نظّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة ابتغت منها مقاربة نقدية في شعر سحر حيدر "بين عبق الرياحين وخزانة الريح".  شارك فيها كلّ من الدكتور جوزف أبو نهرا، والأب  نجيب بعقليني، والشاعر حبيب يونس، وأدارها الأستاذ ايلي الحجل.

images/bf2011/sahar-haidarweb.jpg

استهلّ الأستاذ ايلي الحجل كلمته بتلاوة قصيدتين للشاعرة سحر حيدر، رغبة منه في استجلاء ملامح الهويّة الشعريّة للشاعرة، القصيدة الأولى عنوانها "الحبّ لعنة"، والقصيدة الثانية عنوانها "إليك". ومن خلال القصيدتين، بدأ خواطره النقديّة، معربًا عن عدم تورطه في مقاربة نقديّة نفسيّة، وعدم توغله في معالم التناص، وعدم انزلاقه في مقاربة دينيّة أخلاقيّة. فهو أراد الإضاءة على مسار الشاعرة الحسيّ، العميق، وعالمها بما فيه من حضور ساطع لمركزيّة الحبّ والجسد، والأنوثة. وتمنّى عليها، حتى تسمو بتجربتها الشعرية، أن تتحرّر من سطوة تأثير شعراء سبقوها أمثال هنري زغيب، وسعاد الصّباح. وحثّها أيضًا على إغناء المستوى الإيقاعي والإعتناء بعناصر البنية الموسيقيّة في قصيدتها لأنّ الشعر مجاز وعاطفة وايقاع، ولأنّ الإيقاع يتيح "شعرنة الكلام". وأنهى كلمته قائلاً إنّ "سحر حيدر " لم تقل بعد كلّ ما عندها.

أما الدكتور جوزف أبو نهرا فذكر أنّه منذ تعرّفه إليها طالبة في دبلوم الدراسات العليا في التاريخ، رأى في بريق عينيها لمعة ذكاء. فلقد تميّزت بجديّة في العمل، وبرهافة حس، وعشق للكلمة. ولكنّه أردف أنّه لم يتصوّر يومًا أنّها ستسكب رقة مشاعرها قصائد ملهمة في ديواني شعر، يختلفان شكلاً ومضمونًا عن بعضهما. ففي الديوان الأوّل "عبق الرياحين" يغلب طابع الألم، والشكوى من شعور بالظلم والغربة، وتطغى الأشواك على الورود. فترى الشاعرة أنّ الحبّ والجمال لعنة، وترى البحر عاصفة هوجاء. ويقضّ الخوف مضجعها، ولكنّ الانوثة والشموخ والكبرياء تقوى عليه.  امّا في الديوان الثاني "خزانة الريح"، فتفيض العواطف مغمورة بالفرح، وهمسات ناعمة للحبيب، وتسيطر العفويّة، والشفافيّة، وترى في البحر برّ امان. ولكنّ نقطة التقاء الديوانين هي هذا الغزل الطاهر الشّفاف الذي يلامس احيانًا بنقاوة تعابيره، التضرّع والصلاة. فشعرها في الديوانين نبض قلب رقيق مرهف، وفيض مشاعر نبيلة.

أمّا في كلمة الشاعر حبيب يونس فجاء أنّ سحر حيدر من خلال هذين الديوانين، تبدو امرأة من اثنين: امرأة من سحر، يضرب لها الكتاب موعدًا وامرأة من حبر تضرب للعين موعدًا. وقال الشاعر حبيب يونس إن الشاعرة نضجت بين الديوانيّن، ففي البدء، في ريعان القلم، قادتها كلمات من ذاكرة الدّهشة بما رأت، وسمعت، فتمدّدت على رمل الديوان، ولكن، حين ألبست الريح من فساتين خزانتها، قادت هي الكلمات، وانطلقت إلى غابة اللغة. في أول ديوان كاد حرصها أن يبتلعها، وأسرَها الوفاء لما تعلمت. ولكن، في الديوان الثاني، ألّفت لفجر الشعر شمسا واخترعت لكلّ بيت في قصيدة ايقاعًا يشبه قرع أجراس روحها. وأنهى الشاعر كلمته بالتالي: "حديقتي سكرى، وحسْبُ قصائدي /  تغفو على سَحَرٍ، وتصحو من سَحَر. "

وتحدّث الأب نجيب بعقليني الذي اعتذر بالنيابة عن زميلته الدكتورة كلوديا أبي نادر الّتي اضطرت إلى التغيّب عن هذه الأمسيّة لدواعي السفر عن الشاعرة التي آمنت بأن الشعر رسالة وعشق يعيش على وفاء الكلمة. فأتت قصائدها من أحاسيس صادقة، ومشاعر نبيلة، اختبرتها فأطلقتها للريح. وأضاف أنّها لم تتقيّد بالقافية ولا بالوزن لانّها ولدت حرّة، تأبى أن تقيّدها أوزان وقوافي، بل أطلقت العنان لريشتها تاركة لروح القارئ إتّخاذ القرارات واختيار المضمون والتماهي بالكلمات كل على سجيّته.  وأعرب عن فخره بإمرأة التحدّي هذه قائلاً إنّ ما بين "عبق الرياحين، وخزانة الريح، أشياء كثيرة تغيّرت وستتغيّر ما دام قلبها يخفق بالأمل ويؤمن باختلاف الآخر وفراديته."

وكانت الكلمة اخيرًا للشاعرة "سحر حيدر" التي حيّت الحاضرين بطريقتها الشعريّة المتميّزة، متحدّثة عن شعرها كحبيب عن عشيقته: "أحرفي، قطرات ندى/ ألملمها برفة عين ناعسة/ أتلقّفها بلهفة العاشق/ أسكبها يمًا من العطر الدافئ فوق صفحات المدى..." وعوضًا عن شكر من حضر لمحبته حمدت الله على وعيها لحقيقة الحبّ، فهي رغم كلّ العواصف ستبقى صامدة، وستبقى وفيّة لما تكرّم الضيوف عليها بحسن الوصف.