يوم المرأة
تكريم الدكتورة أدال تقي الدين


كلمة الأستاذ حنا أبي حبيب
كلمة الدكتورة نايلة تقي الدين قائدبيه
كلمة د. سامي مكارم
كلمة السيدة أدال تقي الدين

 

 كلمة الأستاذ حنا أبي حبيب

في عرس الكلمة في انطلياس، ومن مقرّ حركتها الثقافية في دير مار الياس العامر، مهد عامية 1840 انطلق المهرجان الثامن والعشرون للكتاب، وبهذه المناسبة، وفي يوم المرأة العالمي، تتشرف حركتنا أن تكرّم، في هذه الأمسية، سيّدةً لبنانية، بل قل أميرةً شوفية أصليةً في انتمائها وثقافتها، انها الدكتورة أدال تقي الدين، من بعقلين الأبية، البلدة الشوفية العريقة، الضاربة الجذور في جبل لبنان الأشم.

ما ذكرت بعقلين إلا وتذكّرت الدوحة التقي - دينية، دوحة آل تقي الدين الكرام، التي فاءت بظلالها على لبنان وبلاد العرب، ديناً وتقىً، شعراً ونثراً، علماً وفكراً، سياسةً وقانوناً، يكفي أن نذكر بعضاً من أعلامها، شيخها الحليم، وأمينها الشاعر، وأحمدها الأديب وسيعدها الناقد الأديب، وخليلها السفير والروائي، وبهيجها الوزير والنائب والقانوني، وبديعها الرياضي، ورياضها العسكري الشاعر، وسليمانها الباحث السياسي والحقوقي، ومالكها ونسيبها الشاعرين وتطول الحكاية، كأن هذه العائلة ما وجدت إلا لتكون رمزاً للبنان في تنوّع إبداعه، نعم بعقلين الشامخة التي جئتها، ذات يوم، من أواخر الستينات في القرن المنصرم، طالباً في المرحلة الثانوية، ثم عدتُ إليها استاذاً يدرّس الأدب العربي في ثانويتها الحبيبة، أواخر السبعينات فيها عرفت حيوية الشباب، وتفتح الفكر، وفيها خبرت معنى العيش المشترك والأخوة الصادقة والزمالة الكريمة، وتثاقف الأفكار وحوار الآخر كأحلى ما يكون الحوار.

سيدتي الكريمة،

يشرفني أن أكون، هذه العشية، ومن على منبر الحركة الثقافية - انطلياس مديراً لهذا اللقاء التكريمي، مكرمّين فيك، ومن خلالك المرأة اللبنانية التي أثبتت عبر التاريخ، ريادةً وأصالةً وفكراً وعلماً في شتى ميادين الحياة.

سيدتي الكريمة،

في سيرة حياتك سنوات مضيئة، لقد حملْتِ أرفع الشهادات ومنها شهادة الدكتوراه في علم النفس، ونذرت نفسك للعطاء والتعليم، فدرّست سنواتٍ طوالاً في كلية التربية بالجامعة اللبنانية، وفي الجامعة الأميركية، وتتلمذ عليك طلاب وأساتذة كثيرون يشهدون لك بوافر علمك وجليل عطائك، شاركت في مؤتمرات عدّة في الوطن والخارج، وحملت اسم لبنان أينما حللتِ، وكنت إلى جانب شريك العمر المغفور له الشيخ حليم تقي الدين الرئيس الأعلى للقضاء المذهبي الدرزي الذي اغتالته يد الجهل والتعصب الأعمى، مثال الزوجين الأمينين العارفين، يرعيان العائلة الصغرى والكبرى، الطائفة والوطن، خير رعاية، وإنه ليثلجُ صدرًك في شيخوختك الموقّرة أن تري الأقارب والأصدقاء والأهل والقادرين شخصك يتحلّقون حولك في يوم تكريمك بيننا، وان يتولىّ الدكتور سامي مكارم تقديمك في هذا اللقاء وهو العارف الحكيم والبصير المستنير الاستاذ الجامعي الجامع بين كمال الحق وجمالية الحرف وروعة الفن الغني بفكره وبجماليته وبأبحاثه ومؤلفاته، الكلمة له فليتفضّل.

