أساور الوطن لبرجيس الجميّل

كلمة أنطوان سيف
كلمة الأستاذ فادي يرق 
كلمة الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب مروان تابت، م.ل.
كلمة الأستاذ انطوان بخعازي


كلمة أنطوان سيف

        أساور الأهل استولدت من الذاكرة أساور الوطن. الأساور التي كانت تخرج في المناسبات لتطوِّق معصم الجدّة قبل أن تعود سريعاً إلى مخبئها الأمين، والتي لازمت معصم الأم وأغوت حلم الإبنة للانتقال إلى جيدها، هي بريق بهي يضمر جوهره كذخيرة تقطن قاعة الانتظار في مسكن الحياة الهانئة، إلاَّ أنها مرصودة كأمل مخلّص في أزمنة البقرات الضامرة التي كانت تهدّدنا بها عاتيات الدهر التي أبقتها ساخنة في الأذهان ذكريات "حرب الأربعتعش" ومجاعتها الفاتكة بأهلنا في جبل لبنان.

الصورة الشعرية التي زاوجت الأسوارة بالشجرة الخضراء أرست في الوجدان تجاذب الخوف والأمل، بخاصة لدى جيل الذين كانت الحقول والأحراش مسارح ناصعة لطفولتهم وفتوَّتهم وشبابهم، فشهدوا شهادة حيٍّ يُرزق ويتألَّم اجتياحَ العمران الحجري لتلك المسارح في جبلنا والسهل والساحل. وبعض ضحاياه الملموسة، مع شيوع نماذجها، هو ما ترونه في هذه القرية البلدة المدينة انطلياس التي زادت شهرة إضافية على مآثرها التاريخية الوطنية والروحية بليمونها البرتقال الذي تفتحت عبقرية الأخوين رحباني  بإحيائهما  مهرجان عيد الليمون فيها في منتصف القرن الماضي، الليمون الذي صنفته كتب الجغرافية التي درس فيها التلامذة الذين باتوا شيوخاً اليوم، من المعالم المميزة للوطن الحائز لتوّه على استقلاله الناجز: فلم يشفع عيد الليمون ببساتينها الخضراء كما لا يشفع اسم الاخوين رحباني عاصي ومنصور الذي يسمّى هذا المسرح الذي نحن فيه بما تبقّى من آثار تلك البساتين الباقية. ومن غريب الصدف، وهذه ملاحظة جد شخصية أسمح لنفسي بإبدائها، ان بعض هذه الآثار الشجرية البرتقالية الباقية حول بيتنا على مرمى حجر من هنا، يصار في هذه اللحظة إلى قطع نصف عددها!

        للعمران بمعناه الأوسع متطلباته من غير شك. وما من حضارة قدمت حياة الكائنات الحية الأخرى، الحيوانية والنباتية، على حياة البشر. إلاَّ أن ما يحرج الأكثر، ليس الذكريات الجميلة الهاربة والتي ما فتئت معالمها تدمَّر على مرآنا، بل ذلك التدمير الهولوكوستي الأعظم الذي ما لبث يهدِّد طبيعتنا الخضراء مع كل هبَّة رياح حارّة والتي تلتهم بلهيبها مساحات شاسعة تحوِّل "أساورها" رماداً كما يقول عنوان الكتاب، وتفرض عليها اللون الدخاني الأسود وتلوّث هواءنا وأجسامنا وأرواحنا، الصغير منها والكبير. والأخطر من كل ذلك، والأكثر رعباً أيضاً أن تكون تلك النيران مفتعلة، وهي تستدعي بذلك حالة طوارئ خاصة، تتجاوز كل الاجراءات التقنية لمكافحتها، منها الطائرات الحميدة التي تبرَّعنا لتأمينها.

نقف بخوف أمام ما يقوله الكتاب لناشئتنا بأن المساحة الخضراء في لبنان باتت 13% من مساحته. وان في شهر تموز الفائت وحده حصل 2846 حريقاً! وأكمل الجملة بالرعب ذاته: و 90% منها مفتعل، ولم يُلقَ القبض على أحد من مفتعليها!

لم يتنازل الدكتور برجيس الجميّل، عاشق البيئة اللبنانية و"المترهبن" لصونها، عن الحقائق المؤلمة. فكتابه الملوّن يزنّر صفحاته كلّها اطار عريض من نار ودخان الأحمر الوهاج المتشح بالسواد تتوسطه كرة مشتعلة زرع فيها رقم الصفحات المتسلسلة تذكيراً لا يكلّ، يكسرها في كل صفحة الأمل الرابض والصامد من صور الأخضر والأزرق السماوي والأبيض الثلجي، وكلها مختصرة مع الشجرة المقدسة في وسطه، علم وطننا المهدد بشياطين شتى.

