كرّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس الدكتورعبد الرؤوف سنو"

قدّم التّكريم: الدكتور جوزف لبكي

أدار اللقاء: الدكتور أنطوان سيف


       رحّب مدير الندوة، الدكتور "أنطوان سيف" بالمشاركين في تكريم الدكتور "عبد الرؤوف سنّو الذي انعطف باتجاهِ تخصّصي نادر وغير منمّط، صوب المانيا في دراساته العليا أولاً في جامعة كاسل ومن ثم للدكتوراه في جامعة برلين الحرّة. وغدا سنّو مندوباً غير معلن بهذه الصفة الرسمية في تجسير العلائق بين المانيا من جهة وكل من السياسة العثمانية والعربية، والاسلام، والشرق عموماً على خلفية الفرضيّة، التي باتت على طول المراس والمعالجة قيمة حداثوية، هي التسامح الديني الذي على ضوئه أيضاً قرأ الفتوحات العربية القديمة، وانسلّ منه، كما تقتضي طبيعة الأمور، الى  حوار الحضارات في هذا الجانب المخصص منها الذي سكب فيه وباللغات الثلاث الالمانية والعربية والانكليزية مختلف مقارباته التأريخية التي تتأطر على الخصوص ضمن دائرة القرنين الأخيرين. والتعليم هو مهنة المؤرخ، فبعد أن عايش إرث المدارس الكبرى عاد الى وطنه لينخرط في همومه التعليمية والبحثية والحوارية، ويقدم نماذج ومقاربات فيها الكثير من اعادة النظر وبخاصة اعادة التثمين على ضوء القيم الحديثة، محاضراً، محاوراً، باحثاً، منسقاً لمناهج جديدة مراقباً دولياً (للانتخابات وديمقراطيتها في المانيا لا في لبنان) ومستشاراً تربوياً... يندرج سنّو في عداد مؤرخي المرحلة الثانية أو الطابق الثاني من الطوابق الثلاثة، وفقًا لبروديل، أي تاريخ الدول وتاريخ الجماعات والمجموعات... وفضلاً عن ذلك هو الزوج والأب الحنون على عائلته.

   

    قدّم الكتور "جوزف لبكي" المكرّم قائلا إنّه ينتمي إلى عائلةأخصبتْ صلاحًا وضميرًا وذمةً وصدقًا واستقامة تعامُل اغتذى منها ونما. توزّعَت قطوفه التاريخيّة على مجموعة من الكتبِ (ثمانية) والبحوث والمقالات والدراسات، يمكنُ تصوّرُها بمواضيعَ ستة تناولت ألمانيا: قوّميتها وتجليّاتها الوحدوية فكرًا واقتصادًا، والعرب وقضية فلسطين والصراع العربي الاسرائيلي والدولة العثمانية والعرب والدولة العثمانية وروسيا والتعايش الإسلامي المسيحي ولبنان الحديث والمعاصر ومسألة النظام الطائفي فيه وتعايشه. واعتبر أنّ "سنّو" حملَ ألويةً من المبادىء الضروريةِ لمعالجة مشاكل لبنان، فكان صريحًا وجريئًا، وباحثاً عن الحقّ والحقيقة، فلا التفاف ولا مُحاباةَ، مقتنعاً أن لبنان قد تضاءلت مساحتُه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ووقع تحت سيادةِ الذئاب والأغراب، فانقسَم واقتتلَ أبناؤه، واستُبيحَ، وعمّ الطَرَشُ المُتبادل، فدَعى إلى الانفتاح والتلاقي الأصيل في ظل دولة عادلة قادرةٍ وقويّة، فبدا كأنّه طبيبٌ متخصصٌ بأمراضِ المجتمع اللبناني والعربي، وأنّ التاريخَ عِندَهُ، وإن كان مبدئياً عِلم الماضي، فهو عِلمُ التغييرِ والتحوّلِ والتطوّرِ والتمدُّنِ والتعاونِ والاستشراف والتحديث، من دون تلوّنٍ ومُمالأة.

