كرّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" المطران "غريغوار حداد "

 قدّم التّكريم: الدكتور "شبيب دياب"

 أدار اللقاء:  الدكتور عصام خليفة

أبرز الدكتور "عصام خليفة" القيم التي دفعت "الحركة الثقافية-أنطلياس" إلى تكريم المطران "غريغوار حداد" كعلم ثقافة في المهرجان اللبناني للكتاب.  فهذه الالتفاتة هي عربون تقدير للذي حثّ المجتمع على تجديد قراءة النص الديني. فالدين رهن الحضارة والثقافة واللغة التي ينشأ فيها. ولهذا فالمؤمن لا يعيد النظر بايمانه، بل بمحتويات الدين الذي يجسد هذا الايمان. وتكون اعادة قراءة الكتب المقدسة على ضوء المقياسين النظري من قِبل اللاهوتيين وعلماء الكتاب والعمليّ من قِبل كل مؤمن ليكتشف أكثر فأكثر المسيح المحور الأول لحياته. ويدعو المطران الى لاهوت التحرر والتحرير في لبنان والعالم العربي، وإلى التفريق بين الكنيسة والتطبيق التاريخي للمسيحية من جهة، والإيمان والممارسة الثقافية للعقائد من جهة ثانية. وينادي بتحرير المسيحية من خلال إعادة النظر في كل المنظومة اللاهوتية الساعية إلى تحرير الانسان. لم يكن طرح المطران حداد طرحاً ثيولوجياً نظرياً، إذ أنّ الخلاصات العملية التي توصل اليها، ارتبطت بتوجهات تكيفت مع حاجات الكنائس المسيحية في لبنان وفي الشرق عمومًا. وأضاف الدكتور "خليفة " أنّ العَلم المكرّم دافع طوال حياته عن العلمانية المؤمنة الشاملة المحايدة كحل لمعضلات تخلفنا، وكتب في هذا الموضوع وحاضر على امتداد حياته. وهو يلتمس أنّ الدمج بين "الحياة المعيشة" و"الحياة المسيحية" هو أصل التباسات كثيرة ومواقف ليست من روح المسيح بشيء. فضلاّ عن ذلك يدافع "غريغوار حداد" عن الاسلام بقدر دفاعه عن المسيحية. ويجزم بثقة العارف بأنّ الاسلام، ككل الأديان، قابل للتطور. ويعتبر أنّ العلمانية تتحقق عبر خلق نموذج مدرسة يكون واحداً على صعيد الأمة وبمتناول جميع الفئات الاجتماعية بالتساوي، وتبني الزواج المدني لكي يأخذ سر الزواج الديني معناه الكامل فيصبح بادرة ايمان خاصة بالمؤمنين الحقيقيين. وأكثر من مرّة، ناشد المطران الناس بالوقوف الى جانب المحرومين في الجسم الاجتماعي، وبتحرر الكنيسة من الاراضي التي تملكها باستصلاحها  لمصلحة المحتاجين. وأردف الدكتور "خليفة" أنّ المكرّم لم يطرح أفكاره من وراء مكتبه المترف، بل قاد بنفسه العمل الاجتماعي والانمائي، وواجه تيارات العنف في حروب 1975-1990. قال إنّ أمامنا مهمّة شائقة: علينا ألا ننقسم على بعضنا بعضًا وأن نحمل القيم الاجتماعية ونعي أن حدود جميع الأوطان هي إصطناعيّة، وأن نكون متواضعين نخدم الآخرين بمحبّة.  وختم كلمته قائلاً إنّ الجميع أحبّ المطران "الأحمر" واحترمه. كلنا قرأنا "آفاقه" ومقالاته، ونظّمنا التحركات الميدانية مع "حركته الاجتماعية" قبل الحروب العبثية وخلالها وبعدها. واذا كان هناك كلام، اليوم، على مستقبل العالم العربي، ومشرقه بوجه خاص، في ظل التحركات الشعبية المندلعة هنا وهناك، فإنّ الحل المستقبلي يكون باعتناق أفكار المطران الاصلاحية.

وكانت كلمة تقديم المطران للدكتور "شبيب دياب"، الذي قال إنّ هذا الراهب الفيلسوف حاول الدمج بين معتقداته المسيحية ونظرية التطور التي وضع داروين خطوطها العامة. وهو قد تشبّع بنظرية "بيير تِيّار دي شاردان" الباحث في قدم الإنسان وتطوّره المستمرّ نحو الروحانيّة الخالصة، وبنظريّة "ثيولوجيا التحرير" التي تحثّ على العمل الاجتماعي في كنف الكنيسة لمساعدة الفقراء. وقد أسس "الحركة الاجتماعيّة" التي نشرت مراكزها الأربعة عشر في القرى والأحياء الفقيرة من المدن مقدّمة الخدمات الصحية والاجتماعية عند الحاجة، وشكّلت نموذجًا للجمعيات الأهلية غير الطائفية في "لبنان". إلى ذلك، أضاف إليها "الحركة الاجتماعية للسكن" التي أمّنت المسكن لأكثر من مئة عائلة. وأقام "هيئة إنماء قضاء عاليه" التي ساعدت بلدات القضاء السبعين، فضلاً عن هيئات تنسيقية لصيفيات ورياض الأطفال والمؤسسات لخدمة المسنين وذوي الحاجات الخاصة. ولم يغب عن باله أن يهتمّ باللغة والكتابة، فألّف كتباً وأبحاثًا قدّم فيها طروحاته وأفكاره.

  وتساءل الدكتور "شبيب دياب" كيف ينادي مطران بالعلمانية؟ فهذا أمر أثار الاستغراب عند الكثيرين. ولكنّ العلمانية ليست حرباً على رجال الدين، وليست تحريراً للمجتمع من الله والدين كما يقول بعضهم، بل هي الوسيلة الفضلى لتحرير الدين من الشوائب التي ألحقها به الإنسان، والطائفية خير مثال على ذلك. وتحمل العلمانية ككل المفاهيم وجهة نظر، وسيادته يتبناها في نظرته الشاملة للعالم والوجود، وهي تقوم على الاستقلالية التامة بين العالم الذي نعيش فيه بكل مقوماته وأبعاده وقيمه وبين عالم الدين ومقوماته وقيمه.

     وختامًا، قال إنّنا جميعًا نتحلّق اليوم لتكريم إنسان نذر نفسه لخدمة الانسان، هذا المؤمن الذي قضى حياته ساعيًا لتحقيق غاية المسيح بوجهيها: الله والانسان، والذي جمع حوله المحبين، وحمل بذلك دومًا رسالة المحبة بين بني البشر.

وتليت شهادات بالمحتفى به على لسان كلّ من د. "كامل مهنا"، و"د. بشارة صارجي"، ود. "أنيس مسلّم" والأب "د. ميشال سبع"، والأستاذ "موريس نهرا"ود. "جيروم شاهين" ود. "هدى رزق"...

وفي الختام قدّم أمين عام الحركة، الأستاذ "جورج أبي صالح" شعار الحركة إلى المحتفى به ونسخة عن "النصّ الأصليّ لعاميّة أنطلياس الشهيرة، عاميّة 1840.