وفي الكتاب أيضاً صورة الشجرة / الشبح الملتهب وصورة الشبح / ألسنة النار تتوسط ساح جرائمه الحاقدة على الطبيعة اللبنانية. والكتاب هو خصوصاً أمل ورجاء وتفاؤل بالانتصار. كاتبه ككل الانقياء الأصفياء في الوطنية، وثقة بالتجاوز والانتصار الأخير.

        على هذه المخاوف على لبنان الوطن والبيئة، البيئة التي باتت المرادف للطبيعة الصافية الأصيلة، التي غيّرت فلسفة الانسان القديمة وجعلته يتحدّد أيضاً hic et nunc بالهنا والآن، أي بالمحيط البيئي الذي يحتضنه دائماً وأبداً ويصبح فيه إنساناً غير كامل الانجاز الدائم، وعلى هذه الآمال والعلوم والأفكار النيرة والتقنيات، نلتقي: علماءَ ومفكرين منخرطين في الشأن العام الإنساني من جوانبه كافةً. شكراً للمؤلّف الدكتور برجيس الجميّل، وإلى المواقف المحيطة والموضوعية للمنتدين من هذا الأثر.


كلمة الأستاذ فادي يرق

حضرات المنتدين الكرام

     عندما يُهدى كتابٌ إلى بيروت ، أمِّ الشّرائعِ وعاصمةِ الكتاب، وعندما يُوَجَّهُ الكتابُ نفسُهُ إلى أولادِنا وإلى الطفولةِ الواعدة، نجدُ أنفُسَنا، إنطلاقًا من موقعِنا الرسمي، في قلب الحدث. فوزارة التربية والتعليم العالي هي الحاضنةُ الأولى للأجيالِ الفتيّةِ والشَّابة، وهي المؤتَمَنةُ على تراثِ بيروتَ عَبْرَ تاريخِ المعرفة.

     والحركةُ الثقافيّةُ ، بما تختزنُ من تاريخٍ مجيدٍ في نشرِ الثقافة المعاصرة، وإحياءِ الإبداعِ التراثي، والانفتاحِ على ثقافاتِ العالم، تشكِّلُ منبرًا للتعبير عن القضايا المستجدّة في الفكر والتربية. فشكرًا للحركة الثقافيّة على نشاطها الدؤوب، وعلى الدعوةِ الكريمةِ التي وُجّّهت إلينا للمشاركةِ في هذه الندوةِ البيئيّة، وتهنئةً لمحورالندوة،الدكتور برجيس الجميّل، على مجموعةِ أعمالِه الفكريَّةِ والأدبيّةِ والاجتماعيّةِ والإعلاميّة، فالحديث عنها لم يبدأ مع هذه الندوة ولن ينتهيَ بانتهائها.

     أمّا "أساور الوطن" والمؤلّفات البيئيّة للكاتب، فلها من مشروع "التنمية المستدامة" في وزارة التربية تحيّة تقدير، وخصوصًا أنّ هذا المشروع أطلقته معالي وزيرة التربية والتعليم العالي منذ أشهرٍ قليلة، بدعمٍ من فخامة رئيس البلاد، ومتابعةٍ من المديريَّةِ العامَّةِ للتربية . وسوف نركّز كلمتنا على محتوى الكتاب، موضوع الندوة، باعتبارِه فصلاً من فصول التربيةِ البيئيّة،ثمّ نتطرّقُ إلى كيفيّةِ استثمارِهِ التربوي.

أوّلاً ـ في محتوى الكتاب:

