحفاظ على المصالح اللبنانية بموازاة هذه المفاوضات.

        وفي الورقة الأميركية السورية - الإسرائيلية الأميركية التي نشرت عام 2000 ثمة تركيز على جملة نقاط:
1- الاعتراف بالحدود الآمنة وإنشاء لجنة حدود مشتركة.
2- إلغاء المقاطعة الاقتصادية.
3- نشر قدرات للإنذار المبكر، بما في ذلك محطة إنذار مبكر أرضية في جبل حرمون (داخل الأراضي اللبنانية). تدار بواسطة أميركا وفرنسا (في التوضيح السوري). وفيها وجود إسرائيلي فاعل (بحسب الموقف الإسرائيلي).
4- بالنسبة للإجراءات الأمنية يتعهد كل طرف بالامتناع عن التعاون مع أي طرف ثالث في ملف معاد ذي طبيعة عسكرية ويتأكد من أن الأراضي التي يسيطر عليها لا تستعمل من جانب أي قوات عسكرية لطرف ثالث (بما في ذلك تجهيزاتها وتسليحها) في ظروف تؤثر على امن الطرف الآخر.
5- الامتناع عن التنظيم والإثارة والتحريض او المساعدة او المشاركة في أي أعمال او تهديدات بالعنف ضد الطرف الآخر ومواطنيه وممتلكاته أينما وجدت، ويتخذ إجراءات فعالة للتأكد من ان مثل هذه الأعمال لا تحصل من او تدعم من أفراد على أراضيه او أراضي تحت سيطرته.
6- استمرار سيطرة إسرائيل على كامل المياه (فوق السطح وتحت الأرض) في المناطق التي تجلو عنها. مع منع تلويث بحيرة طبريا ونهر الأردن الأعلى ومصادرها وتناقصها. ويتم إنشاء لجنة مياه مشتركة وآلية إشراف وتنفيذ - او مجلس إداري مشترك - تحدد صلاحياته في ملحق.
7- لا ذكر لمسألة اللاجئين الفلسطينيين في نص هاآرتس بينما في التوضيح السوري ثمة ذكر لإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
8- بالنسبة للعلاقات ثمة تطبيع على الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية (ناس وبضائع وخدمات). وتعاون في مجالات النقل والطرق وسكك الحديد والمرافئ والطيران والبريد والهاتف والفاكس والاتصالات السلكية واللاسلكية والراديو والتلفزيون والسياحة...
9- ثمة 9 ملاحق: خريطة للحدود، لجنة حدودية، عدد القوات، التسلح، عمل محطة الإنذار، آلية المراقبة والتفتيش، آلية تنسيق أمنية، لجنة المياه.

هذه هي الأسس التي كاد الطرفان السوري والإسرائيلي ان يوقعا عليها في شفردزتاون لولا عقبات برزت في الساعات الأخيرة. ومن يقرأ مذكرات دنيس روس (السلام المفقود) يجد بوضوح ان المفاوض السوري كان يتعهد بالمونة على لبنان في تبعيته للتفاوض بعد حصول الاتفاق السوري - الإسرائيلي (الترجمة العربية لروس ص 687 و 694).

