أقامت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس"  ندوة بعنوان "الصراع حول النفط والغاز في شرق المتوسط". شارك فيها الدكتور "جورج نصر" والدكتور "وليد خدوري" وأدارها الدكتور "عصام خليفة".  


  
ذكر الدكتور"عصام خليفة" أنّ كل باحث في أرشيفات الدول الكبرى يعرف جيدًا أهمية الطاقة عمومًا والغاز والنفط خصوصاً في رسم سياسات الدول. ومع تأكيد وجود الغاز والنفط في مياه شرق المتوسط يجد لبنان نفسه أمام مشاكل مختلفة: أولها صعوبة ترسيم الحدود البحرية بسبب تحرّك الموج. ثمّ مشاكل تتعلّق بالتنقيب عن النفط في لبنان، إذ إنّ الشركة اللبنانية للزيوت قامت منذ العام 1947 بدراسات جيولوجية سطحية على مساحة وصلت إلى 3300 كلم 2، في مختلف الأراضي اللبنانيّة ولكن بعد حروب العام 1975 توقفت عن التنقيب. وفي أواخر التسعينات، اكتشفت شركة "نوبل اينيرجي" الأميركية حقلاً في المياه المحاذية للمياه الإقليمية لغزة وبدأ انتاج الغاز. وفي أواخر كانون الأول 2010 اكتشفت هذه الشركة مع شركة "ديليك درايلنغ" الاسرائيلية حقل "تامار"، الذي يبعد 90 كيلومترًا من ساحل حيفا، وحقل "ليفياتان" الذي يبعد 80 ميلاً من ساحل حيفا في اتجاه المياه القبرصية وقريبًا من المياه اللبنانيّة. ولكنّ الإشكال الكبير يكمن في أنّ هذين الحقلين يقعان ضمن الحدود البحرية للبنان وقبرص. وحتى الآن لم يصل لبنان إلى مناقصة للتنقيب، بل إنّه على خلاف مع إسرائيل حول 850 كيلومترًا، علمًا أنّ مساحة حقل النفط والغاز لا تزال مجهولة. فلم لا يسارع لبنان إلى القيام بدراسات جادة لحلّ المشكلة، وتهيئة الكوادر البشرية المتخصصة عبر فتح قسم البتروكيماويات في كلية الهندسة. ولماذا لا يتم تأهيل مصفاتي الزهراني والتايبلاين؟ فحان الوقت لكي نعمل معًا ونتّخذ قرارًا شجاعًا في هذا الصدّد سيّما مع الظروف الإقليمية الصعبة. وعسى أن يحسن السياسيون الدفاع عن هذه الثروة واستغلالها جيدًا لمصلحة الشعب  والدولة. 

 

      وشرح الدكتور "وليد خدوري" أنّ اكتشاف البترول (نفطا او غازًا) يوفّر فرصاً اقتصادية للدولة المعنية إذ تنخفض نسبة استيراد الطاقة من الخارج وصرف مبالغ طائلة سنويا، ويسمح بنمو صناعة وطنية، كما يقدّم فرصا لدول المصدر لتحسين علاقاتها مع الدول المجاورة او الدول الاجنبية عموما. ولكنّ اكتشاف البترول في مناطق متنازع عليها وغير مرسومة حدودها بوضوح يؤدّي إلى نشوب نزاعات مستدامة. وشرح وضع اكتشاف الغاز في شرق المتوسط وعلاقته بالسياسة والإدارة الرسمية. وذكّر بأنّ "لبنان" يفتقر وزارة نفط وشركات نفطيّة متمرّسة مما يجعل المفاوضات المرتقبة مع شركات النفط، مهندسيها ومحاميها، في غاية الصعوبة والارتباك.

      ومصرهي أوّل دولة على الساحل الشرقي للمتوسط بدأت بالاكتشافات البحرية. بلغ حجم انتاج الغاز 65 مليار متر مكعب في 2010 و2011 والصادرات (عبر الانابيب والغاز المسيل) نحو 21 مليار متر مكعب في 2010  و2011. تختلف مصادر الغاز في مصر: فهناك الغاز الحر من خليج السويس والصحراء الغربية وطبعا من البحر الابيض المتوسط (الذي يشكل 40% من انتاج الغاز المصري). وتصدّر مصر إلى الأردن وإسرائيل. العقد مع الاردن هو لتصدير 2.4 مليار متر مكعب سنويا. عندما توقف الغاز شكلت خسارة الاردن 4.2 مليون دولار يوميا. أمّا العقد مع اسرائيل فهو لتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا لمدة 15 عاما، والسعر النهائي الذي تم الاتفاق عليه هو 4 دولار لكل مليون وحدة بريطانية، وهو نصف معدل السعر العالمي، لذا بعد الثورة في المصر برزت محاولات جدية لتقليص التصدير و/او زيادة الاسعار.