كلمة الدكتورة نايلة تقي الدين قائدبيه

اسمحولي أني احكي معكم باللهجة العامية

وكمان اسمحولي ما استعمل الألقاب لأن نحنا اليوم مجتمعين وهلي جامعنا هو أدال

أدال الصديقة

أدال الزميلة

أدال الأخت، الأم،

باختصار أدال حبيبة القلب

إذا خلينا نستعمل لغة القلب؛ اللغة الأقرب إلى القلب، وهي اللغة المحكية

هلق طبعًا سمعنا، ومنشكر الدكتور سامي مكارم هلي خبرنا عن أدال

أدال السيدة الجامعية، أيام ما كانوا سيدات الدروز الجامعيات بينعدو على الأصابع

حدثنا عن أدال المربية

عن أدال المناضلة في سبيل حقوق المرأة

عن أدال السيدة المثقفة، الباحثة، والكاتبة

بس هو ما حكي عن أهم شيء عن أدال

وهو: أدال مرت عمي حليم

لان هو ما بيعرف أدال مرت عمي حليم

بس انا، وكل من تعامل معها من الأهل، بيعرف شو يعني: أدال مرت عمي حليم

أنا بعرف أدال من يوم ما دخلت على عيلتنا، وأيامها كنا بعدنا بطور المراهقة

ويمكن البعض منكم هلق عم يقول: شو هل ولاد القليلين الذوق واللياقة.

كيف بيحكوا مع مرت عمهم باسمها؟

ولو! عـالقليلة يقولوا: تانت أدال، خالتي أدال أو يعطوها لقبها الصحيح: مرت عمي؟؟ !!

بس هني ما بيعرفوا انو أدال عاملتنا من الأول من الند للند،

نحنا الأصغر منها سنًا، ومركزًا طبعًا،

ما حبت تتعامل معنا كأنا زغار

رفعتنا لمستواها، ما نزلت لعنا

صرنا نحن بوجودها كبار

صرنا  ناضجين

صار عنا رأي

مش كل ما فتحنا تمنا بيقولوا الكبار: بس!! هلق مش دوركم دور الكبار

وقليل ما كان يجي دورنا، وكان دايما الدور للكبار

بس الواقع انو احترمتنا، فاحترمناها

حبتنا، فحبيناها

رفعتنا وارتفعنا معها

في هل مدة الخمسين سنة أنا بتحدى حدا من الأهل يقول انو مرة زعل من أدال، أو جرحتوا بكلمة

بتحدى حدن يقول إلا انو شايف حالوا كابن تقي الدين بدخول هل الست لبيناتنا

والشيء الثاني هلي بحب احكي عنو هو: أدال والعِلم

أدال كافحت إلى جنب زوجها حتى حصلوا على الشهادات العالية

وأنا بتذكر انو كانت ربة بيت وحامل بولد من ولادها لمن أخذت شهادتها من الجامعة الأميركية

بهل موضوع هي وعمي حليم كانوا دايمًا يشجعونا

ويشجعوا كل الشباب لتحصيل العلم وعدم التوقف، لا عند ضائقة مادية، ولا أي مشكلة ممكن تعوقهم

بتذكر- وهون اسمحولي احكي عن عمي حليم هلي كان دايمًا يشجعني حتى كمل علمي

بتذكر حادثة طريفة يوم هلي أخذت شهادة BA وكنا راجعين من AUB commencement خبرتوا انو اجاني منحة حتى ادرس للـMA وما بعرف إذا كان بدي كملّ

قال: ليش لأ يا عمو؟

قلتلوا: لأن بفزع صير فصيحة كثير ما بيعود حدن يتزوجني!

قلي: ولشو كثرة الفصاحة، خذي الشهادة وبلا فصاحتك.

يا عمو! خليك دايمًا متواضعة، العلم الك انتي مش للناس ولا لشوفة الحال.

بس أنا بالحقيقة عندي حسرة ويا ريت كان بعدو موجود لمن طلع كتابي الأول هلي - على تواضعوا - أهديته إلى "روح عمي حليم".

