نظمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة  حول كتاب الدكتور شارل مالك"وبه كان كلّ شيء - شهادة مؤمن"، بمشاركة المطران بولس مطر والقس حبيب بدر والمطران أفرام كرياكوس. وأدارها  الأب جوزيف عبد الساتر.

images/bf2011/charlesmalekweb.jpg

بدأ الأب عبد الساتر كلمته من "شهادة عمر" شارل مالك الظاهرة في كتابه، وأطلق عليها اسم "وصايا" أو حتّى "فعل إيمان". فالدكتور مالك يؤمن بأن العلم قدرة إنسانية عظيمة وبأن الحقيقة موجودة وبأن الموجود الحقيقي ليس الفكرة ولا الخيال ولا النظم ولا النظريّات، بل هو الفرد. ويؤمن بأن الإنسان هو أرفع الموجودات، وأنّه حرّ. وهو لا يؤمن فقط بالمسيح  بل يشهد له أيضًا. وذكر أنّ الدكتور شارل مالكبقدر ما كان مدرسة في العقل والفلسفة والعلم، كان مدرسة في الإيمان، إلى حدّ النبؤة؛ وهو القائل في هذا المكان بالذات في كنيسة "مار الياس انطلياس" في العام 1974: "أؤمن بأنّ لبنان يعني رسالة إنسانية فذّة لنفسه وللعالم العربيّ وللشرق الأوسط وللعالم". وأضحى الدكتور مالك، بإيمانه الصادق والعميق، رمز الوحدة الوطنيّة والروحيّة بلا منازع ومرجعًا في العلم والمعرفة والسلام.

 وفي كلمة سيادةالمطران بولس مطر رئيس أساقفة بيروت، أنّ تكريم شارل مالك هو وفاء للرّجل، وأمانة للذات المسيحيّة واللبنانيّة والإنسانيّة بكامل جوهرها ووجودها. فهذا المفكّر يختزن عصارة الحضارة المتوسطيّة. وشكر المطران مطر كلّ من جمع كتابات شارل مالك الروحيّة في كتاب واحد، وشكر القيّمين على هذه الندوة. وقال إنّ السؤال الذي نطرحه اليوم والذي يساعد هذا الكتاب على الإجابة عنه هو كيفية وصول شارل مالك إلى المركز العالميّ الاعلى أيّ رئيس الجمعية العامّة للامم المتحدة وإلى أن يسهم إسهامًا فعّالاً في صياغة شرعة حقوق الإنسان الدولية. ويُعزى الجواب برأيه إلى أن شارل مالك نجح بذلك لأنّه ولد مسيحيًا شرقيًا في بطرّام وتربّى لدى اهله على ايمان صاف بيسوع المسيح، ولأنّه نمّى هذا الإيمان بالقراءة. فقد اطّلع على كلّ من أفلاطون وأرسطو وأغسطنيوس والأكوينيّ... وتركّزت حياته على الإيمان المطلق بشخص المسيح الإلهيّ، كما تركّز فكره على قيمة الشخص البشريّ أساسًا للمجتمع  وللحضارة الإنسانيّة بأسرها. ولقد آمن أولاً بيسوع المسيح الذي عُمّد باسمه، وانطلق في تفكيره نحو العمل على تقدّم الإنسانيّة عبر إعلان القيم النّابعة من الإنجيل ومن سيّده الّذي لا سيادة في الكون بدونه. وأكّد المطران مطر أنّ قلّة يعرفون أنّ حقوق الإنسان تنبع أصلاً من الإنجيل الذي أسّس لها انطلاقًا من الخلاص بيسوع المسيح. وأقام مقاربة بين فكر شارل مالك والفلسفة العميقة التي أطلقها المفكّر الألماني هيغل في بدايات القرن التاسع عشر. فهذا المفكّر أدرك أنّ المسيحيّة هي التي نقلت العالم من العصور القديمة إلى أجواء العصور الجديدة، وأطلقت حريّة الشخص حتّى في وجه الجماعة. وختم كلمته قائلاً: إنّ اللاهوت لا يقتصر على ما أعلنه شارل مالك في فكره وكتاباته الروحيّة، لأنّه نسي أن يتناول اللاهوت الشرقيّ الذي يزيد في غنى المسيحيّة. وأكّد أن شارل مالك لم يدّعِ امتلاك  كلّ الحقيقة لا في الحاضر ولا في المستقبل، لكنّه عرف أنّ "من عنده معرفة بالمسيح فهو قادر على معرفة كلّ شيء وعلى تنظيم كلّ شيء وعلى إيصال كلّ شيء إلى خواتيمه السعيدة".

   وجاء في كلمة القسّ الدكتور حبيب بدر الذي عرف الدّكتور شارل مالك معرفة عائلية حميميّة منذ صغره بحكم القربى، إذ أنّ مالك هو زوج عمّته، وأنّه تأثر بعمق بشخصه من الناحيتين الروحيّة والاجتماعيّة. وهو يتذكّر وصيّة الدكتور شارل مالك في أعياد الميلاد  وكلّ المناسبات "أنّ بالمسيح كان كلّ شيء". وذكر القسّ بدر أنّه عندما عاد إلى لبنان من أميركا لزيارة أهله وأصدقائه، نصحه الدكتور مالك بالعودة إلى دراسته، فمن يدرس اللاهوت أيّ يسوع المسيح، يجب أن يوليه أهمية فائقة، ويأتي ما تبقى في المرتبة الثانية. وأضاف أنّ الكتاب "وبه كان كلّ شيء" يعرض هذه الأفكار بعمق ووضوح. وقد أٌّلقيت معظم الخطابات والعظات المنشورة في هذا الكتاب في أوائل السبعينات من القرن الماضي حين كان الدكتور مالك استاذ  مادة الفلسفة في الجامعة الأميركيّة في بيروت. وذكر أنّ شارل مالك مهجوس بالمسيح، حذر من الشيطان إلى أقصى حدّ. هو يعتبر أنّ الشيطان هو كلّ ما ضد المسيح من إلحاد وماديّة. وختم قائلاّ إنّ شارل مالك لن يُفهَم حقًا إلا إذا عرفنا كما هو واضح في هذا الكتاب أنّ يسوع المسيح الرب الإله والمتجسد من أجلنا نحن البشر كان في نظره كلّ شيء وقبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء.

 أمّا المطران أفرام كرياكوس فأعطى عصارة حياة الدكتور شارك مالك وفق ما ورد في كتابه .وهي أنّ العلم قدرة عقليّة يتساءل بموجبها الفرد عن كلّ شيء وعن الله وعن غيره. وهو ضد المادية والإلحاد وضد الإباحيّات والحطّ من كرامة الإنسان وكبت حريّته. ولكنّه مع الوجوديّة المؤمنة، ومع الحقيقة وحريّة الإنسان. ويعتبر أن أرفع حريّة هي العبودية للحق، وبما أنّ المسيح هو الحقّ، فالإنسان هو عبدٌ لله، وعبد للمسيح الإله. ويعترف  بفضل الأمّ مريم علينا جميعًا هي التي تتشفّع دائمًا بنا إلى ابنها. ويعلن إيمانه بالليتورجيا وبالكتاب المقدّس والقديسين طالبًا من الربّ أن يرحمنا ويحفظنا وينعم علينا بمحبّته.