      وبالنسبة لفلسطين، تشير المعلومات أن حجم حقل "غزة مارين" يبلغ نحو 1 تريليون قدم مكعب من الاحتياطي المؤكد للغاز، مما يكفي لتوفير الوقود الملائم لمحطة كهرباء غزة، ويوفر استيراد الوقود من اسرائيل، او حجب الطاقة عن غزة كلما ارتأت اسرائيل ذلك ناهيك عن كلفة استيراد الوقود عبر الشركات الاسرائيلية. ويتضح ايضا، ان مصادر غازية اخرى تتواجد في المياه الفلسطينية إلا أنّ "اسرائيل" تستغلّها بدون مقابل أو اتّفاق.

      ولم تحقق اسرائيل النجاح في محاولاتها للتنقيب عن البترول إلا في بداية القرن الواحد والعشرين، عندما بادرت الشركات الدولية الاستثمار في مياه البحر المحاذية للساحل الاسرائيلي. تطورت صناعة الغاز الاسرائيلية خلال العقد الماضي. فقد تشكلت شراكات عدة ما بين الشركة الاميركية "نوبل اينرجي" ومجموعة من الشركات المحلية بقيادة مجموعة شركات ديليك الاسرائيلية، واكتشفت في المياه الشمالية  بمحاذاة ساحل حيفا وقريبا من المياه اللبنانية حقلين للنفط. ولكن لأسباب استراتيجية واقتصادية، قررت اسرائيل عدم تصدير الغاز قبل ان يتوفر لديها احتياطي يكفي الاستهلاك المحلي 30 – 40 عامًا.

      وفي لبنان، تأخرت عملية الاستثمار البترولي لأسباب عدّة أهمها الانهماك في الصراعات السياسية الداخلية، وعدم تواجد هيئة مهنية متفرغة (ادارة البترول او شركة نفط وطنية)، والخلافات التقليدية في النظام حول العقود والتوظيف. وأمام هذا الواقع تُطرح أسئلة كثيرة: متى سيتعين اعضاء ادارة البترول؟ متى سيتم الاعلان عن دورة المناقصات الاولى؟ كيف ستتم تسوية الحدود البحرية مع قبرص؟ ما هي النتائج السياسية المترتبة على شمول دورة المناقصات المنطقة المختلف عليها في الجنوب او مع قبرص؟

      أمّا الدكتور"جورج نصر" فشددّ على أنّ أهمية النفط تنبع من مكانته كمصدر أساسيّ للطاقة.  وهو يُستخدم بشكل خاص في قطاع النقل. وذكر أنّ دوره تجلى بوضوح في الحرب العالمية الأولى، لتصحّ ملاحظة اللورد كيرزون بأن دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى كانت "تندفع للانتصار على موجة من النفط".وفي العصر الحديث، أصبح النفط عنصرا أساسيا من مزيج الطاقة في العالم وتركّز استخدامه في قطاع النّقل إلا أنّه يُهدر في معظم بلدان العالم، وزحمة لبنان الخانقة خير دليل على ذلك. يرتفع بشكل ملحوظ الطلب على النفط إلا أنّ العرض يتضاءل يوما بعد يوم، وأمام هذا الواقع نرى توجهين مختلفين: أولهما توقع"هيوبرت"Hubert  المعروف بنبوءة ذروة البترول. والثاني أنّ استهلاك النفط يتزايد باستمرار بينما الإنتاج يبارح مكانه. ويتعارض هذان الواقعان مع توقعات منظمة "أوبك" أن احتياطات النفط ثابتة وتكفي الحاجة على الرغم من ارتفاع الطلب. وفي هذا السياق يكتسب النفط والغاز في لبنان أهمية كبرى؛ ففي عالم تتضاءل فيه الموارد حتى النسب الهامشية تفيد.  ويمكن للبنان الاستفادة من التقدم المحرز في تكنولوجيا الحفر على الرغم من تأخره، ما سيفتح آفاق جديدة ولكن لن تتحقق الخطوة التالية إلا بقرار سياسي. فليست المشكلة في لبنان تقنية بل سياسية  تنظيمية. فإذا توفرت الإرادة والرؤية سنجد الطريقة لتحقيق أهدافنا النفطية.