وانا بعرف وما عندي شك انو التواضع من الشيم هلي الكل بيعرفوها عن أدال

ما عمرها تبجحت، لا بتحصيلها الجامعي، ولا بشو كتبت، أو ترجمت، أو وين حاضرتوفي شي ما حدن يمكن بيعرفوا، وأكيد هي ما بتحب حتى اني اذكره، ولكن للأمانة، الواحد لازم يحكي

كانت هي وعمي عم يدرسوا ويكافحوا وعندهم عيلة

وبالوقت ذاتو كانوا عم يساعدوا ولد في بيت اليتيم

أنا أكيدة ما كانوا عم ياخدوا من درب ولادهم، هلي دللوهم كثير، بس كانوا، شي أكيد، عم يحرموا نفسهم ليساعدوا غيرهم

لكن أهم شيء بحب اذكره عن أدال

أهم موقف ممكن توقفوا زوجة، ورفيقة عمر

هو موقفها يوم استشهاد عمي حليم

وكانت الأيام صعبة والحرب على أشدها

يومها ركضنا على البيت لمن سمعنا الخبر المشئوم

والبيت مليان؛  شباب متحمس، وشباب متهور

والكل بدو ينتقم، والكل بدو يأخذ التار

وقفت أدال وصرخت فيهن: أبدا ما بقبل، ولا كان هو بيقبل، انو يموت بريء لأي سبب من الأسباب

ونشكر الله انو الشباب، بهذاك اليوم الأليم، احترامًا لمركزها ومحبة إلها، حكّموا العقل

وبذكر انو في المأتم وفي ساعة حزنها هلي ما الو حدود

وقفت وقالت للصحافة الأجنبية: اكتبوا، وقولوا، وخبروا!! نحنا ما عمروا كان عنا سلاح في بيوتنا

نحنا ما عمرنا حاربنا بالسلاح

نحنا، سلاحنا القلم وهذه نهاية كل من حارب بالقلم بهل الحرب المشئومة.

وأنا كمان بقول، وبكل أسف: وبعدو الحبل على الجرار

وأخيرا شو بعد بدي احكي عن أدال، وفي عندي كثير بس بخاف انو تضجروا

وبخاف أكثر انو تفتكروا أني عم بالغ، وانو الواحد في حفلة التكريم  من واجباتو يزيد التبجيل والتفخيم

بس الله بيشهد ما قلت كلمة زايدة،

بل بالعكس كرامة هل الست المتواضعة الغالية، مرت عمي حليم، راح أوقف عند هل الحدّ

واشكر الله انو عرفت بحياتي ست اسمها أدال

وكانت، مرت عمي حليم

كلمة د. سامي مكارم

          عرفتُ السيّدة أدال حمدان تقي الدين أستاذةً جامعية، وعرفتُها باحثةً مدقِّقة تتوخَّى الموضوعية، وعرفتُها أديبةً مرموقةً تكتب وتحاضر وتتميَّز بالفكر الثاقب والأسلوب الجميل، وعرفتُها زوجاً للمغفورِ له الشهيد الشيخ حليم تقي الدين الرئيس الأعلى للقضاء المذهبي الدرزي، وعرفتُها مناضلةً فاعلةً في الحقل التربويّ في لبنان، وعرفتُها متألِّقةً في كلّ هذه الحقول تشارك زوجها المتألِّقَ كثيراً في تألّقه، وعرفتُها فوق ذلك كُلِّهِ إنساناً تسعى بصمتٍ وتواضع وثبات إلى تحقيق جمال الإنسان وعزّته وسؤدده.

          أدال حمدان تقي الدين مَثَلٌ للجهاد الحقّ الذي لا يتوخّى البروز. فإنْ هي برزت فلأن مآثرها تبرز من تلقاء نفسها وتحدِّث عنها وتتكلَّم فيها. أمّا هي، كما شيمة الموحّد الحقّ، فغايتُها أن تُستهلكَ في الحقّ لتدخل إلى صرح المحبّة الحقّ من دون أناها، تقتفي قولَ الحكيم المتحقِّق أبي يزيد البسطامي إذ قال "كُتب على باب المحبّة: أُترُك نفسَك وتعال". ذلك ما فعلته وتفعله أدال تقي الدين، تدخل إلى مجد المحبّة من دون نفسها، تدع أناها في الخارج وتدخل متبرّئةً منها مخلّصةً ذاتَها من أثرها. توازنت طباعُها فإذا هي طباعٌ وليةٌ بعيدةٌ عن كثافة طباع الفوضى العدميّة التي يغذّيها حبّ الرئاسة الفارغة وحبُّ البروز العقيم.

