تكريم أعلام الثّقافة في لبنان والعالم العربي

الدكتور محمود الزيباوي

 كرّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" الدكتور محمود الزيباوي. وقام الأب الدكتور جورج مسّوح  بتقديم المكرّم و الدكتورة نجاة الصليبي الطويل بإدارة اللّقاء.


 استهلّت الدكتورة نجاة الصليبي الطويل كلمتها بالتساؤل عمّا يجعل بعض الأشخاص يكرّسون أيامهم لتجارب وأبحاث. فيتأبّطون باقة أحلام ومشاهد، وأحاسيس تُنسيهم محيطهم وعالمهم القريب. فأكثر ما يلفت، بحسب الدكتورة نجاة بالمحتفى به، هو ازدواجية مساره: أهوَ فنانٌّ أم صحافيٌّ؟ فلقد افـتـتـن باكرًا بالرسمِ والأدب والشعر؛ وقرَّر في المراهقة أن يصبح فنّانًا تشكيليًا. وأقام معرضه الفرديّ الأولَ وهو في الثامنة عشرةَ من عمرِه في "غاليري شاهين" وقد نجح هذا المعرض إعلاميًا وماديًا. وكانَ قد عرضَ في سنّ الخامسةَ عشرةَ لوحات في شارع بِلسّ. ولكنه صحافيّ أيضًا. ففي الثامنة عشرة من العمر بدأ الكتابةَ في الصحافة، وانحصرت كتابتُه في متابعة النشاطات التشكيليَّة الحديثة. تعرّفَ الى أكبرِ فنّاني باريس، وأجرى مع كلّ منهم أحاديث طويلة، نشرَها في الصحافة اللبنانية الناطقة بالعربية والفرنسية. فهو يعيش مسارين متوازيين. فهل هو صحافيّ أم باحث وكاتب أكاديمي؟ هل هو مسلم أم مسيحي؟ بيروتي أم صيداوي؟ هل هو لبنانيّ الهَوى والفنّ أم باريسيّ؟ هلّ اللغة التي يتقنها أكثر العربيّة أم الفرنسية؟ لغة الكتابة أم الرسم؟ وإزاء هذه الطروحات، وهذه المتاهة، الخلاصة الوحيدة هي إن صورة محمود الزيباوي غير نمطية فهي بالأحرى مركّبة. إنّه فنان شامل متميّز ومفكّر بارز ومنفتح ثائر وناقد جريء، وباحث دقيق، وشغوف بما يقومُ به؛ وهو بالأخصّ لبناني أصيل يُذكِّرُنا بالعظماءِ من أدباء ومفكّرين، اعتبَروا الأديان سببًا للفنِّ والحبِّ القوميّ.

images/bf2011/zibawiweb.jpg

 وعرّف الأب جورج مسّوح عن محمود الزيباوي، فقال إنّه الأيقونة الحيّة، لا يختزل بصفة واحدة، فمواهبه متعدّدة، من كاتب، وصحافيّ، وباحث، وناقد، ورائد في مجال الأيقونات على وجه الخصوص. فمؤلفاته عن الأيقونات باتت مرجعًا أساسيًا لكلّ من يرغب في الغوص بحثًا عن غنى هذا الفنّ الدينيّ. فكتابه الباكورة "الأيقونة معنىً وتاريخًا" يُعدّ فتحًا مبيّنًا وإضافة كبرى على ما سبقه من كتب وضعت عن الأيقونات. وأضاف إنّه مثقّف كبير، يُذهلك اطّلاعه على مكتبات هائلة من الكتب، وتدهشك لوحاته لما فيها من نفحات صوفيّة إسلاميّة، ومسيحيّة. فضلاً عن ذلك، توازي مقالاته في النهار على اختلاف مواضيعها بحثًا علميًا له قواعده التي لا تحيد عن المنهجيّة العلميّة. وأكّد الأب جورج مسّوح أنّ عبارة "خير جليس في الأنام كتاب" تنطبق على الدكتور محمود الزيباوي وحده. فهو كتاب مفتوح، محيط بكلّ شاردة وواردة، لا يحدّه انتماء ولا عقيدة سوى الحبّ، وبخاصة حبّ مريم. وأنهى الأب جورج مسّوح كلمته معربًا عن بحث الدكتور محمود الزيباوي الدائم عن الجمال، فهو آمن بمقولة دوستويفسكي "الجمال سوف يخلّص العالم". فقد رأى الجمال في الموسيقى، والشعر، واللون، واللوحة، فجعل الناظر إلى الأيقونة يتملّكها، ونصّب نفسه أيقونة حيّة. فحبّذا لو بفنّه يخلّص العالم. 

