نظمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة  حول كتابالأستاذ فارس الغول:"وادي نابيه انطلياس، نافذة على التاريخ"، بمشاركة القاضي الدكتور غالب غانم والأب الدكتور يوحنا الحبيب صادر والدكتور أنطوان قسيس، وأدارها الدكتور بديع أبو جوده.

images/bf2011/faresghoulweb.jpg

 رحّب الدّكتور بديع أبو جوده بالحاضرين مشيرًا إلى أن  اللّقاء اليوم يفتح نافذة على التّاريخ  من خلال كتاب الأستاذ فارس الغول:"وادي نابيه انطلياس، نافذة على التاريخ". ويصِفُ الأستاذ فارس الغول بأنّه ذاكرة حادّة وواعية لأدقّ أحداث العالم والشرق الأوسط وبخاصة لبنان.. فهو متعدّد المواهب والانجازات، وفارس التاريخ. ولقد أحسن في هذا المجلد الجديد بجزئه الأول وقد لامست صحفاته الستمائة، تفسير الحاضر من خلال العودة إلى الماضي. فمعه نكتشف إنسان أنطلياس الأول وهو إنسان نابيه، ومميزات هذه المنطقة، وثروتها المائيّة، فهي تملك 67 نبع ماء. ويؤكّد الدّكتور بديع أبو جوده أنّ من لا تاريخ له ليتباهى به، يصبح مستقبله تعيسًا. فالتاريخ من المجتمع كالذاكرة من الفرد.

ونالت إعجاب الأبّ الدكتور يوحنا الحبيب صادر التنقيبات الأثريّة والاكتشافات المدهشة التي يروي الأستاذ فارس قصصها في هذه الموسوعة، ويستشهد بقول للمؤلف يشدّ القارئ إلى الكتاب ألا وهو "إن كثرة المغاور والكهوف والتجاويف الصخرية المنتشرة على حنايا وادي نابيه-انطلياس، جعلت من هذا الوادي موطنًا مثاليًا للإنسان منذ أقدم العصور الحجريّة. وذكر أنّ المؤلّف يقسم الوادي إلى قسمين: الشطر الشرقيّ والشطر الغربيّ. ويولي أهمية أكبر لهذا الأخير نظرًا لاحتوائه الينابيع والكهوف والمغاور الصالحة للسكن، وأهمّها "تلّة الكهوف"، وذلك لوجود الإنسان فيها منذ أقدم العصور الحجاريّة. ومن خلال التنقيبات والأبحاث التي أجراها العلماء، يستنتج أنّ الوادي كان مأهولاً منذ 25 ألف سنة بلا انقطاع. ويعرض المؤلّف في كتابه مراحل التنقيب، والبعثات الفرنسية والأميركيّة الاستكشافية التي قادته، ناهيك عن أهم الباحثين أمثال الأب يونغ اليسوعي الأميركي، والعالم الفرنسي جاك شاكسيه. وركّز على أهمّ الاكتشافات الواردة في الكهوف ومنها هيكل عظميّ بشريّ دُعي "الانسان الطفل" وهو هيكل فتاة بين السابعة والتاسعة من العمر، من المرجّح أنّه يعود إلى 30 أو 35 ألف سنة. ويتساءل الأبّ الدكتور يوحنا الحبيب صادر عن  احتمال اكتشاف أن ظهور الانسان في وادي نابيه-انطلياس يعود إلى أكثر من مليون سنة، في ضوء كل الاكتشافات العلمية الحديثة التي تحدث ثورة. فمن لم يسمع بعثور خبراء أميركيين على عظمة من ساق بشريّة تشبه إلى حد كبير عظام الإنسان الحديث، ما يشير إلى أنّه مشى قبل أكثر من 3 ملايين سنة. ويختم كلمته معربّا عن ترقّبه أجزاء الكتاب الأخرى حتّى تتجلّى حقيقة وادي نابيه-انطلياس.

وانتهز الدكتور أنطوان قسيس الفرصة  للتشديد على أهميّة الأبحاث العلميّة والتنقيبات الأثريّة للإضاءة على التاريخ، وفكّ رموزه. وناشد اللبنانيّين على التحلي بالحكمة والتواضع العلميّ عند مقاربة التاريخ القديم في لبنان، ولاسيّما عند دراسة الحضارة الكنعانيّة الفينيقيّة. فبذلك ننال احترام الوسط العلميّ عندما نكتب في المجال التاريخيّ. وأعرب عن فرحه "بمولود" الأستاذ فارس الغول. فقد أنجبه بكامل الشوق والمحبّة، يحنو عليه، ويحفظه برمش العين. وشكر المؤلّف غرفه من الثقافة التاريخيّة، وتأريخه لحقبات مهمّة تذكّر بماض علينا المحافظة عليه، وشجّعه على الخروج من نافذة نابيه التاريخيّة إلى التاريخ الأعمق والأرحب لتاريخ لبنان.

وفي الختام استهوى عنوان الكتاب القاضي الدكتور غالب غانم، لأنّ الأرض الذهبية التي كانت المدى الجغرافي للعنوان هي شطرة من المتن الّذي يحبّه، فقومه محطّ اعتزازه. ولكنّ شخصيّة الكاتب هي أكثر ما يشدّ القاضي إليه، فهو يتذكّره منذ أيّام الدراسة. فالكاتب يقدّم الجوهريّ على العرضيّ، والحقيقة التاريخيّة على التمويه، والكنوز الحجريّة المكتشفة في فردوس نابيه-انطلياس على ما عداها من انتهاكات. ومن ميزات الكتاب، تمجيد الأرض التي كانت مرح الطفولة. فيعود الكاتب إلى تراث الأوّلين، ويستذكر بشرًا ويستنطق حجرًا، ويستخرج كنوزًا. واستطاع أن يؤالف بين معطيات التاريخ وطيف الأسطورة فكوّن نسيجًا كتابيًا غدت قراءته من الحلاوات، واستطاع أن يناغم بين البعد التاريخيّ والبعد الأسطوريّ. ولم يكتف الكاتب بالأخذ من أمات المراجع، بل شاهد وابنه المهندس بأمّ العين، فقارن وطرح الأسئلة. وذكر أنّ روح التباهي بالميراث، أتاحت للقارئ الاحتفاظ برؤيته النقدية، فما ورد مثلاً عن عاميّة انطلياس الأولى والثانية، وجمهورية طانيوس شاهين، والجذور التاريخيّة لإسمي انطلياس ونابيه، وغيرها، تدلّ على أنّ للمؤلف نظرته الخاصة في عدد من المسائل، ما لا يغرق النصّ بالسرد المملّ.  وختم كلمته موجّهًا كلامه إلى المؤلّف بالقول: "فسلام مني إليك، نيابة عن وادي الدلب وأمواهه، ووادي الجماجم وأغواره، وضهر الحصين، وبسكنتا، وعراقتهما، وصنّين الذي تجمعنا أعاليه، أنتم ونحن، في شمخة متنيّة واحدة.