أقامت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس"  ندوة لاعادة إطلاق المجلة القضائية "المنشورات الحقوقية- صادر" شارك فيها القاضي "غالب غانم" والأستاذ "أندره قصاص" بالنيابة عن معالي الوزير "وليد الداعوق" ونقيب المحامين الأستاذ "نهاد جبر" ونقيب الطباعة الأستاذ "جوزف صادر"، وأدارها الدكتور "أنطوان سيف".      

ذكر الدكتور "أنطوان سيف" أنّ "يوسف ابراهيم صادر" أسس المجلة القضائيّة العام 1921، أولى المجلات الحقوقية في العالم العربي، التي  استمرّت مع نجله "أديب" إلى أن عطّلتها سنوات الحرب. ولكن ها هي تعود اليوم شهريًا، إلى الانطلاق من جديد بعد تسعين عامًا على إنطلاقتها الأولى على يد حفيد مؤسسها، النقيب "جوزف أديب صادر". وهذه الانطلاقة التي تحتفي بها "الحركة الثقافية-انطلياس" في هذه الندوة تصادف عشية ذكرى اليوبيل المئة والخمسين لتأسيس دار "صادر ناشرون"، هذه الدار التي أطلقت مكتبة الكترونية حقوقية بالتعاون مع نقابة المحامين ونقابة المهندسين. وأمل الدكتور "سيف" بأن تكون هذه "المجلة القضائية" العائدة بحلّتها الأنيقة المعاصرة إشارة لمستقبل أكثر إشراقًا ينعقد، كما فعل دومًا، على الثقافة المتحررة والمحررة في إطارها الديمقراطي التي هي وحدها لا تخطئ ربيعها.

      وألقى السيد "أندره قصاص" كلمة معالي وزير الإعلام الأستاذ "وليد الداعوق"، وجاء فيها أنّ الوزير يؤثر صفة "رجل قانون" على "وزير". وانطلاقًا من كونه محامياً، كانت منشورات صادر الحقوقية رفيقته الدائمة في تحصيله الجامعي وخلال مزاولته مهنة المحاماة، فهي المرجع الدائم لكلّ من يتعاطى الشأن القانوني والإداري. وشدّد أن إرث عائلة "صادر" انتقل من جيل إلى آخر، وأنّ انجازات العائلة لم تعد حكرًا على "آل صادر"، بل أصبحت جزءًا من أسس الوطن ودعائمه تماماً كالمتحف الوطني. ودعا في المناسبة الجميع إلى إعطاء المجلات التخصصية المجال الواسع وناشد كليات الإعلام إلى تشجيع التخصصات الحصرية في المجال العلمي والاقتصادي والتربوي والثقافي لا السياسي فقط. وغرف في تجربته في سدة وزارة الإعلام ليستنتج أنّ القضاء والإعلام وجهان لعملة واحدة تتكامل أدوارهما، فالقضاء يُشهر في وجه المخالفين سلاح القانون والإعلام هو بمثابة العين للقانون. ولا تتحقق الديمقراطية، إلا بتعاون مثمر بين الإعلام والقضاء. وذكّر بمشروع القانون الذي تقدّمت به الحكومة إلى مجلس النواب لتوسيع مروحة التعاون بين الجهاز القضائي والجسم الإعلامي. وختم كلمته داعيًا المعنيين في وزارتي العدل والإعلام ونقابتي المحامين في بيروت وطرابلس ونقابتي الصحافة والمحررين إلى تنظيم ندوات مشتركة لتعزيز أواصر التعاون والتقدم.

        أمّا نقيب المحامين الأستاذ"نهاد جبر" فاعتبر أنّالمجلة القضائيّة في إنطلاقتها بقعة ضوء أنارت العدل وأرسته ميزانًا، فأقبل عليها رجال القانون ويروون ظمأهم منها، مرجعاً سهّل عليهم معرفة ما يصدر من قوانين وقرارات وما يبحث من شؤون قضائيّة وما ينشر في أحكام في الجرائد، أتبعت بتعليقات من الناشر وقد كان قاضيًا. واعتبر أنّ أهل القانون تلقّفوا المجلّة منذ نشأتها، وحاموا على أوراقها كالنحل على ورق الزهر وانتقى منها المحامون ما يعزّز قضاياهم وخلص إليها القضاة في أحكامهم لإقامة عدلهم. وختم كلمته بقول للأديب مخايل نعيمه "عندما تصبح المكتبة في البيت، ضرورة، كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ، عندئذ يمكن القول بأننا أصبحنا قومًا متحضّرين."

