نظمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة  حول كتاب المونسنيور ميشال حايك "دراسات في تاريخ الكنيسة المارونية" بمشاركة الخوري الدكتور ناصر الجميّل ، والدكتور سمير خوري والدكتور ناجي حايك، وأدارها
الدّكتور ناصيف قزي.


images/bf2011/monmichelhayekweb.jpg 

 رحّب الدّكتور ناصيف قزي بالحاضرين مشيرًا إلى أن  اللّقاء اليوم، يتّخذ بعدين: الأول هدفه  مناقشة كتاب الخوري ميشال الحايك" دراسات في تاريخ الكنيسة المارونيَّة" وروحانيَّتِها، والذي هو ترجماتٌ،أعدَّها الخوري دانيال زغيب، لنصوصٍ حول الموارنة وتاريخِهم وروحانيَّتِهم، والقضيَّة اللبنانيَّة وعلاماتها، والكنيسة ووحدتها. والثّاني هو تكريم الخوري حايك الذي يعتبره علماً من أعلامنا الثقافيَّة الذين نعتزّ بهم وبعطاءاتهم. فهذا المونسينيور نال شهادات دكتوراه في اللاهوت والآداب والعلوم الإجتماعيَّة والسياسيَّة، وشارك في أعمال "المجمع الفاتيكاني الثاني" كمستشارٍ لاهوتي وفي مؤتمراتٍ دوليَّة عدَّة، كان منها "المؤتمر الإسلامي" في الجزائر عام 1972. وعندما توفي في العام 2005 ترك وراءه إرثًا معرفيًا ومعنويًا قلَّ أن يشابهه فيه أحد. للخوري ميشال الحايك مؤلفات كثيرة مهمّة. ويدخل هذا الكتاب ضمن هذه المؤلفات، وينقسم إلى أربعة أقسام: يتضمن القسم الأول دراسة في تاريخ الموارنة منذ زمن مارون الناسك وصراعاتِ وهرطقاتِ ذلك الزمن، وصولاً الى بطريركيَّتِهم والمسار الإصلاحي وعلاقتِهم بروما. ويذكر القسم الثاني  مقاربة لتاريخ الكنيسة المارونيَّة الأنطاكيَّة وروحانيتها، أمّا القسم الثّالث فيتضمن آراء المونسينيور في القضيَّة اللبنانيَّة ولا سيما ما عاشه لبنان من صعاب ليخلص إلى التأكيد على علاقة المارونيَّة بالأرض. وبعض المفاهيم العامة ولا سيما الحريَّة. ويعالج القسم الأخير دور الكنيسة المارونيّة في وحدة الكنائس. في هذا الإطار قال الدّكتور ناصيف قزي سنستمع إلى ثلاث مقاربات: الأولى للخوري الدكتور ناصر الجميِّل هذا الكاهن الماروني والأستاذ الجامعي، والباحث في التاريخ الكنسي، وفي الشؤون التربويَّة، وفي المبادلات الثقافيَّة بين الشرق والغرب. وسيقدّم الدكتور سمير خوري المقاربة الثانية، وهو أستاذ جامعي وباحث في العلوم الإجتماعية. أمّا المقاربة الأخيرة فهي للدكتور ناجي الحايك وهو إبن شقيق الخوري ميشال والمسؤول عن مؤسسة ميشال الحايك التي تعنى بنشر إرثه.

 سلّط الخوري الدكتور ناصر الجميِّل الضوء على شخصيَّة الماروني من خلال نصوض ميشال الحايك، قائلاً إنّه حاول دراسة تاريخ الموارنة في مختلف أوجهه، وقام مُترجم الكتاب الخوري دانيال زغيب بعرض هذا التاريخ في محاور أربعة: أولاً الموارنة في التاريخ، وثانيًا تاريخ الموارنة وروحانيَّتهم، وثالثًا آراء في القضيَّة اللبنانيَّة، أمّا القسم الأخير فهو دور الكنيسة المارونيَّة في وحدة الكنائس الأنطاكيَّة. فقد كتب تاريخ الموارنة على خلفيَّة العلاقة بينهم وبين الكاثوليك والأرثوذكس، وعلى خلفيَّة العلاقة بسائر المسيحيِّين والمسلمين، وعلى خلفيَّة العلاقة بكنيسة روما اللاتينيَّة. وأبرز دورهم في كتابة التاريخ، وفي التأثير عليه، شرقًا وغربًا. ويرى . أنَّهم مَن استقدم فكرة القوميَّة. فالقوميَّة دعوة إلى إنشاء مجتمع أركانه مفاهيم فلسفيَّة من معطيات العقل، لا من منزلات الغيب، وقوامه عناصر بشريَّة تلتقي حول أهداف زمنيَّة من العدالة والإخاء والحريَّة. وينبثق الوطن من هذه القوميّة. والمونسينيور ميشال الحايك  يعتبر أنّ المارونيّ  وريث تقاليد رفضت باسم الحريَّة أن تنضوي تحت لواء الأمبراطوريَّة أو السلطنة أو الخلافة، رفض بيزنطية، اعتزل القوميَّة السوريَّة - السريانيَّة، وانقطع عن الأمويِّين والعبَّاسيِّين، واحتمى من المماليك، وتفرَّد عن رعايا الحكم العثماني. فالأرض أولى مطالبه، لا اللغة. وشكر أخيرّا الخوري الدكتور ناصر الجميّل المونسينيور ميشال الحايك، على ما قام به، ناصحًا الكنيسة أن تعتمد كتابات هذا الأخير حتى يُكتب لها دوام الاستمرار.