     موقفٌ جريءٌ وعملي في رفضِ تشويهِ صورةِ الوطنِ أرضًا وشعبًا وتاريخًا حضاريًّا ، ومحاولةٌ مضنيةٌ لبلسمةِ جراح الوطن الناهضِ من الآلام والحرائق، ودعوةٌ محذِّرةٌ لأبناء البيت الأوفياء،الأولاد والأهل والمواطنين، ألاّ يتركوا الأياديَ العابثةَ الجاهلةَ تقضي على لوحاتِ الله البديعة في الطبيعةِ اللبنانيّة. والصورُ تحكي قصّة الصِّراع بين الجمال والقبح . مجرمٌ بحقِّ نفسهِ وحقِّ أولادِهِ وحقِّ مجتمعهِ وشعبِهِ من يحوِّلُ النسيمَ العليلَ إلى هواءٍ موبوء، والحديقةَ الغنَّاءَ إلى فحمةٍ سوداءَ.هذا ما يعبّر عنه الكاتب في مواضعَ متعدّدة من كتابِه ، ويضيف أنّ الدعوةَ ملحّةٌ لمحاربةِ من ينعتُهم بشياطين الغضب والجهل والإنتقام ، فهؤلاء يحاولون القضاء على ثروةِ الطبيعةِ وتشويهِ وجهِ خالقها. ونقتبس من مكانٍ آخرَ في الكتاب : "تُرى أيُّ جنسٍ هذا الشيطانُ الحاقدُ الذي يريدُ أنْ يجعلَ من وطنِ الحرّيّةِ معتقلاً، ومن لونِ الأملِ ألوانَ الموتِ، ومنَ المدرسةِ سجنًا، ومنَ الينبوعِ قحلاً، ومن أرضِ القداسةِ والمحبّةِ أرضًا للحقد؟ "

     وتتنوّعُ مقاربةُ الموضوعِ من إطارٍ قَصَصِيٍّ حواريٍّ، إلى مشاهداتٍ معبًّرة ، إلى وصفٍ دقيقٍ إلى تنبيهٍ وتحذيرٍ...ويتنوّعُ موقفُ الكاتبِ، معاتبًا، محلَّلاً، مبرهنًا بالوقائعِ والصّور، محفِّزًا الجيلّ الفتيَّ، داعيًا إيّاهُ إلى التشبّث بترابِ الوطن، في الوقتِ الذي يوضَّبُ آخرونَ حقائبَ أولادهم للهجرة!

     أمّا أساورُ جَدَّتِهِ فيتمثّلُها أشجارَ الغاباتِ بدوائرِ جذوعها وبتجذّرها في أعماقِِ الأرض، وهي السياجُ الأهمّ للتربة والجنى والعطرِ والشذى والنسيمِ العليل: شجراتُ لبنانَ المطيّبةُ بروائحِ العطرِ والعنبر، المتمايلةُ بين الأرضِ والسماء...أَسَاوِرُ لبنانَ أَسْوَارٌ له ، لهوائِه وظلالِه وثمرِه ودفئهِ وطبيعةِ بيئتِهِ ومُناخِهِ.

     جولةٌ في الفكرِ والضمير، حديثُ البيئةِ إلى البشرِ بعفويّةٍ مباشرة، عودةٌ إلى التراثِ والأسطورة، وإلى موقعِ لبنانَ في الكتابِ المقدّس، والتفاتةٌ حزينةٌ إلى فلسطينَ المنكوبةِ،مرفقةٌ بدعوةٍ إلى محاربةِ الشيطانِ المتربّصِ بالمدنِ الشرقيّة!

ثانيًا ـ في الاستثمار التربوي للكتاب  

     هذه الموضوعاتُ متدَاوَلةٌ اليومَ على كلِّ لسان،إنّها محاورُ رئيسةٌ لمناهجِ التربيةِ البيئيّة.وبالإمكانِ استثمارُها بطرح أسئلةٍ متنوّعةِ الكفايات ، مستقلّةٍ بكلِّ مادة ، أومندمجةٍ تتناول موادَّ متعدّدةً ومشاريعَ تربويّةً موحّدَةً كما هي الحالُ في الرُزمةِ التربويّة التي وزّعتها وزارة التربية على المدارس .كما يمكنُ استثمارُ دراسةِ الصورةِ وعناصرِها وأبعادِها ووظائفها وبخاصّةٍ الوظيفة الإيعازيّة ، والتمثٌّلُ بالأسلوب القريبِ المتناوَل وتطبيقُ المكتسباتِ اللغويّةِ في موضوع البيئة ..

