نظّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة حول كتاب الدكتورعبدو قاعي، "أين نحن من الفكر المجتمعي في العالم المعاصر؟"، شارك فيها كلّ من الدكتور أسعد عيد، والأب الدكتور بولس وهبة، والدكتور سهيل فرح، وأدارتها الدكتور أسمهان عيد.

 

images/bf2011/8-mars-nadwaweb.jpg

رحّبت الدكتورة أسمهان عيدبالمشاركين في الندوة حول كتاب الدكتورعبدو قاعي، "أين نحن من الفكر المجتمعي في العالم المعاصر؟"، الصّادر عن "المركز اللبناني للأبحاث المجتمعيّة" في جامعة سيدة اللويزة.

 

واستهلت الدكتورة عيد كلمتها قائلة إنّ مفكري هذا الكتاب حاولوا إثارة بعض هذه الاشكاليات المجتمعية والقاء الضوء على بعض الحلول التي قد تساعد في ايقاظ الإنسان الكامن فينا فنحقق السعادة الحقيقية.   فهذا الكتاب يتكلم لغة مختلفة، إنه بحث عن الإنسان، ودعوة تحدٍ، ودعوة الى الحب اللامتناهي. وأضافت أنّ المشاركين في هذه الندوة سيحاولون الإجابة عن السؤال الذي يطرحه عنوان الكتاب"أين نحن من الفكر المجتمعي في العالم المعاصر؟"، كلّ واحد منهم عبر مقاربة مختلفة.

 

  فتركت الدكتورة أسمهان الكلام للدكتور أسعد عيد، نائب الرئيس للابحاث والتطوير في ميادين الالسنيات التطبيقية، والتعليم العالي في لبنان والخارج الذي قال إنّ الندوة ليست فقط حول الكتاب. فهي ندوة حول قضايا بيئيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وأخلاقيّة وتكنولوجّية هامّة، نعيشها كلُّنا في هذا العصر بفضل عولمة ، ما عدنا نعلم إن هي نعمة أو لعنة، فعلى الإنسان أن يعيشَ معها، لأنّ لا مفرَّ له منها. ولقد سيطرت العولمة، ومعها التكنولوجيا على حياتنا، وحرمتنا من حريّتنا وزعزعة إيماننا. وقال الدكتور عيد أننا إزاء هذا نتساءل إلى أين نحنُ ذاهبون؟ وكيف يُمكِن أن نستعيد حريّتَنا وأملَنا؟ كيف يُمكِننا، نحن اللبنانيّين، أن نُنقِذَ مجتمعَنا وبيئتَنا من المخاطر والتحدّيات التي تتهدّدنا اليوم؟ أسئلة حاول الدكتور قاعي ان يجيب عنها في كتابه. فأورد أنّ الحل يكمن في إحداث تغيير نوعيّ في الذات، و التركيز على القِيَم الشخصيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة والروحيّة والسلوكيّة عند المُتعلِّم.

 