    وعن الأسس الجديدة التي انطلق منها التفاوض السوري الإسرائيلي برعاية تركية، والتي قيل عنها انها وصلت الى اتفاق يصل الى نسبة 99.99% بين الفريقين،
‌أ- ثمة تأكيد بأن إسرائيل ستنسحب من مرتفعات الجولان على ان يجري إقامة منتزه (حديقة كبرى) في المنطقة المحايدة على طول بحيرة طبريا يستخدمها الإسرائيليون والسوريون، وتغطي مساحة المنتزه قسماً كبيراً من مرتفعات الجولان ويكون لدى الإسرائيليين حرية دخول الحديقة دونما الحصول على موافقة سورية. ويبقى المنتزه خالياً من السكان الدائمين عدا أولئك الذين يقصدونه بهدف المحادثة وتطبيق القانون.
‌ب- تحتفظ إسرائيل بحق استخدام مياه نهر الأردن وحديقة طبريا ولا تعيق او تمنع سورية، سواء الكمية او النوعية للتدفق الطبيعي للماء في القسم الأعلى لنهر الأردن وروافده وبحيرة طبريا.
‌ج- يتم نزع السلاح عن المنطقة الحدودية بنسبة 4/1 على الأرض لصالح إسرائيل مع إنشاء نظام إنذار مبكر يشمل محطة أرضية على حرمون تديرها أميركا.
‌د- توافق سوريا على وقف الدعم لحزب الله وحماس والحد من العلاقة مع إيران.
‌ه- يتعاون الطرفان في محاربة الإرهاب المحلي والدولي بكل أنواعه. ويعمل الطرفان معاً لإرساء شرق أوسط مستقر وآمن، بما في ذلك حل المشاكل الإقليمية الخاصة بالفلسطينيين، اللبنانيين وإيران.
انطلاقاً من مجمل هذه المسودات للاتفاق بين سوريا وإسرائيل نجد من الواضح ان المصالح اللبنانية مهددة في نقاط عدة أبرزها:
1- الأرض التي يقام عليها مرصد الإنذار الإسرائيلي في جبل الشيخ هي في لبنان. وثمة خطر بتكريس الوجود العسكري الإسرائيلي في هذه الجبل اللبناني - السوري!!
2- ثمة تعهد بإعطاء كامل مياه الأردن الأعلى لإسرائيل. بينما حصة لبنان من الحاصباني يجب ان لا تقل عن 70 مليون م3 للري والشرب. (مع العلم ان اقتراح جونستون أعطى لبنان 35 مليون م3). وثمة تجاهل للبنان في اللجنة المقترحة للإشراف على توزيع المياه.
3- ثمة خطر باحتمال توطين الفلسطينيين وهذا امر يوجد خلالاً بالكيان الوطني.
4- ثمة تعهد سوري بالحد من تحرك وتسلح حزب الله. ولا وضوح في كيفية التوصل الى هذا الأمر. هل بمنع تمرير السلاح؟ ام بأشكال أخرى؟
5- ثمة علاقات شاملة مطبّعة (دبلوماسية واقتصادية وتجارية - بضائع وأشخاص - وسياحية)، ولا وضوح أين موقع لبنان في إطار هذه العلاقات.

ولكن من حقنا ان نطرح ازاء هذه الوقائع جملة من الأسئلة:
1- هل تقدم سوريا على عقد اتفاقيات مع إسرائيل بمعزل عن اتفاق إسرائيلي - فلسطيني؟
2- وهل يمكن تجاهل قدرة الإيرانيين على عرقلة أي اتفاق لا يتناسب مع مصالحهم في سوريا وفي لبنان؟
3- وهل يمكن ان تقف أوروبا والفاتيكان خصوصاً، مكتوفة الأيدي تجاه أي حل يكون على حساب لبنان الدولة والمجتمع والدور؟
4- وهل ان الحكومة اليمينية في إسرائيل تؤمن بالوصول الى تسويات مع جيرانها ام تستمر في مستنقع الاستيطان ومحاولة إلغاء الهوية الفلسطينية؟
5- وهل تستطيع السياسية الاميركية مع الرئيس اوباما ان تفرض تسوية عادلة ومتوازنة في حال رفض إسرائيل ذلك؟ مع العلم ان احد المسؤولين الأميركيين الكبار قال ما معناه: اذا حصلت مواجهة بين إسرائيل وأميركا فالأخيرة سيرف جفنها. واستطراداً ما مدى قوة دبلوماسيين كالسفير انديك في مركز القرار الأميركي الذي يدعو لعودة سورية الى لبنان للسيطرة على حزب الله.؟
6- ما هي انعكاسات فشل التسوية العادلة للصراع العربي الإسرائيلي على وضعيات الأنظمة العربية؟ وما مدى تصاعد الأصوليات الإسلامية في مواجهة تصلب الأصولية اليهودية؟ وما هو مصير المسيحيين ليس فقط في لبنان بل في مجمل المشرق العربي، وربما في مصر والسودان؟
7- والى أي حد يمكن الرهان على تيارات عقلانية وديمقراطية معتدلة داخل إسرائيل تسعى لفرض السلام العادل الذي يصب في مصلحة الدولة العبرية نفسها قبل ان يؤمن الحد الأدنى من العدالة للشعب الفلسطيني؟
8- وبالنسبة لنا كشعب لبناني هل نشعر بخطورة المرحلة على مستقبلنا وعلى مصيرنا الوطني؟ الى متى تُغذي الانقسام بين الأحزاب والمذاهب وضمن الأحزاب والمذاهب؟ الى متى نعطي الأولوية لأوامر ومصالح الخارج على مصالح لبنان العليا؟ والى متى نسير بعصبياتنا وراء مصالح الأشخاص وأهوائهم متناسين نداء الوطن والمصالح العليا للدولة؟ وهل نستوعب الزلزال الذي سيحصل والذي سيغيّر وجه المنطقة اذا وقّع اتفاق السلام بين سوريا وإسرائيل؟
9- أين هي برامج المرشحين الانتخابية من كل الأطراف التي تضع التصّورات الواضحة المدافعة عن مصالح لبنان في إطار المفاوضات السرية الجارية والمفاوضات العلنية المزمع قيامها؟ وما هو مدى اطلاعهم على خلفيات السياسات الإقليمية والدولية؟
10- كيف نتسلح بالوحدة الوطنية، ونحسن اندماج بطولات مقاومينا مع جيشنا الوطني في منظومة دفاعية تفرض احترام حقوقنا ومصالحنا كشعب لبناني ودولة لبنانية محتكرة وحدها حمل السلاح ولها حقها بالاستقلال والكرامة والسيادة في إطار التحالف مع محيطها العربي كما تقول مواثيقنا الوطنية. وتحترم كل القرارات الدولية ذات الصلة.
11- الى متى يستمر المسؤولين في التفرّج على انحلال إدارات الدولة ومؤسساتها وتعطيل فعاليتها؟ والى متى يسكتون على وضع الحلول التي تحول دون تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية؟ الا يعلمون ان السياسة تقوم على قوة الحق والمصلحة العامة في مواجهة محاولات العاملين للانهيار لتتم التسويات على حساب شعبنا ودولتنا ووطننا، وللقول للآخرين ان شعبنا غير جدير بالاستقلال وانه يجب ان يظل تحت الكوندومينيوم والوصاية؟!