     وفي الكتاب معارفُ تتناول الحضاراتِ القديمةَ والحديثةَ ، الفينيقيّةَ وأبجديّتَها والأرجوان،  ونقوشَ نهرِ الكلبِ ،وخشبَ الأرزِ وأهميّتَهُ التاريخيّة... يمكنُ استثمارُها في بثِّ الشعور الوطني لأهميّةِ لبنانَ عبرَ التاريخِ والاعتزاز بها . وفيه مقارنةٌ ملفتةٌ بين الشجرةِ والإنسانِ من حيثُ الولادةُ والنموُّ والتجذّر ،تصبّ في الخانةِ التربويّةِ الوطنيّة نفسِها ،  وفيه تركيزٌ على طبيعةِ لبنانَ المتنوّعةِ قبلَ الحربِ ، حيث كانت بمنأى عن الحرائقِِ والجراثيم والأوبئة والتلوّث، والاستثمارُ هنا يكونُ بتعزيزِ العيشِ السلمي المشترك الذي يعود بالفوائد الجمَّة على أبناء الوطن وبيئتِه . هذه البيئةُ التي كانت تشكّلُ مادّةَ وحيٍ للأدباء والشعراءِ والمفكّرين ، وهنا الاستثمار الأدبي والفكري واللغوي بالترابطِ مع نصوصٍ تدعم هذا التوجه. وفيه إحصاءاتٌ عن المناطقِ والأريافِ والمدنِ التي أصابتْها الحرائقُ منذ فترةٍ وجيزة، بالإمكان زيارةُ إحداها والاتّعاظُ من هولِ المشهد، وطرحُ سبلِ إحيائهِ من جديد . وإحصاءاتٌ عن تدني نسبةِ المساحاتِ الحرجيّة ، وتدنّي معدّلِ هبوطِ المطر في قرنٍ واحد الى 20% وعن تسرّبِ الغازاتِ السّامةِ واشتعالِ الحرائق والشحّ في الأمطارِ والنظمِ الحياتيّة وارتباطِها بالنظم الاقتصاديّة ، والكسّارات والمقالع وغيرها..... وكلّها مواضيعُ خصبةٌ لعلومِ الطبيعةِ والأحياء . ومن الاستثمارات المهمّةِ كذلك جمعُ المواضيعِ نفسِها في مشاريعَ تربويّةٍ ونشاطاتٍ مدرسيّةٍ وغيرِ مدرسيّةٍ في موادّ متعدّدة : التاريخ والجغرافيا والتربية والعلوم والاقتصاد واللغة وغيرِها..كما يمكن تطبيق منهجيّاتِ تقنيّات التعبيرِ من حوارٍ ومناظرةٍ ومقابلةٍ وبحثٍ في العمل الصفّي في الموضوعات المطروحة . كما هو مقترحٌ في أهداف التربية المستدامة .

     ولا يكتفي الكاتب بإثارة الموضوع إنّما يقترح له حلولا ، فهو يسعى لإكساب المتعلّم مهاراتٍ سلوكيّةً في التعاملِ مع الطبيعةِ ومنها تشجيرُ الأماكنِ المتصحّرةِ وإحياءِ القيمِ البيئيّة ، والاهتمامِ بالاحراج وتنظيفِها ... كما يوجّه إلى المعنيين رسائلَ يطالبُهم فيها بجمع المياه في بركٍ كبيرةٍ على مقربةٍ من الأحراج، وشقّ الطرقات وسطَ الغابات لتسهيل وصول الدفاع المدني إليها، واتباعِ سياساتٍ اقتصاديّةٍ بيئيّة.

خاتمة

     ونخلصُ من هذه الجولةِ السريعةِ في أرجاء الكتاب ، إلى إعطاء نموذجٍ عن كيفيّة مقاربةِ كتابٍ تربوي، من منظارِ المنهجيّةِ التي توجّهُ بها وزارةُ التربيةِ أساتذتَها ومرشديها في المرحلة الأساسيّةِ من التعليم المدرسي حيث ينتظم هذا الكتاب ، وهدفنا في هذه الندوة إبلاغُ رسالةِ وزارة التربيةِ في اعتبار الثقافة البيئيّة عملاً يوميًّا في كلّ حصّة تدريس ، وفي سلوكِ الأفرادِ في البيتِ والمدرسة والمجتمع ، وفي تسليطِ الضوءِ على مشروع التربية المستدامة من حيثُ استثمارُ المؤلفاتِ التي تُعنى بالتربيةِ البيئيّة في المدرسة والمجتمع .

     ونحنُ إذ نهنِّىءُ الكاتبَ على دقّة انتقائِه لموضوع كتابِه في المرحلة الراهنة التي يمرّ فيها الوطن ،  نشيرُ إلى أنّ مشاركتَنا ليست بهدفِ تقييمٍ أكاديميٍّ للكتاب، إنّما  لتشجيعِ هذا النوعِ من الكتابة المدرسيّة.كما نرجو من المجتمع الأهلي أن يرافقَ المسيرةَ الرسميّةَ الوطنيّةَ في هذا المضمار . وما موضوعُ الحرائق الذي يركّز عليه كتاب "أساور الوطن" إلاً جزءٌ من مجموعةٍ كبرى من المواضيع البيئيّة الجديرةِ بندوات ولقاءاتٍ وتوصياتٍ ، ومنها ترشيدُ استعمال الثروتين المائيّة والكهربائيّة وتدويرُ النفايات والبحثُ عن حلول لتخفيفِ الاحتباسِ الحراري والغازاتِ السامّة ، وغيرِها ..