  أمّا الدكتور سمير خوري الذي رافق سنوات طويلة في مرحلة الشباب الأب حايك، فركّز على حياة الأب ميشال، عاشق المسيح ونبي الرجاء. كان همّه   قضيّة الأنسان، في كل زمان ومكان، ومحور هذه القضيّة هو المسيح وشعارها صليب الحرية. فباسم الحرية أعلن المسيح الثورة السلميّة حيث لم تهرق أية قطرة دم من غير دمائه. وتحدّث عن بعض الأمور الروحية التي ما تزال تشغل الفكر حتى يومنا هذا، وهي نظرية المسيح الكوني محور التاريخ، ونظرية مقياس الدنو والبعاد من مركزية المسيح، ونظرية الزمن الفارقي، والحوار المسيحي الإسلامي بالإضافة إلى نظرية الميثاق الوطني وقضية تحقيق الذات معا. فالديانات بأسرها، هي معالم وطرقات مختلفة إليه، ومؤسِّسوا الأديان لشعوبهم هم، بشكل ما، كأنبياء التوراة، أصوات صارخة تمهّد في البرِّية، درب المسيح. وطالما المسيح الكوني هو محور العالم البشري  وقطب التاريخ الروحي، فدرجة مسيحية كل فكر وأمر وموقف، تقاس بحسب سلم الدنو/اوالبعاد عن مركزية المسيح الحب الخالص. وأنهى كلمته مثنيًا على الأب زغيب الذي تعاطف مع النّاس الطيبين، والذي عرف كيف يغرف من تراثه الغني، وترجم ما تيسر منه، بالإضافة إلى خياره  نصوصاً روحية ، ومحافظته على أمانة النصّ بدرجة عالية.

  وأخيرًا كانت الكلمة للدكتور ناجي حايك،ابن شقيق الأب ميشال حايك، الذي ذكر بعض منجزات "مؤسسة الأب ميشال حايك"، والذي عرض للعلاقة بين الموارنة والحريَّة ولبنان. إذ إنّ موضوع الموارنة والحرية، حاز على الكثير من فكر الأب حايك الذي كان دائمًا ينصح ابن شقيقه الدكتور ناجي بأن يبقى حرًا. فالحرية هي الثابتة الوحيدة في تاريخ الموارنة منذ 1600 سنة. وفي الأساس بدأت المارونية حركة روحية نسكية رهبانية ومع تطورها لتصبح مؤسسة كنسية، إستقرت في لبنان وكان سكان الجبل أول من إعتنقوها. لقد كانت منذ البدء على صورة المسيح الذي ساوى بين السيد والعبد، وآخى بين الناس والأجناس. وجمعت عشاق الحرية في شرق لم يكف يومًا عن أن يكون مسرح قهر ومظالم. وما من قضية إلا وتمايز فيها الموارنة، بدافع مقاومة الإنصهار وإثبات حق المغايرة. فكثيراً ما إعتدي عليهم ليتحولوا إلى أكبر المنكفئين. ما إنعزلوا، لقد إعتزلوا في جبالهم على مدى مئات السنين محافظين على تراثهم الأنطاكي وعقيدتهم الخلقيدونية . حالة الإباء هذه التي عاشوها هي التي سوغت لقياداتهم الروحية عدم طلب فرامانات المحتل وإلتماس حمايته وأدت برهبانهم إما إلى الشهادة، وإما  إلى عدم التردد بإستعمال السوط كما حصل مع بعض رهبان دير مار قزحيا البلديين الذين يقال إنهم أذاقوا المتصرف هذا السوط. وأنهى الدكتور ناجي حايك كلمته بأجمل ما قاله الأب حايك في محاضرة الصوم لسنة 2001 في كتدرائية مار جرجس:"لا تطرح قضية الحرية على لبنان فقط، لا بل، إن لبنان بمجرد وجوده، يطرح قضية الحرية على نفسه".