          تلك هي فلسفة أدال تقي الدين: حصلت على ثقافتها الجامعية بالصمت، وأدركت الدرجات العلمية بالصمت، وعملت في حقول العلم بلا زخرف، ودخلت المجتمع أستاذةً وزوجاً وأمّاً. دأبُها العمل والتضحية والإخلاص، تبوّأَت المراكز الجامعية فدرّست علم النفس في الجامعة الأميركية ثمّ في الجامعة اللبنانية فلم يزدها ذلك إلاّ محبّة في العلم، وأشرفت على رسائل طلاّب الدراسات العليا فزادها ذلك استشعاراً بدورها الرساليّ، وترأست قسم التربية في كلّية التربية في الجامعة اللبنانية. فإذا هي طالبةٌ زيادةَ معرفة، وقامت بالبحوث العلمية والدراسات الميدانية فإذا هي تتواضع أمام البحث. ودرست نماء الأطفال العقليّ والنفسيّ فإذا هي تُخلِصُ في دراستها مدقِّقةً أمينةً في مهامها، وبحثت في مكوِّنات شخصيّاتهم وتحصيلهم الدراسي فإذا هي أُمّ ليس لأطفالها وحسب بل لأطفال لبنان جميعاً.

          ولم تكتفِ أدال تقي الدين بما أنجزته من دراسات وبحوث فها هي تدرس وتحلِّل كتب الدراسة الابتدائية وتشارك في بحوث حول تربية الطفل وترغيبه القراءة وحول ميول الطفل ومدى استجابة المناهج التعليمية لهذه الميول.

          وأثارت هذه التبعات فيها حسَّها الرسالي فإذا هي تشترك في المؤتمرات العلمية والوطنية والنسائية في لبنان وخارجه تُلقي المحاضرات وتساهم في الندوات في حقول التربية والتعليم، ويصل نشاطُها العلمي إلى هيئة الأمم المتحدة من دون أن تنسى نضالها السياسي ضدّ المحتلّ الإسرائيلي سنة 1982.

          واللافت لدى أدال تقي الدين أنّها لم تنسَ أمورها الدينية، واستطاعت بما أُوتِيت من نقاء في الفكر والرؤية أن تفرِّق بين الطائفية والدين، فها هي في الولايات المتحدة تلبِّي دعوة الجمعية الأميركية الدرزية، فتشرح في مؤتمر الجمعية في نيو جرزي نضال زوجها المغفور له الشيخ حليم تقي الدين الذي قضى شهيد الوطنية والإخلاص لمبادئه ورسالته، وإذا هي تدافع عن آرائه في محاربته للطائفية القبلية.

          وهي فوق ذلك ومع ذلك تُغني المكتبة العربية بكتب أربعة، وكأنّها لم تكتفِ بنضالها العلمي والأدبي والسياسي والتربوي، فها هي تؤلِّف باحثةً دارسة فيصدر لها ثلاثة كتب أوّلها حول زوجها الشيخ حليم تقي الدين وما قدّمه للقضاء. ثمّ تصدر لها ترجمة إلى اللغة الإنكليزية لكتاب "الإنسان وتقلّبه في الآفاق" تأليف الأستاذ محمد الباشا، ثمّ تصدر لها كتاب ثالث بعنوان "المرأة في مجتمع الموحّدين الدروز بين الأمس واليوم"، وقد أظهرت فيه ما للمرأة من قيمة إنسانية تساوي قيمة الرجل في فرقة الموحّدين الدروز، وهو كتاب يدعو العالم الإسلامي إلى المساواة بين المرأة والرجل من حيث الدين والمجتمع والقانون. وهي اليوم بصدد إصدار كتاب رابع تجمع فيه محاضراتها ومقالاتها في السياسة والتربية والاجتماع.