    هذه هي النهضةُ الحقيقيّةُ للأوطانِ الراقية فلنحقِّقْها معًا.

                                                                                      


كلمة الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان
 
الأب مروان تابت، م.ل.

أساور الوطن

كما كل الأساور

ليست أهمّ من الزند الذي "تُسوِّرُهُ"!

الدكتور برجيس الجميّل شاءها هكذا...

فأهدى كتابه "أساور الوطن" الذي يقع في خمسة عشر فصلاً إلى بيروت حبيبته،

وإلى الرماد الذي يغطي التلال التي تحيط بها.

أهدى "أساور الوطن" إلى أولاد الوطن، فهمّ يمثّلون الطفولة المعذبة والتائهة في كل بلد، من ما بين النهرين حتى غزّةّ.

أهداها إلى فراس وربى اللذين يرمزان إلى كل فتى وفتاة في وطني، وطننا أيها الأحباء... لبنان!

لكن الهديّة أتت مع ناقوس الخطر!

هكذا أرادها الدكتور برجيس،

لماذا؟

لأن لبنان يحترق! يحترق أم يحرقونه؟! ومن هم الذين يحرقونه: صعاليكٌ جهالٌ مجرمون بحق البشر والبشرية، بحق الحضارة وروادها. إنهم أعداء الله لأنهم يدمرون ما أبدع عندما خلق.

إذا كانت البيئة أحد أبرز المواضيع التي تشغل عالمنا المعاصر،

اليست هي أبرز من يدفع ثمن التقدم العلمي والتكنولوجيا؟... كلنا يقول "نعم"؛

إن ثمنها غالٍ.

أولا يدفع لبنان من جراء ذلك الثمن الأغلى؟

انه يحترق، يقطعون أوصاله صيفاً بعد صيف، وصالاً بعد وصال،

لقد قيل وذرف الحبر الكثير عن الحرائق المتنقّلة،

فعندما تحترق الشجرة وهي مصدر الغذاء والتنفّس والنسمات، الا يكون هذا من عمل الشيطان؟

وتصحّر لبنان، من هو المسؤول عنه؟

فالشيّاطين كثيرة؛ منها صاحب المال الآتي من بعيد يريد أن يأكل البلد، ومنها الداني الذي يريد أن يستغل البلد، ومنها من هم بثوب المسؤول في الدولة والمنتدى السياسي. وأركان الوزارات والفاسدين فيها.

عندما نرى ما يحدث لطبيعة لبنان ولجغرافيته، نتأثر ونفزع ونتساءل: "هل الثروة الحرجية على طريق الزوال في بلد الأرز؟" ولماذا؟ من يوقف هذه الجريمة؟

ماذا نعمل بعد "القطع" وبعد "الحرق"؟

يقترح الكتور برجيس من خلال فراس وربى عدد من التدابير اعتبرها "حلولاً لأزمة لبنان الأخضر"... وينتهي ليقول بأن الأزمة لن تحل بسهولة

دون أن تتكاتَف كل مقومات المجتمع المدني وتتعاضد لتنفيذها!

أيها الحضور الكريم،

لبنان في مراتب متدنيّة جداً في أدائه البيئي: هو في الدرجة التسعين بين مئة وتسعة وأربعين بلداً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وفي المرتبة الثالثة والعشرين بين البلدان الـ الأربعة والعشرين ذات الدخل المتوسّط إلى المرتفع. ويرتّب المؤشّر الذي ورد في النشرة الأسبوعيّة لمجموعة بنك بيبلوس Lebanon This Week البلدان بناءً على خمسة وعشرين مؤشّراً ضمن ست فئات محدّدة للسياسات البيئية العامة وهي:

  • ‌أ) الصحة البيئية،
  • ‌ب) وتلّوث الهواء،
  • ‌ج) والموارد المائيّة،
  • ‌د) والتنوّع البيولوجي والموئل الطبيعي،
  • ‌ه) والموارد الطبيعية الإنتاجية،
  • ‌و) والتغيّر المناخي.