 ثم استلم الدكتور محمود الزيباوي الكلام، فشكر أعيان الحركة الثقافية الذين كرّموه، خاصًا الدكتور أنطوان سيف كما شكر أيضًا كلاً من الدكتورة نجاة الصليبي الطويل ، والأب جورج مسوح على كلمتهما. وشعر بالحرج لضرورة التكلّم عن نفسه، فهو يكره هذه الأنا معتبرًا أنّ  "كلّ أنا هي عدوّة تبتغي أن تتسلّط على الآخرين كلّهم". ولكن، مرغمًا عرض سريعًا بعضًا من مراحل حياته. قرر وهو في السادسة عشرة أن يصبح فنانا تشكيليا، فسعى إلى تحقيق هذه الرَّغبة في أسرع وقت. فأقام معرضه الفردي الأول وهو في الثامنة عشرة. تعرّف إلى أكبر فنّاني باريس، وأجرى مع كل منهم أحاديث طويلة نشرها في الصحافة اللبنانية الناطقة بالعربية والفرنسية. عاش متنقلاً بين العاصمتين اللبنانية والفرنسية. فشغف بالفن البيزنطي، ما دفعه للتعرف الى ينابيعه. وطبع في العام 1993 كتابًا باللغة الفرنسية اختار له عنوان "الأيقونة معناها وتاريخها"، وسرعان ما طبعه أيضًا بلغات أخرى الإيطالية والانكليزية والهولندية والألمانية والإسبانية نسبة للرواج الذي لاقاه هذا الكتاب. في الخامسة والثلاثين من العمر، حاز ماجيستيرا في في "الدراسات الدينية" من معهد القديس سيرجيوس في باريس حيث تعرّف على المفكّر واللاهوتي الشهير رينيه كليمان، وفي العام 2002 دكتوراه في تاريخ الفنون. ثمّ طبع ثلاثة كتب أخرى. ولم ينقطع عن الرسم قطّ، فكان يعرض أعماله بشكل منتظم في معارض فردية في لبنان وفرنسا وإيطاليا. فضلا عن ذلك زاول الكتابة في "ملحق النهار" منذ مطلع العام 2003، فأتاحت له هذه الزاوية فرصة الانفتاح على آفاق تراثية اخرى. ثمّ أستقر في بيروت وهو في الثامنة والأربعين، يدرّس في الجامعة اليسوعية وفي جامعة البلمند، ويهيئ لإصدار كتابين بالعربية يواصل فيهما البحث في عالم الصور، وشعاره، كما في أيام المراهقة، بقول بودلير: "تبجيل الصور هو عندي الشغف الكبير، بل الأوحد، بل الأصلي". وأنهى كلمته مصرّحًا بأنّ هذا هو شغفه، وحياته الصغيرة، آملاً أن يكون نتاجه يستحقّ التكريم.

وأعطى كلّ من الشاعر عقل العويط والشاعر عبده وازن والدكتور عصام خليفة والدكتورة مرلين كنعان والدكتور نقولا أبو مراد شهادات بالمحتفى به مسلّطين الضوء على عبقريّة هذا "العلاّمة" المكرّم.

 وفي ختام الاحتفال قدّم أمين عام "الحركة" الأستاذ جورج أبي صالح، إلى المحتفى به شعار الحركة وصورة عن عاميّة انطلياس الشهيرة.