          ويسأل المرء نفسه: من أين تأتي هذه السيّدة بالوقت لإنجاز جميع أعمالها التي لم تقتصر على ما ذكرناه، بل تجاوزته إلى المشاركة في الحياة الاجتماعية العلمية، فهي عضو في جمعية تنظيم الأسرة في لبنان وفي المجلس النسائي اللبناني وفي مجلس أمناء كلّية الشوف الوطنية في بعقلين وفي مجلس أمناء المؤسّسات التربوية الدرزية وفي مجلس أمناء المؤسّسات التربوية الإسلامية وفي هيئة تشجيع التعليم العالي في رابطة العمل الاجتماعي حيث تشارك في تقديم المنح الدراسية الجامعية وتشرف على منحة الشهيد حليم تقي الدين التي أنشأتها بعد استشهاده وشاركت فيها عائلته وأقرباؤه وأصدقاؤه. كما هي أيضاً عضو في جمعية أصدقاء مكتبة بعقلين الوطنية وفي جمعية الإنماء الاجتماعي، كما شاركت في أوجه نشاط الهيئة الإدارية للنادي الثقافي العربي.

          وها هي الآن سيدة نفخر بها جميعاً ويفخر بها أولادها الذين أنشأتهم خير تنشئة. فنجلها الأكبر المهندس المدني أسامة تقي الدين وابنتها المهندسة الزراعية هلا المختصّة بتصميم الحدائق، ونجلها الأصغر المهندس المدني مكرم تقي الدين، وقد قرَّت عينا والدتهم بهم وبعائلاتهم وقد أدركتها هجرة الأدمغة مع الأسف ولكنهم لم ينسَوا وطنهم لبنان، فها هم أرسلوا بعض أولادهم ليدرسوا في جامعاته ولتقرّ عينا جدّتهم بهم كما قرّت عيناها بأبنائها، حفظهم الله وحفظها فوق رؤوسهم كما تقول العبارة اللبنانية.

          أدال حمدان تقي الدين! لستِ فخراً لأولادِكِ وأحفادِكِ وحسب، وإنّما أنتِ فخرٌ لأبناء لبنان جميعاً، ولنساء لبنان والعالم العربي جميعاً، ولرجال لبنان والعالم العربي جميعاً.

          هنا تتجلّى الحركة الثقافية في أنطلياس وتتألّق، إذ أخذت على عاتقها تكريم المبدعين اللبنانيّين، وهو أمرٌ ليس وفاء لهؤلاء المبدعين وحسب، بل هو عملٌ للتاريخ. فهؤلاء المبدعون سيخلّدهم التاريخ، وإذ يخلّدهم ستذكر الأجيال المقبلة فضلهم كما ستذكر أن ما من أحد في لبنان قد اعترف بفضل هؤلاء إلاّ الحركة الثقافية في أنطلياس وبعض الجمعيات والمؤسّسات اللبنانية القليلة.

          أنتم يا أعضاء هذه الحركة وأمثالها القلائل، ستفتدون لبنان في مقبل السنين، وستقول الأجيال القادمة إن الكون لا يخلو من الفاضل. لقد أخذتم على عاتقكم تحقيق رسالة لبنان. لولاكم ولولا أمثالكم من مكرِّمي العبقرية اللبنانية لكفرت الأجيال القادمة بهذا البلد الذي أنتج هؤلاء العباقرة ومن ضمنهم أنتم.

          فلتحيَ فيكم الأريحية ولتحيَ فيكم الثقافة، فأنتم وجه لبنان الذي سيُطلّ على العالم في المستقبل القريب والبعيد.

         

كلمة السيدة أدال تقي الدين

أخواني

أجملُ المفاجآت هي عندما يأتيك بالأخبار من لم تزوّد!

وأجمل ما في هذه المفاجأة انها جاءت من الحركة الثقافية في انطلياس، تحمل إلي خبر مبادرتها الكريمة في إقامة حفل تكريميٍ لي في إطار المهرجان اللبناني للكتاب دورة منصور الرحباني وبمناسبة "يوم المرأة العالمي".