وتجدر الاشارة انه على الصعيد العالميّ، تقدّم لبنان على فيجي، والكونغو، وكيرغيزستان وعمان، وتأخّر عن ترينيداد وتوباغو، وناميبيا ومولدوفا. وذلك بين البلدان ذات الدخل المتوسّط الأعلى.

وقد سجّل سبعون نقطة، أي أقلّ من المعدّل العالميّ الذي بلغ 71.8 نقطة وأقلّ من معدّل البلدان ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع الذي بلغ 80 نقطة، لكنه أعلى من معدّلات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والدول العربية والتي بلغت 67.6 نقطة و 66.2 نقطة، على التوالي.

أيها الحضور الكريم،

مع الصديق الدكتور برجيس أدعوكم إلى العمل!

"اساور الوطن" شخّص الداء ووصف الدواء! لنشمّر عن زنودنا!

لنضع وننفّذ أولاً "خطة متواصلة لتحريج الجبال والغابات"...

كلنا معنيون وكلنا مدعوون: سياسيين ومجتمعاً مدنياً ومؤسسات عامة وتربوية إلى حمل هذا اللواء.

عندها، يمكن أن نعود لنتغنّى بجبل الأرز كما فعل "نبوخزنصّر الثاني" وملوك أورشليم!

د. برجيس... كتابك فيه من الوجدانيات ما يرفع النفس، وفيه من الحلول ما يدفع بجذور الشجر إلى أعماق الأرض،

معك سنعمل ليبقى لبنان أخضر ويتجزّر شبابنا في أرضه لتشمخ أفكارهم مع شموخ أرزه!

هكذا فهمت اسوارتك البيئية والوطنية: "أساور الوطن"، فمن يشتهي رمادك يا وطني...؟!"

 

كلمة الأستاذ انطوان بخعازي

 

الضمير         و       المصير

يتلاقيان         و       يتعانقان

بالازدهار       و       الانتصار

       *       *      *

أهلاً بسيدنا المطران بطرس الجميّل، رمز المحبّة والموّدة،

والسيدة الاولى جويس تيّان الجميّل، ممثلة فخامة الشيخ أمين الجميّل.

أصحاب السعادة، سيداتي سادتي،

أيها الحضور الكريم وخاصةً أصحاب الأقلام الجريئة والمبدعة.

طُلِبَ منّي أن أتكلّم عن البيئة في هذه الأجواء الجميلة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمعرض ومهرجان الكتاب بفضل ودعم الحركة الثقافية المتواصل له. لقد برهنت ديمومة حضور الكتاب بالثوابت الدامغة التي تصبو كلّها الى متانة متابعة وجوده الى الابد، لأنه لا بديل عنه مهما تقلّبت الظروف والحاجات والاتجاهات.

بالعودة الى موضوعي الأساسي المتعلّق بالبيئة بالذات، لا بدّ لي أن اسلّط الأضواء عليها لما لها من أهمية قصوى في حياة كل فردٍ منا.

بادئ ذي بدء ، البيئة هي الحياة والأخلاق وعلاقتها بالانسان كعلاقة الجسد بالروح وهي مكوّنة من الماء والهواء والغذاء(أي التربة). ومن الناحية العلمية تأتي وتكتمل بمراحل ثلاث قبل وجود الانسان: المرحلة الاولى، تعني المساحة الجغرافية Biotope  والثانية تعني المساحة التي ادخل إليها الخضار والماء Biocénose والثالثة والأخيرة Eco-système للاستكمال بوجود الانسان فيها، مكتملةً بالترابط والتماسك.

وكما لا يغيب عن بالنا أن البيئة هي المحيط الذي نعيش فيه وننطلق منه الى آفاق ٍ واعـدة ورائـدة لراحـة الانسـان وأمنـه، ورفاهتـه. وبعبـارة مقتضبـة ورنّانـة بالفرنسيـّة "c'est le milieu qui nous enveloppe et nous développe"

لا وزنَ لها اطلاقاً بلا أفعال، لهي أيضاً عملٌ انمائي تواصلي تنفيذي اصلاحي انقاذي، يواكب ويقاطر كمّاً كبيراً من القضايا المصيرية. كونها عمل ضميري ومصيري، وجداني ومجاني Volontariat et Bénivolat .