وتابع قائلاً إنّ الدكتور "عبد الرؤوف سنّو" احترم سقفَ المنهج التاريخي وضوابطَهُ، باحثاً منقباً في دور المحفوظات والمؤسسات العلمية، الغربية والعربية، عن وثائقَ وكنوزٍ علمية، ومخبآت، عمّقت معرفتَهُ وطوّرت ثقافتَهُ، فزادَ تدقيقاً في المجريات والأحداث. طرحَ الاشكالياتِ والفرضياتِ، ووضعَ ابحاثهُ في اطارِها الجغرافي والسياسي والتاريخي، واعتبرَ أنّ الأسبابَ لا تفترضُ مسبقاً كمُسلمات. تميّز أسلوبه  في براعةِ الاستهلال، وسهولةِ التعبيرِ على فصاحة وبلاغة، وانسياقِ معنى، ما أكسبَ مؤلفاتِهِ رواجاً واستحساناً في الأوساط الفكرية والثقافية والسياسية الراقية، ولغته سلسة واضحة. ورأى أنّ الدكتور "سنّو" من رجالات النُخبة، كُرّمَ بعضوية الهيئة الاستشارية للمعهد الألماني للأبحاثِ الشرقية في "بيروت" وبنيلِ وسام الاستحقاق الألماني من رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية، وبالحصولِ على جائزة الشيخ زايد عن كتابه "حرب لبنان" (1808 صفحات استغرق إعداده 12 عامًا)، وشارك في تعديل مناهج التاريخ في جميع المراحل التعليمية في وزارة التربية وفي كليّة الآداب- الجامعة اللبنانية. وكان من خيرة العمداء في الجامعة اللبنانيّة حين تسلّم عمادة كلية التربية فيها. وخلص قائلاً إنّه بحقّ من مفاخرنا العلمية في لبنان وألمانيا والمشرق.

        استهل المكرّم الدكتور "عبد الرؤوف سنّو" كلمتهشاكرًا"الحركة الثقافية-أنطلياس" على تكريمها. وتحدّث عن الحاجة الملحة أن تكون الوطنية قدوة للبنانيين وصفة حقيقية لحياتهم المجتمعية والسياسية. وقال "نحن نخرج من حرب وندخل في أخرى، لأننا نفتقد الوطنية. فكل جيل يتوقع أن يكون مستقبل أبنائه أفضل من حاضره، فتأتي الأجيال الجديدة لترث صراعات أشد ألمًا ودمارًا ، بحيث أدمنا الصراعات التي أصبحت جزءًا من حياتنا، واية حياة هذه؟ فإذا كنا نريد وطنًا لنأكل ونشرب فيه، فلبنان أحسن مكان لذلك. أما إذا كنا نريد وطن الكرامة والتعايش والتفاعل، نتنفس فيه الحرية، فهذا لن يأتي هبة من الله. فعلينا أن نتضافر جميعًا من أجل ذلك.

وسأل "سنو" عن إرادة اللبنانيين، الذين يدعون أنهم الأكثر ثقافة وعلمًا في محيطهم، فيما هم غارقون في مرض الطائفية والمذهبية المستفحل وعذا السبب إلى أنّ اللبنانيين لا يتربون على الوطنية ولا يربون أولادهم عليها، وأن الدولة والمجتمع مسؤولان عن ذلك وقال إن كتاب التاريخ الموحد، المثير للجدل والنزاع، هو المؤشر لحال الطائفية المجتمعية والمذهبية. فلا تاريخ موحد للبنان بالتسوية أو بالتراضي أو بالمقايضة، ولا باحتكار المقاومة والنضال، ولا بإبراز طائفة على حساب أخرى. التاريخ يكتب كما هو سلبًا وإيجابيًا، وعلى كل اللبنانيين أن يجدوا أنفسهم في كتاب التاريخ، كمواطنين لا كطوائف، وإلا كيف نتعلم من التاريخ؟

وطالب "سنو" بالدولة المدنية، التي تقارب بين أبناء الشعب، فيشعر كل فرد منهم أنه متساو مع "الآخر" ويتمتع بالحقوق والواجبات نفسها، ومنتفع مثله بثروات البلد، ولا يشكل الواحد تهديدًا للآخر. ورأى أن الدولة المدنية تؤدي إلى انبثاق وحدة مجتمعية، ووحدة بين المواطن والدولة. ونفى "سنّو" أن تكون الدولة المدنية ضد الدين، إذ تتعاطى مع شعبها على أساس المواطنة، فيما يمكن لشعبها أن يمارس شعائره الدينية أو لا يمارسها، وله الحق في أن يطرح أفكاره بحرية. واعتبر أن الدولة المدنية هي التي تحمي لبنان من الداخل، وتصونه من مؤامرات الخارج عليه.

وختم سنّو أنه يدرك شعور الخوف المحق عند بعض الطوائف على حاضرها ومستقبلها، وحذر من الإنجرار إلى لغة الأرقام والأعداد، لأن حضور أية طائفة في لبنان يقاس بالانجازات الحضارية لا بالأعداد.

        وتلت شهادات بالمحتفى به على لسان كلّ من: العميد الدكتور أحمد حطيط، واللواء الركن ياسين سويد، والبروفيسور شتيفان ليدر، والدكتور أنطوان الحكيّم، والدكتور الياس القطار، والدكتور نادر سراج، والدكتور عبد الله الملاح،  والسيدة ندى الحسن، والعميد جوزيف أبو نهرا، والدكتور أنطوان ضومط،  وابنة المكرّم السيدة سمر سنّو، والدكتور عصام خليفة.

      وفي الختام قدّم أمين عام الحركة، الأستاذ "جورج أبي صالح" شعار الحركة إلى المحتفى به ونسخة عن النصّ الأصليّ لعاميّة أنطلياس الشهيرة، عاميّة 1840.