ان الحركة الثقافية في انطلياس ومنذ نشأتها في الحرب لفتت أنظار اللبنانيين إذ عبرّت عن أصالة في فهمها للثقافة الحقه فشاركت اللبنانيين من جميع الفئات المختلفة وتحدّت الحواجز المصطنعة المادية منها والمعنوية وهدمتها وعبرت فوقها لتصل الى الاخوه في الوطن الواحد. لتشاركهم في مهرجاناتها الثقافية من معارض للكتب وحفلات تكريم لمن تختار. فبرهنت من خلال مبادراتها المتعددة وأنشطتها المتنوعة، انها متجذّرة في الثقافة وفي الوطنية.واثبتت ان الجذور لا تأبه بالحواجز مهما علت، فهي دائمة الحركة والحيوية، تغوص في الأعماق ترتوي مع غيرها من الجذور وتتغذّى جميعها بماء وتراب الأرض وبنور الشمس دون إذن أو منّه من أحد. والجذور كما نعلم تحافظ على تماسك التربة وتمنعها من التفتت والانزلاق كما تنقّي الهواء من التلوث عن طريق الاشجار الباسقة التي تحملها.

هكذا عبّرت الحركة الثقافية عن اصالتها الوطنية وعن ترفّعها عن كل ما يعيق تواصلها مع الثقافات الأخرى كما أثبتت ان التنوع هو غنىً للجميع دون تمييز. وان ما يجمعه الأدب والعلم والفن والفكر هو أقوى وابعد اثراً في النفس. وكم يتردد القول بان "ما تجمعه مقاعد الدراسة لا يفرقه انسان" وما تجمعه الثقافة لا تفرقه الحواجز.

وأجمل ما في هذه المفاجأة أن من زودني بخبر التكريم كان احد طلابي البارزين في كلية التربية في الجامعة اللبنانية وهو من أوائل من أسسوا الحركة الثقافية ومن الناشطين المميزين فيها وهو دائما محطّ الانظار. إنه الدكتور عصام خليفة رئيس رابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية لسنوات خلت وما يزال ناشطاً فيها وهو أستاذ التاريخ في كلية الآداب، وله مؤلفات عدّة في التاريخ موثوقة وموثقة ومحاضرات في المؤتمرات الذاتية (حضرت بعضها)

والدكتور خليفة تميّز وما يزال بحضوره اللافت وبصوته المدّوي الذي لا يمكنك أن تتجاهله وكان صوته يعلو ويرتفع خاصة عندما كان يطالب بحقوق الاساتذة في الجامعة اللبنانية وبحقوق الطلاب منذ أن كان طالباً فيها.

لم تقتصر مطالبته مع زملائه من الاساتذة المتفرغين على حقوقهم فحسب انما تعداها للمطالبة بضرورة تطوير الجامعة الوطنية إن من حيث ضرورة إيجاد مجلس الجامعة ومجالس الكليات ومجالس الفروع أو من حيث عدم تدخّل السياسيين في نظامها الداخلي او تعيين الاساتذة عن طريق "المحاصصة" بدلاً من الكفاءات الأكاديمية المحددة بحسب الاصول.

اشكر الدكتور عصام خليفة أمين النشاطات في الحركة والدكتور أنطوان سيف امينها العام وهيئة الحركة بكامل أعضائها على مبادرتهم الكريمة لي واعتبر ذلك وساماً غالياًَ ساحتفظ به دائماً بكل تقدير.

لا يمكن أن نأتي على ذكر رابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية دون أن نتكلم عن احد اهم روادها الناشطين الذين سهروا ليل نهار وبكل امانة ووفاء على تطويرها منذ نشاتها فكان من رموزها مع كوكبة من الاساتذة الكبار يصعب على ذكر اسمائهم خوفاً من ان أنسى احداً منهم. وقد لُقّب وبحق "بضمير الجامعة اللبنانية" وهذا أرفع ما يمكن ان يلقب به استاذ في جامعتنا الوطنية او في اية جامعة غيرها. انه الدكتور صادر يونس الذي رفع من كرامة الاستاذ الجامعي فحرص على تعزيز الجامعة الوطنية ومستوى اساتذتها وذلك من خلال المحافظة على كفاءاتهم الاكاديمية عن طريق مجلس الجامعة ومجالس الكليات اذا ما وجدت وعلى حقوقهم المادية والمعنوية.