حسبنا في الحركة الثقافية - انطلياس - كما العادة - ان نقرع ناقوس الخطر ونحذّر من المستقبل المظلم اذا لم نحسن الدفاع عن مصالحنا العليا في مواجهة كل الأخطار المحدقة. وحركتنا كانت ولا تزال على إيمان عميق بوعي شعبنا وبقدرته على الانتصار.


 

الدكتور شفيق المصري

يحمل هذا العنوان ثلاثة تساؤلات أساسية:

أولاً: هل ستسفر المفاوضات السورية - الإسرائيلية عن نتائج قريبة وايجابية؟

الواقع ان سوريا كانت تملك أوراق أكثر فاعلية وتأثيراً على طاولة المفاوضات عندما باشرتها في أوائل التسعينات. اما اليوم فقد ضعفت هذه الأوراق اللبنانية والفلسطينية وحتى العربية التي كانت تستخدمها. كذلك كانت الولايات المتحدة ولاسيما في عهد الرئيس كلينتون، أكثر اندفاعاً لإنجاح هذه المفاوضات وضمانها. اما اليوم فان مجيء نتنياهو الى الحكم مع لاءاته المعروفة ولاسيما الرافضة للانسحاب من الجولان فان تطوير هذه المفاوضات والتزام أميركا لحماية إسرائيل قد يعيق مسارها.

ثانياً: هل ستتناول المفاوضات السورية - الإسرائيلية أي أمر جوهري لبناني.  

كان نتنياهو في التسعينات يحاول تسويق "لبنان-أولاً. أي ضمان لبنان أمنياً من قِبَل قبل سوريا في مقابل تطبيع وتطوير علاقاتها مع الإدارة الأميركية ولكن اليوم تغيرت الظروف والمعطيات على الصعيد اللبناني - الإسرائيلي بعد الانسحابات وبعد القرار 1701 وضماناته ولاسيما في وجود اليونيفيل المعززة (30 ألف عسكري). كذلك فان الهدف الأساسي الأمني لإسرائيل لم يعد جنوب لبنان بقدر الملف والامتداد الإيراني. أما مسألة التوطين فلا تقررها سوريا وانما هي دولياً في يد اللجنة المتعددة الطرف وسياسياً في وثيقة جنيف. تبقى مسألة المزارع والتلال التي يتولاها القرار 1701.

ثالثاً: هل لدى لبنان مواقف ومطالب يجب تبليغها لسوريا وغيرها من الدول:

العودة الى الضمانات الدولية الأساسية:

- الالتزام الكامل بالفرار 1701 الذي يشكل خريطة الطريق في الصراع اللبناني الإسرائيلي. وهو ليس ورقة تفاوضية وإنما يشكل الزاماً ذاتياً على لبنان وإسرائيل لأنه يستند الى الفصل السابع من الميثاق.

- الالتزام الكامل باتفاقية الهدنة التي أكد عليها القرار 1701 ذاته.

- الالتزام الكامل بالقرارات الدولية الضامنة ولاسيما القرار 1559 و 1680 و 1701 و 1757 .