أقامت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس"  لقاء وقراءات شعرية حول كتاب "بسّام حجّار" المترجم إلى الفرنسية بعنوان: Tu me survivrasشارك فيه الشاعر "عبّاس بيضون" والروائي "حسن داوود" والأستاذ "ألكسندر نجار" و"نتالي بونتان" مترجمة الكتاب وأداره الأستاذ "يوسف بزّي".

أدار الأستاذ"يوسف بزّي" اللقاء مقتبسًا من "بسام حجار" أن الكتابة هي إخفاق الإنسان في رغبته ألا يترك أثرا. لذلك نجدنا جميعا أمام مفارقة دائمة: فمن ناحية نتوسل الكتابة لنبعثر ذواتنا بحيث لا نترك أثراً، في الوقت الذي تكون فيه الكتابة هي الأثر الأشد وقعاً".

 وأعطى الكلمة الأولى في الشاعر الغائب لصديقه الشاعر "عباس بيضون الذي قال إنّ العالم اليوم يفتقد هذا الشاعر. فقد توفي "بسام حجار". وللحال شعر الجميع بأنّ شاعراً مهماً غاب. ويبدو أن وقتًا طويلاً سيمرّ قبل أن يحظى الشعر العربي بشاعر له فرادته. فبسّام الذي خاطب باب حجرته، حبس العالم فيها. ولخّص الحياة في عناصر قليلة تأخذ حضوراً أيقونياً. ففي قصيدته، لم يكن يتبع أيّ نموذج. فهي تتألف وفق قوله من 50 كلمة. فالكلام أقلّ من موضوعه، أنّه نوع من مسكن طبيعي لما هو في الأصل رعب. فهو يسند إلى الكلمات الخمسين هذه أثقالاً بلا حدود. وحملت نصوصه الأخيرة استشرافه المبكر لموته. وجعل بذلك الموت أليفاً كأنّه كلمة، حتى كأنّه بالكلمة يخرجه من نفسه أو يتمرّن عليه. وناضل "بسّام حجار" في صفوف اليسار الشيوعي" إلى أن خرج منه. إلاّ أنّه لم يتعرّض في شعره لنضاله السياسي أو غرامياته أو قراءاته، بل تحدث عن موضوعين، ألا وهما: البيت والوفيّات العائليّة، البيت العامر بحيطانه وأبوابه وأغراضه، والبيت الأول الذي تتناقص الحياة فيه. فكما لو أنّ الموضوعين وجهان لعملة واحدة. كان نصّه حواريًا وكأنّه نسيج من الأسئلة أو التساؤلات، كنوع من المونولوج الداخلي. وشاء أن يصنع بالكتابة جسورًا بينه وبين نفسه، وبينه وبين أحيانه. فجعل كلمة البيت كلمة توازي "الحقيقة" أو "الأصالة" وبلغة  هيديغرية تساوي "الكينونة".

    أمّا مترجمة الكتاب ""نتالي بونتان" فأشارتإلى العلاقة الفريدة التي تجمع المترجم والنصّ، وإلى صعوبة ترجمة مترجم. فكيف بالأحرى أذا كان هذا المترجم "بسّام حجّار"؟ ويكتسب العمل صعوبة إضافية لانّ المرء يجب أن يأخذ بعين الإعتبار الكلمة ووقعها والصورة والصوت والإيقاع. وشعرت المترجمة التي بدأت عملها بعد موت الأديب، أنّها أمام نصّ مزدوج الهويّة، كما لو انّ صاحبه يفكّر ويكتب بالفرنسية. وتعجّ كتاباته بالازدواجية بين الغياب والحضور، والانجيل والقرآن، والطبيعة والمدينة. وفي قصائده، سواء كانت من أبيات حرّة أو نثرية، تتكرّر مواضيع عدة ألا وهي الموت والطيف والغريب واللمسة والمنزل والعائلة.

       وتناول  "حسن داوود" علاقة الصداقة التي تربطه بالراحل "بسام حجار"، فهما عملا معًا وسافرا معًا إلى قبرص. وتلا نصًا بعنوان "مروان" (أيّ بسّام) يتحدّث فيها عن تجربة الصديقين في بلاد الغربة ، ويتذكّر فترات البرد القارص، وعن فتور علاقتهما هناك لفترة لأنّ كلّ منهما لم يستطع أن يغيّر تقاليده وعاداته: " كان علي أن أقبل ابتعاده الذي يجعله رجلا آخر، وبعد سنة أسترجع سيرة تغيره ملمحًا وأعين المرحلة الوسطى بين هيئته القديمة والجديدة، نظرته وعينيه لم تعودا قادرتين على الانتباه لما أقوله".

أمّا الشاعر "ألكسندر نجار"، فاعتبر أنّ "بسام حجّار" لم يمت، لأنّ القصائد تحافظ على روح الشاعر حيّة، فبالقصيدة تكون قيامة الشاعر. ولا سلطان للموت إلا على المظاهر، وفقًا لألبير كامو. فظاهريًا رحل "بسام حجار"، ولكنّه بالحقيقة لم يغب، لأنّ عبقريته حيّة في قصائده. وتعرّف "نجّار" إلى "بسام حجّار" للمرة الأولى عندما ترجم هذا الأخير كتابه "دروب الهجرة" إلى اللغة العربية بسرعة فائقة، وعرفه أيضًا شاعراً وصحفياً. واعتبره من أبرز شعراء الحداثة العرب. وكان عندما يلتقيه، يلمس فيه حاجته نشر قصائده باكرًا كما لو أنّه يحضّر لموته مثلما يحضّر المرء حقيبته لسفر طويل. وفي قلبه غصّة ختم كلامه مؤكداً أن الشاعر خالد!

    وقرأ الأستاذ "يوسف بزّي" مداخلةمكتوبة أرسلها الدكتور "عقل العويط" الذي لم يستطع الحضور، وجاء فيها: أمس صدر كتاب لك، يا "بسّام، هو خلاصة ترجمات شائقة يوحي أنك تخاطب أحدا أو شيئًا، وأن هذا الظل باق بعدك. هذا ليس صحيحًا البتة، ليس لأنك لم تغادر بدون عودة، فقد غادرت إلى الموت. ذهبت بدون رجعة، هذا صحيح، لكنّك كنت غائبًا، فبالكاد كنا نسمع صوتك.  كان وجودك امّحاءً بشريا أليفا، شأنك شأن امحائك إذ كنت غائبًا إلى حد الالتقاء بالبقاء الأمثل. أنت بين الندرة الذين يتحد كيانهم الوجوديّ بالشاعري اتحادًا يجعلك غائبا وحاضرا. أسمح لنفسي أن أقول كأنك لم تمت ولا بد أن نراك. فحياتك هي صون الغياب الأمثل وشعرك هو صون الحضور الأمثل فكيف نجد تعليلا منطقيا لما يقوله كتابك عن البعد. مرة أخرى أسمح لنفسي أن أقول إنك مخطئ، وأقترح عنوانا آخر لديوانك ألا وهو: "ستحيا من بعدنا" Tu nous survivras.

وتلت قراءات شعرية من ديوانه "سوف تحيا من بعدي" Tu me survivrasباللغتين العربية والفرنسية.