نظمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة  حول كتاب "مساهمة المؤرّخين الأرثوذكس في التأريخ" (مشورات جامعة البلمند) بمشاركة الدكتور بطرس لبكي والدكتور منذر جابر والدكتورة كانديس ريمون. أدارتها الدكتورة سعاد أبو الروس سليم.

images/bf2011/othodoxweb.jpg

جاء في كلمة الدّكتورة  سعاد أبو الروس سليم أنّ الكتاب موضوع الندوة، هو عمل عشرين سنة في معهد التاريخ والآثار والتراث المشرقي في جامعة البلمند.  فكثيرًا ما اشتكى المفكرون بأنّ الأرثوذكس لم يكتبوا تاريخهم بل أنّ الآخرين شوّهوا تاريخهم، لذا كان معهد التاريخ (المركز الأنطاكي سابقًا) يسعى إلى جمع التراث من مخطوطات ومحفوظات في الأديرة والأبرشيات. فهذا الكتاب يحاول حضّ الباحثين على الخوض في مجال تحقيق هذا التراث التأريخي المغمور ونشره كما هو تحيّة بسيطة للمؤرخين الذين جاهدوا لنقل تاريخنا وتراثنا للأجيال الصاعدة، فتناول الحوليات وتاريخ المناطق والتاريخ القوميّ ومؤرخي النهضة الموسوعيين وتاريخ الكنيسة. وتركت الدّكتورة  سعاد أبو الروس سليم الكلام للمنتدين.

 وتحدّث الدكتوربطرس لبكي عن المؤرخَين ابراهيم الأسود وعيسى اسكندر المعلوف معتبرًا أنّهما يستحقان كلّ تكريم لأنّهما ساهما في الإضاءة على التاريخ بكلّ موضوعيّة، فالعلاّمة اسكندر المعلوف الذي يدير مطبعة، فقد ألّف ثلاثة كتب تاريخيّة اتّسم فيها بالموضوعيّة. كان بشكّك بالمصادر التي استقى منها المعلومات، وبحث عن استشارات جديّة حول موضوعاته، وبقي أمينًا للحقبة التاريخيّة المدروسة. وقد ميّزته كتاباته عن سائر المؤرّخين، لأنّ منهجه فريد وسلس وعقلانيّ. واستطاع أن يجدد في التاريخ على الرغم من نشأته التقليديّة، ويربط كتابة التاريخ بالتاريخ الاقتصاديّ والتربويّ، ولم يغب عن باله أن يٌعنى بالإطار الجغرافي. فجاءت كتاباته شاملة وفريدة ومنهجيّة نظرًا لوفرة المصادر والمراجع التي استقى منها الأحداث.  أمّا المؤرّخ  ابراهيم الأسود، رجل الإصلاح والانجازات الذي ساهم في فتح طرق وانشاء مدارس، كان يؤمن أيّما ايمان بمفهوم  الاستقلال الفعليّ السياسيّ والاقتصاديّ. ودعا إلى إقامة مؤتمرات وندوات دراسيّة مخصصة حول كل من هذين المؤرخين شبيهة بالمؤتمر الذي انعقد في السابق حول المؤرّخ المعروف أسد رستم.

  أمّا الدكتورة كانديس ريمون التي تلت مداخلتها باللغة الفرنسيّة، فرأت أنّ عنوان الكتاب مخادع  لأنّ الكتَّاب الذين يشملهم ليسوا مؤرّخين بحقّ، ولا تنطبق معايير التأريخ على كتاباتهم جميعًا. من هذا المنطلق ارتأت أن تتساءل عن ماهيّة التّاريخ، وطبيعته، وتحوّلاته على امتداد العصور. ولاحظت أنّ الجامعة أمثال الجامعة الأميركيّة في بيروت تلعب دورًا مهمًا في زرع بذور الموضوعيّة في نفس المؤرّخ، الأمر الذي ينطبق على خمسة مؤرّخين أرثوذكس خصّتهم بالذّكر في مداخلتهم وهم: أسد رستم ونقولا زياده وقسطنطين زريق وجورج حداد وسمير قصير. وكلّهم ساهموا بشكل كبير في أزالة الغموض عن حقبات تاريخيّة مهمّة. فقد ركّز أسد رستم على حقبة محمّد علي باشا وابنه ابراهيم باشا، وأهمّ انجازاته في الحقل التأريخي تجميع أرشيف نقدي مهمّ، وفي الحقل المنهجيّ، تقديم أوّل كتاب مدرسي يتناول المنهجيّة التاريخيّة. أمّا نقولا زياده، الذي تميّز بكتاباته الموضوعيّة، فقد عاد في نهاية حياته إلى الكتابة الذاتيّة عندما كان يتناول الهويّة المسيحيّة الأرثوذكسيّة العربيّة. وذكرت أيضًا أنّ جورج حداد هو أوّل الباحثين عن الحقيقة الوضعيّة، فالحقيقة  الوضعيّة في التأريخ تأتي قبل كلّ شيء. والأمر سيّان بالنسبة لقسطنطين زريق هذا المؤرّخ والمفكر والمعلّم الذي اعتبر أنّ التاريخ هو مفتاح بناء الماضي والحاضر، وللصحافي سمير القصير الذي ابتعد عن الطائفيّة في كتاباته ونادى بالعلمانيّة. وخلصت إلى أنّ هؤلاء الكتاب على الرغم من عدم تعصّبهم لطائفتهم، ساهموا في تطوير مجتمعهم وطائفتهم.

 وجاء في كلمة الدكتور منذر جابر أنّ الكتاب يتناول بشكل خاص بعد المؤرخين الأرثوذكس عن الطائفيّة تأريخًا وسلوكًا وموضوعيتهم البارزة، مشددًا على صعوبة ترتيب وتبويب درجات المؤرخين وطبقاتهم في كتاب التاريخ هذا، وذلك بسبب وفرة مضامينه ومواضيعه، وبسبب اشتغال كثير من المؤرخين على أبواب متعددة، من السيرة والرحلة وأصول الدين وأصول التاريخ وقواعد الكتابة التاريخيّة. وأشار إلى أنّ نسبة المؤرخين إلى طوائفهم كانت وراء الأطروحة الشهيرة لأحمد بيضون في كتابه "الصراع على التاريخ"، فالموروث الديني الذي يتسلل إلى منقولاتنا من غير درب ومن حيث لا ندري، وأحيانًا عبر عباءة اللا طائفيّة.