بالمعنى الأوسع والأشمل، انها عملٌ دؤوب ضمن إطار مبرمج ومنظّم، انطلاقاً ، على سبيل المثال  لا الحصر، من جمعيتنا "السناكل اللبناني للحفاظ على البيئة" التي أبصرت النور منذ ۲۹ سنة عاشت وعايشت كل تطوراتها بشؤونها وشجونها التي لها صلة وثيقة بها والتي أيضاً اصبحت وما زالت آنيّاً الشغل الشاغل للجميع ومن الجميع بسبب خاصةً تفشّي التلوث الذي أخذ يتصاعد ويتوسّع دون شفقة أو رحمة مهدداً صحتّنا، أكثر فاكثر، حتى يستعاد عنه بإذنه تعالى الفرج بتطبيق التدابير الصارمة الشافية لخير الانسان ومحيطه.

ما من احدٍ يريد احداً ان يُبسطَ سلطته بغية السيطرة على البيئة على هواه ومداه بهدف كسب الأموال وزعزعة البيئة بتوازنها واتزانها وثبات بقائها الجذّاب والجلاّب.

دعائي لا بل رجائي ان نجعل من كلّ فردٍ منا، من خلال متانة وقدسية الاخلاقيات، مرشداً ومبشرّاً لإنقاذ البيئة وانقاذنا معها من الأذى المتمادي حتى بالدموع والشموع. انها اصبحت في الحقيقة ثقافةً ورسالةً تستحق الاهتمام والانتباه الكليْين والمتكامليْن. 

ان البدائل والوسائل لاعتماد وتطبيق العلاجات اللازمة هي متنوّعة الغنى والمنى لنؤمن لها في نهاية المطاف وجهها وتوّجهها الصحيحيْن والصريحيْن بنظافة ونقاوة القلب واليد والنفس مع دعوتنا الى التعاون مع وزارة البيئة التي تستحق كل الدعم والمساندة.

فلا يغيب عن بالنا الأهمية الكبرى التي تمتاز وتتميّز بها وزارة البيئة الموصوفة والمعروفة في عالم الغرب ب Super ministère بالدعم الجديد والمتجدد ، وفقاً لقانون الأخير رقم ٦۹۰  بتجديد وتوسيع مهامها وتنظيمها بدءاً من تاريخ ۲٦/۸/ ۲۰۰٥ ، لاغياً القانون ۲١٦ تاريخ  ۲/٤/١٩٩٣ المتعلق بأحداث وزارة البيئة الفتيّة منذ ١۷ سنة ونيّف وذلك استناداً وانطلاقاً من مجموعـة قوانيـن للبيئـة، أي "Le code de l'environnement" رقـم ٤٤٤ تاريـخ ۲۹/۷  /۲۰۰۲

ما نحتاج إليه ، إذاً ، أن يعود الى وزارة البيئة الصلاحيات التالية:

١- التمتّع بقرارات الزامية وليس استشارية.

٢ - اعادة البلديات الى كنف وزارة البيئة كونها أداة تنفيذ ضرورية لها. إشارة واضحة الى قرار مجلس الوزراء وقتذاك عام ۱۹۹۱ رقم ٦ تاريخ  ١٤ / ١٠ / ١٩٩١

٣ - إيجاد وتواجد الشرطة الخضراء "   Police verte " على الأرض لتكون فاعلة ونافذة.

٤ - موازنة تتناسب واحتياجاتُها مع اكمال كوادرها.

٥ - تطبيق التنفيذ والمراقبة وخاصةً المتابعة لانجاح كافة المشاريع الضرورية.

عهدٌ واعدّ مؤمن بالبيئة ، بيئة خالية من أضرار التلوّث المخيف والرهيب، مؤمن بأهميتها القصوى للبشرية جمعاء من اجل تفعيلها في الاتجاه الصحيح عبر تحريرها، كونُهُ عملٌ جماعي، تحريرِهَا وتجرّدِها من العبودية العمياء والغوغاء للسير قدماً بفضل تمسّكنا بمواطنية الأخلاقيات السامية، حفاظاً على صحتِنّا الجسدية والمعنوية.

لا احد يملك البيئة لحسابه الخاص وهي عطاءٌ من الله وهي أيضاً امانةٌ ثمينة يُمنع علينا ان نتفّرط بها . لا بل علينا كلّنا ان نسلّم هذه الأمانة الثمينة بحالة احسن وأفضل الى الأجيال المتلاحقة والمتتالية.

فبفضل حماس واندفاع الشباب الواعي، اخذنا نشجع بنجاح انشاء ضمن المدارس والجامعات اندية بيئية  " Clubs écologiques" كلمة écologie  أو écologia متأتية من اللغة اليونانية . تُفَسَّر بجزئيها الاثنين : oïkos أي البيت و logos  أي العلم .