بعد مداخلة الدكتور عيد، عرّفت الدكتورة اسمهان عن الدكتور عبدو قاعي على أنّه مهندس إشكالية هذا الكتاب. فتحدّث هذا "المهندس"  بإسهاب عن السبيل للوصول إلى المعنى في هذا الزمن. فشرح أنّ طريق المعنى في الزمن الآتي هو طريق العلم المتواصل يتقاطعُ و طريقِ الإيمان. لا يمكنُ أن نتلمَّسهُ إلاّ في عمق ذاتنا. وعلى هذا الطريق ثلاثة تحدّيات تجابه الإنسان: تحدٍ كينونيّ-أنطولوجيّ، وتحدٍ اكسيولوجيّ- قيَمي، وتحدٍ إبيستمولوجيّ. في التحدّي الأنطولوجيّ يعمل على تحديد مواقف المرء  لصالح الكائن بذاته، في التاريخ وفي ما أبعد من التاريخ. وقد لاحظ أنّ توقّف مسار التاريخ التطوّريّ سيقع في العالم الغربيّ المعاصر، وسيؤكّد على نهاية التاريخ. ولكنّه أردف أنّ هذه النّهاية أحزنته لذا راهن أنّها ستولّد مللًا سيدفع التاريخ إلى استئناف مسيرته. وانطلاقًا من هذا المشهد تساور الكاتب تساؤلات عدّة ، عمّا إذا كان مجرّد القبول بأنّ التاريخ يبدأ مع ظهور الكتابة يُفضي إلى الإقرار بأنّ التاريخ يتوقّف في اليوم الذي نزعم فيه أنّنا صرنا قادرين على الاستغناء عن الكتابة من خلال استيعابها تكنولوجيًّا. ويضيف الدكتور قاعي إنّ التّاريخ هو في صمت الأزمنة، هو في القدرة على الإصغاء. وهو يبحث أيضًا عن زمن الإيمان، زمن يبيّن عن ذاته عبر أربع مساحات زمنيّة مكانيّة. فبرأيه زمن الإيمان هو بحث عن الحقيقة على طريق الحب. هو عدم استخدام الإنسان سلطته لاستبعاد الآخر. وينتقل الدكتور قاعي للتّحدّث عن التحدّي الأكسيولوجيّ أو القيَميّ قائلاً إننا لن نحقق واجباتنا إلا إن راهنَّا على الولد، وعلى العالم، وعلى الثقافة، لأنّ هذه الرهانات هي برأيه الوحيدة التّي تمكّنه من التوجّه نحو الإيمان. فيتوقّف العالم عن كونه هذه الكينونة المتجانسة التي تدعونا للذوبان فيها، والتي تهدّدنا بالأسوأ، ليتحوّل إلى مساحة اتّصال بين المختلفين، آخذًا بهم إلى الاعتراف بعضهم ببعض، في خضمّ اختلافاتهم، وإلى اكتشاف وحدتهم الجامعة ضمن هذه الاختلافات. فيتحرّر الإنسان من عقال ال"نحن" للدّفاع عن الذات تجاه الآخرين. وهذا الرهان على العالم هو رهان على الأخلاقيات القصوى يُحتّم علينا أن نراهن أيضًا على الثقافة. أوليس هذا الرّهان رهانًا على القيمة الإنسانيّة المنشودة في كلّ ثقافة؟ يسمح هذا الرهان للبشر أن يتآلفوا مع فكرة الإنثقاف أي تضمين الآخرين في الذات. ويعتبر الدكتور قاعي أنّ الإنثقاف غير التثاقف. فالتثاقف في ظلّ هذه العولمة، كآليّة اتّصال حياديّ في الظاهر بين الثقافات، يبدو دعوة لتحطيم ثقافة بأخرى. ومع هذه الرهانات كافة، يطرح الرهان على الإيمان الذي يضعه في إطار التّحدّي الإبيستمولوجي، على أنه الرّهان الأقوى. وفي نظره على الإنسان في الإيمان أن يتمتع بالحبّ غير المشروط، والقدرة على تحويل كلّ خسارة ذاتيّة إلى طاقة فرح.

 

وتلت كلمة الدكتور قاعي كلمة الاب الدكتور بولس وهبة، استاذ علوم الاجتماع والسلوك في كلية الانسانيات في جامعة سيدة اللويزة، هذا الناشط في ميدان الحوار الاسلامي المسيحي، وفق ما قالت الدكتور إسمهان عيد.

وحيّى الأب بولس الدكتور قاعي، وكتابه الذي يستعصي على التصنيف، قائلاً أن من خلاله تسبح في عالم عبدو قاعي، وفي مشواره المتفلّت من مسار المشوار، فهو يدعو قارئه إلى تغيير مسار حياته عن طريق الحب، والحقّ، والصداقة. ويضيف إلى أنّه يطرح في كتابه مذكرات فكرية تدفع الإنسان أن يعود إلى جذوره كما خلقه الله، قوة لخدمة الآخرين، حتّى يسير الإنسان في رحلة تؤدي بكلّ اتجهاتها إلى حضن المسيح.

 

وبعد الإضاءة على هذا المجتمع، رأت الدكتور اسمهان عيد أنّه من المثير الانتقال إلى اضواء على الفكر المجتمعي الروسي من خلال المفكرَين دوستويفسكي وبوشكين مع الخبير والباحث في الحضارة الروسية، و"رئيس البيت اللبناني الروسي"، الدكتور سهيل فرح. وقد استهلّ كلمته بالشرح أنّ العلاقة بين موضوع الندوة بكل من بوشكين و دوستويفسكي و ساروكين، هي علاقة حتميّة إذ أنّ الفكر هو واحد في كلّ الأزمنة والأوقات. فالأسئلة المقلقة التي شغلت و ما تزال تشغل كل ذات مفكرة و المرتبطة بسؤال الأنسان عن ماهيته الأرضية بأبعادها البيولوجية و النفسية و الأجتماعية، و الأخرى المتعلقة بالأبعاد الدينية و الروحانية في الشخصية البشرية، كانت حاضرة في صميم الكتابة النثرية و الشعرية والنفسية والسوسيولوجية لكل من بوشكين ودوستويفسكي وساروكين، وهي أيضًا حاضرة في كتاب الدكتور قاعي. وعلى الرغم من الضغط الهائل الذي فرضته السلطات القمعيّة تسلح كلّ من الثلاثة بالحريّة والكرامة، والحقّ، أمور اعتبرها الدكتور قاعي من المسلمات.

 

وطرح عدد من الحضور أسئلة على المنتدين، فدار حوار مثمر سمح أيضًا بالإضاءة أكثر على موضوع الندوة.