ولن أنسى ما قام به كل من الدكتور صادر يونس والدكتور عصام خليفة وعدد من المتعاقدين في رابطة الاستاذة المتفرغين من أجل تحسين أوضاع المتعاقدين عندما كانت معاشاتهم في اوائل التسعينات بمستوى "الحد الأدنى للاجور" وكان من بين المتقاعدين انذاك عمداء كليات كبار أذكر منهم الدكتور حسن مشرفية عميد كلية العلوم الذي رفع من مستوى هذه الكلية الى أرفع ما يمكن ان تصل اليه كلية علوم في هذا الشرق وذلك بشهادة كبار الاساتذة والسياسيين والدكتور نزار الزين رحمه الله عميد كلية الآداب والدكتورة زاهية قدوره رحمها الله ايضاً عميدة كلية الاداب والأستاذ بديع تقي الدين استاذ الرياضيات المشهود له في اختصاصه في كلية العلوم رحمه الله. كانوا يتقاضون ما يقارب الـ 250 ألف ليرة (أكثر أو اقل) في الشهر وكانوا يعتبرون من أركان الجامعة اللبنانية "ورموزها" الابرار.

أما الآن فقد تحسّن وضعُ المتقاعدين من أساتذة الجامعة وذلك بفضل من ذكرت ولهما مني الشكر والتقدير. أمضيت 28 سنة في التعليم في الجامعة اللبنانية اكتسبت من خلالها خبرة ثمينة لن انساها ما حييت. لكنها لن تمحو ذكرياتي التي أحملها من جامعتي الأولى وهي الجامعة الاميركية في بيروت التي درّست فيها ما يقارب السبع سنوات بعد التخرّج حيث حصلت على شهادة الماجستير وقبلها ال B.A  (بتفوّق). وبالاضافة الى ما اكتسبته من معلومات في مجال اختصاصي في علم النفس والتربية ونمو الطفل فقد اكتسبت ايضاً طرق التفكير والبحث العلمي السليم والنظام والانضباط واحترام الانسان والبحث الدؤوب عن مصادر المعرفة اينما وجدت وحرية الفكر.

انا اعتزّ بالجامعة اللبنانية لأنها تحضن أكبر نسبة من الطلاب اللبنانيين وقد زادت كلياتها التطبيقية والمهنية المتنوعة لكنها أضيفت بعد المطالبة المتكررة عن طريق الإضرابات والاعتصامات من الأساتذة والطلاب أنفسهم كالعادة.

وقد تخرج في الجامعة اللبنانية عدد لا يستهان به من أصحاب الاختصاصات المختلفة من طلابها وبرهنوا عن كفاءات عالية في شتى الميادين وقد سافر عدد كبير منهم الى الخارج وتابعوا دراساتهم العالية ونالوا شهادات الدكتوراه من جامعات فرنسا وبريطانيا ولبنان واميركا وغيرها وعادوا الى لبنان وهم يعلّمون الآن في الجامعة الأميركية في بيروت وفي الجامعة اللبنانية الأميركية LAU وجامعة القديس يوسف والجامعة اللبنانية وغيرها.

وفي هذا المجال الاحتفالي للثقافة والكتاب ولتكريمي يصعب علي الكلام عن أحب الناس الى قلبي - عن الإنسان الذي تشابهنا في سيرة حياتنا وذلك في حبنا للثقافة والكتاب. كان رجل العداله والقانون وله مؤلفات في القضاء والأحوال الشخصية والقانون - وقد نشرت أحكام المحكمة الاستئنافية الدرزية في النشرة القضائية فكانت مرجعاً للقضاة والمحامين.

وكلانا أكمل دراسته الجامعية بعد الزواج والإنجاب - وقد درّس هو أيضاً في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية لعدة سنوات.