ما معناه عملياً عن أهمية البيت وهو نواة ومهد التربية الأخلاقية ثم البيئية وما يتبعها ويليها في الحياة .

فالبعودة الى الأندية البيئية " Clubs écologiques" فهي واعدة ومنظمّة، متمسكّة بصورة عمياء بالتربية البيئية، لأن البيئة هي دائماً وأبداً الحياة والأخلاق، مهما تقلّبت وتغيّرت الأيام، انها عِبَرْ العِبَرْ. نحن ما زلنا بخطر شديد وعلينا ابعاده عنّا، حتى ظروف ملائمة مليئة بالأمل الأفضل والأنبل لو فُرضَ علينا جهودٌ جبارة لا غنى عنها.

بديهيٌ القول ان البيئة كالشجرة المثمرة : جذورُها مرّة ولكن ثمارُها حلوة . البيئة، بعبارةٍ مختصرة، هي أنتَ، انتم، أنا وجميعُنا، فرداً فرداً، دون استثناء، مراوغةً او مساومةً، بعيداً عن اية مساومات تُفسدُ الكيان المقدّس التي تتمتع به البيئة وتناشدُهُ وتتحلّى به. لنضَعَها في قمّة القمم والأمم بمثابة منارة متحّركة لِتنيرَ عقولَنا وقلوبَنا من حيث المسؤوليات والرؤية معاً، كي نُعلنَهَا حِرصاً وارثاً ، امانةً وحضارةً، لخدمة البشرية جمعاء ضد الفناء لنحييَ الهناء بالصفاء.

واخيراً ، اسمحوا لي ان أنتقل الى موضوعٍ خاص ٍ يحتلّ قلبي المفعمّ بالمحبة تجاه شخصٍ أعزه وأُقدر اجمل تقدير للاعلان علناً ومليّاً عن الكلمات الصادقة التالية:

من المسلّم به ان الكلمة المكتوبة تترك ، دائماً وابداً، تأثيراً عظيماً في القلوب والنفوس، فضلاً عن الذاكرة، المركز الأساسي للإنطلاقة المتجدّدة، تعكس الصورة كمرآة تسكن فيها وتنعكس إيجاباً في الأوقات المناسبة. فكيف عندما نتكلّم عن الصورة برمّتِهَا بجاذِبيتِها ومكانِها المركّز.

فهي مناسبة سانحة للصديق الاعلامي العصامي الدكتور برجيس الجميل وهو عضو فاعل في جمعيتنا "Cénacle" السناكل اللبناني للحفاظ على البيئة ليصبح فعلاً بئوّياً متمّرساً ومُبْدِعاً بصدور ، على سبيل المثال لا الحصر كتابه المصوّر الأخير الجدير ضَمَّهُ الى سلسلة مؤلفاتِه القيّمة التي سبقتـه والمعنون مؤخـراً ب : "أساور الوطن- من يَشْتَهي رَمادَكَ، يا وطني" . انه روعةٌ من روائع المواضيع البيئية التي تشتهيها الأجيال والتي ، من المفروض أن تتغذّى منها بذور فضائل وفوائد البيئة المتنقلّة من جيلٍ الى جيل، وصولاً الى قمّةِ القمم من حيث حماية البيئة المستدامة لخيرِنا جميعاً .  لقد سبقَ واظهرتُ معنى البيئة وَجَدواها وَمَرْمَاها، بمثابة الحياة والأخلاق معاً والى ما هناك وهنالك من تعابير وعبر.

صُوَرٌ رائعة مكلّلة بشروحاتٍ رائعة أيضاً عن البيئة وجمال معانيها وأوصافها وأوضاعها.

لهي مناسبة طيبة أن انتهزَهَا فرصةً لطيفة لأقدّمَ باسم جمعيتنا وباسمي الى الصديق الدكتور برجيس الجميّل هذه الهدّية الرمزية التي تعكس رجلَ الفكر والرجلَ المفكّر والكاتب، الجدير بالتقدير والاعجاب.

شكراً لحسن متابعتكم وانتباهكم.

  • - عاش الفكر مدعوماً ومحترماً،

-  عاشت البيئة سليمة ومعافة، بدايةً وبلا نهاية حفاظاً على إرثها، لنراها دائماً الأنقى والأرقى والأبقى،

- عاش لبنان شامخاً ومبدعاً،

-  وعشتم سالمين مطمئنين.