       مباركة كانت الساعة التي جمعت القاضي "غالب غانم" بالأستاذ "جوزف صادر"، كما قال، أحد الساهرين اليقظين على ثروات لبنان الفكرية في ضفتيها القانونيّة والأدبيّة. ففي الوقت الذي عاث الفساد في المجتمع، وعُبث بالقانون ودولة القانون، بقيت كوكبة مشدودة إلى ترابات لبنان البهيّ، ومقابل كل رصاص كانت تطلق مبادرة.  وذكر القاضي "غانم" أنّه تعرّف إلى صاحب دار صادر عندما أراد وصديقه الرئيس "سرياني" نشر موسوعة حول قوانين التنفيذ في لبنان. وبعد ابرام عقد يلزم الطرفين، قال لهما صاحب الدار "ستنسون بعد التعامل أنّ ثمة ميثاقًا مكتوباً بيننا. وستكون العبرة للكلمة التي يلتزم بها الرجل، وبعد العقد الأول نشرت مطبوعات كثيرة بلا شروط ولا عقود.  واعتبر أنّ النهضة بدأت مع جدّ الجدّ، ابراهيم، الذي تدرّج من"البسطة" إلى المكتبة ، وأب الجدّ، يوسف، الذي عزّز الكتاب القانوني وأطلق "المجلة القضائية" في نهضتها الأولى، والجدّ "أديب" الذي تبوأ الصدارة في فنّ الطباعة الراقي، والأب "جوزف" وغدًا الأحفاد سيظلّون من ناشري المعرفة. واعتبر أنّ الأوقات الصعبة التي يمرّ بها القضاء بسب تدخل رجال السياسة لن تتحسّن إلا إذا تلاقت إرادة داخلية قضائية وإرادة خارجية تعكس دور المجتمع المدني وأركانه. ومجلّة كهذه ستكون شريكًا أساسيًا في نشر ثقافة الاستقلال وتحصين القضاء.

         وتحدّث النقيب "جوزف صادر" عن جدّة العائلة، تلك "العجوز" التي تقبع في إحدى زوايا مكتبهم العتيق، منذ واحد وتسعين عامًا قال لها جدّه "يوسف صادر": "لا تغادري هذا المكان فأنت أمانة بيد ولدي أديب وغدًا يأتيك من بعده ويأخذونك بيدك إلى حيث أريد ويريدون". وهو جاء إلى الندوة اليوم ليقيم عرسًا لعروسة جدّه التي ضمّت بين ذراعيها مراسيم واجتهادات وأحكاماً ودراسات قانونيّة. وعرض لسيرة جدّه "يوسف ابراهيم يوسف صادر" الذي ولد في العام 1870 الذي درس الحقوق في كلية الآباء اليسوعيين وعمل قاضيًا لأربع سنوات وكان عضواً في مجلس إدارة مدينة "بيروت" لمدّة عشر سنوات ورئيس الجمعية الخيرية المارونية متأهّل من أدال فارس الريحاني وكانت عائلته مكوّنة من "أديب" و"أنيس" و"فؤاد" و"منى". وفي العام 1890 أنشأ المطبعة العلمية ونشر مؤلّفات "أمين الريحاني" العام 1910 وغيرها من المنشورات. وولدت المجلة القضائية سنة 1921 وضمّت الكثير من حقوقيين وقضاة ومحامين. وقلّد صاحبها وسام الاستحقاق اللبنانيّ المذهب ووسام الاستحقاق السوري. وخلص إلى أنّ المجلة بحلّتها الجديدة ستعنى بمواضيع كثيرة، وهي صحيفة قانونية، ومتخصصة، وانتقادية، ولبنانية وعربية، فبالكلمة وحدها تعيش المجتمعات وتبقى الأوطان.

وترك المنبر لنجله المحامي "راني صادر" ليتكلّم على تقنيات إعداد المجلة وأهدافها وغاياتها المعرفية والوطنية على حد سواء. فقال إنّ "المجلة القضائية" الجديدة يمكن أن تكون ممكنة باستعمال الهواتف النقالة والوسائل الالكترونية خاصة لناحية تبويب الموضوعات والمصطلحات، ودعا المؤلّفين من قضاة ومحامين وأساتذة وطلاب إلى المشاركة في هذه المجلة. وشكر بدوره الفريق الذي جعل تحقيق هذه المجلة أمرًا ممكنًا.