وهذا الإنسان هو زوجي الشهيد حليم تقي الدين رئيس القضاء المذهبي الدرزي والمحكمة الاستئنافية الدرزية العليا. شهيد الإنسانية والتسامح والمحبة وقد كان بالنسبة لعائلته ومحبيه نفحة الفرح وكرم النفس والعطاء.

لقد ملأ أجمل فترة من جحياتنا العائلية مع أولادنا الثلاث، أسامه وهلا ومكرم. وقد جاء أسامه ومكرم من الخارج خصيصاً لحضور هذا الحفل التكريمي. اما ابنتنا هلا وهي في اميركا مع عائلتها فلم تستطع المجيء لبعد المسافة وللضرورات العائلية.

كان حليم تقي الدين محط الانظار أينما وجد، يشهد على ذلك أهله وأصدقاؤه الكثر. وأرى بعضهم بيننا اليوم وقد كانوا بمثابة الاخوة الأوفياء له وما زالوا. اما اصدقاؤه فينتمون الى جميع المذاهب والطوائف دون استثناء ومن أقصى لبنان الى أقصاه. لم يعترف يوماً بالحواجز وخطوط التماس ولا بالعنف او حواجز التعصّب. بل كان لجميع الناس في فكره وقلبه وفي كتاباته وتصريحاته اليومية اثناء حرب السبعينات في وسائل الاعلام من صحف وإذاعات وتلفزيونات. فكانت دعواته المتكررة للوحدة الوطنية السبب الاساس في اغتياله لأن ما قاله لم يرُقْ للذين خططوا وعملوا على التقسيم دون الوحده.

لقد مضى خمس وعشرون سنة على اغتياله دون أن يصل التحقيق حتى اليوم الى نتيجة. فتوقف التحقيق وسكت القضاء وسكتت العدالة فدفع الشهيد ضريبة الدم عن التسامح والانفتاح والمحبة والوحدة.

اهكذا يكون قدر لبنان دائماً؟!

اشكر الدكتور سامي مكارم استاذ اللغة العربية والفلسفة الاسلامية في الجامعة الاميركية في بيروت على التكرّم من وقته الثمين للمشاركة في الاحتفال اليوم وقد تركت كلمته الاثر العميق في نفسي. والدكتور مكارم هو من أعزّ اصدقاء زوجي حليم وكان له حضوره المؤثر في غير موقف في ذكراه بعد اغتياله فله مني ومن أولادي أعمق الشكر والتقدير.

وأشكر الدكتورة نايلة قائدبيه أستاذة التاريخ في الجامعة الاميركية في بيروت وفي جامعة هايكازيان وقد جمعت في شخصيتها بين الجدية والانضباط والتأليف والتعليم الجامعي والبحث العلمي ما تعجز عن ذلك الكثيرات من النساء. فتاريخ حياتها تاريخ عمل واجتهاد وحركة دائمة مزجت فيها العمل الجدي المتواصل. فتابعت دراستها العالية بعد الزواج وإنجاب الاولاد ونالت شهادة الدكتوراه في الجامعة الأميركية في بيروت وهي عضوة في جمعية الباحثات الجامعيات في الجامعة الاميركية ولها عدد من الأبحاث وقد طبعت في نشرات الجمعية الدورية كما حققت مخطوطات تاريخية عدة لعدد من بطاركة الكنيسة الاورثوذكسية.

وحققت كتاب عن الامارة الشهابية والإقطاعيين الدروز وعدد كبيرمن الدراسات والمقالات التاريخية يصعب ذكرها لكثرتها.

بوركت الحركة الثقافية في انطلياس وانشطتها المتنوعة فقد جمعت بين فئات الوطن الواحد وأزالت الكثير من الحواجز النفسية بينها، فأثبتت أن الأدب والعلوم والفكر والفن والكتاب جميعها توحد ولا تفرّق وترفع من مستوى الرقي الحقيقي لدى المواطن.

كما أرجو أن تكون هذه الحركة الثقافية مثالاً يحتذى في كل لبنان وتؤسس حركات مماثلة تنبض بالحيوية والنشاط والثقة .