نظّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة حول المطران "سليم غزال" في الذكرى الأولى لغيابه، شارك فيها المطران "عصام درويش" والدكتور "أسامة سعد" والأب الدكتور "أنطوان ضو" والأستاذ "إميل اسكندر"، أدارها الدكتور ناصيف قزّي.

  

      أدار الدكتور "ناصيف قزّي" الندوة حول المطران "سليم غزال" رجلَ الحوار وداعيةَ السلام والراعي الصالح، النائب البطريركي السابق لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك، والمؤسس والمرشد العام لعدد من الحركات الرسوليَّة في لبنان، وأبرزها "حركة الشبيبة الطالبة المسيحيَّة" J.E.C.العام 1963، قبيل الذكرى الأولى لغيابه. فقد نذر هذا الرسول المتجول في رعايا صيدا ومنطقتها، القادم من بلدة مشغرة البقاعيَّة،  نفسه لأجل وحدة لبنان وانصهار بنيه، مع النذور عينها التي سيم لها كاهناً العام 1958. شغل المطران "سليم" مراكز عدة، كان أبرزها ترؤسه "للجنة الأسقفيَّة للحوار المسيحي الإسلامي في لبنان". واشترك في البعثة الدولية من أجل السلام في رواندا بعد المجازر العرقية بين الهوتو والتوتسي عام 1994. واعتبر الدكتور "ناصيف" شهادته أنّ المطران "سليم غزال" هو إبن الرجاء... و"الرجاء في قلب العاصفة" خلاص... نسترشد به في الملمات... لعله يبقى، مع أمثاله في هذا الوطن الجريح، كما كان دائماً، بوصلة المسيحيَّة والإسلام على السواء. وترك الكلام للمطران "عصام درويش" رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيّين الكاثوليك، وللدكتور "أسامة سعد"، رئيس التنظيم الناصري الشعبي، وللأب "أنطوان ضو"، أمين سر اللجنة الأسقفيَّة للحوار المسيحي الإسلامي منذ تأسيسها عام 1992 وللأستاذ إميل اسكندر، رئيس حلقة التنمية والحوار.

 

        لفت المطران"عصام درويش" أنّ المطران "سليم غزال" هو بالنسبة له أخ وصديق ومسيرته معه تحفل بالأحداث، فهو ينتمي لنهجه وفكره وكان يعود إليه مرارًا ليملأ قلبه من زيت محبّته ودفء قداسته. وينطبق عليه قول الرب يسوع :"طوبى للساعين إلى السلام، فإنّهم أبناء الله يدعون". ينتمي الأب "سليم" إلى المؤسّسة المخلصية العريقة وكان واحدًا من مؤسسيها والمشرفين عليها، فقد تعرّضت أثناء الحرب الأهليّة إلى دمار وتخريب وتهجير على الرغم من أعمالها الإنسانية والاجتماعية التي يشهد لها جميع اللبنانيين ولاسيّما كل أبناء الجنوب والشوف. فحاول الأب "سليم" أن يعيد ترميم ما تهدّم من دار العناية وإعادة رهبان المخلّص إلى ديرهم التاريخي بعد أن هجّروا منه أثناء ما سمي بحرب الجبل المشؤومة. فقد كان يهوى ترميم الحجر ويحثّ الإكليركيين الصغار والكبار على مساعدته في إعادة بناء الدير. وكان تعامله مع الناس مبنيًا على المحبة والتواضع، منفتحًا للحوار، مستعدًا للإصغاء. والإصغاء هو الأساس المتين للحوار، إذ بدونه لا حوار بل جدل عقيم، لذا انكبّ المطران "سليم" على تأسيس حلقة حوار وتنمية، جمعت نخبة من المسيحيين والمسلمين. واقتبس المطران درويش كلام المطران "حبيب باشا" بالمطران "غزال" :"إنّه رجل البناء المادي ورائد الحوار المسيحي الاسلامي في الجنوب، وبطل من أبطال السلم في خضمّ الحرب، والتنمية في غمرة زمن التهديم والتهجير."

 

أمّا الأب الدكتور"أنطوان ضو" فذكر أنّ المطران "غزال" نشأ في مشغرة، وفي عائلة منفتحة تؤمن بالمواطنة وتعمل بالروح المدنية. دخل الرهبنة المخلصية في دير المخلص، دير الحضور والاشعاع الذي لعب دورًا تاريخيًا كبيرًا في تعزيز التآخي بين المسيحيين والمسلمين والموحّدين الدروز. وعمل مع المسيحيين والسنة والشيعة والموحّدين الدروز فأثرى في أختباره، ووسّع رؤاه، وعمّق محبّته للجميع.

بدأ نشاطه الرسولي في صيدا والجنوب، وبقي هناك حتى مماته. ونادرًا ما يقضي الرهبان حياتهم في منطقة معيّنة بل يتبّدلون. هو كان الاستثناء، وقد ساعده هذا الوجود الدائم على الثبات في العمل والنجاح والتعّمق في فّن الحوار. كرّس حياته لخدمة العيش معًا بايمانه وحضوره ورسالته ومحبّته، إنطلاقًا من تكرّسه للتعليم والتدبير والتقديس، وبنيان ثقافة المحبّة التي تشمل الجميع، أي محبّة المسيحيين والمسلمين معًا، من أجل تحقيق الاخوّة والمواطنة في لبنان الواحد، وفي الامة العربية الواحدة. وقال كان مجــال عمله الخدمــة الاجتماعية مع " الحركـة الاجتماعيــة "  و"دار العناية" و"كاريتاس" و"ابيتات "، الى مؤسسات اجتماعية عدّة. جذب إليه الناس بروحه المعطاء. وكانت له في الجنوب " حلقات " مع الموطنين من أهل الرأي والثقافة، ومن الناشطين الاجتماعيين خدّام الخير والمحبة.

 

         تناولالدكتور"أسامة سعد" البعد الوطني في شخصية المطران "غزال" المتمثل في تمسكه بالعيش الواحد لأبناء الوطن الواحد، وليس العيش المشترك الذي يشير إلى الاختلاف، وإلى إعطاء الأولوية للانتماء الديني على الانتماء الوطني. فطوال حياته لم يكن يميّز في التعامل بين أتباع دين وآخر. وهذا البعد يتمثّل في اتخاذه مواقف حاسمة ضد محاولات بعض الميليشيات زج المسيحيين في العلاقة مع اسرائيل والاحتلال الإسرائيلي. وقد رفض الانعزال والفرز السكاني على أساس طائفي. فاستنفر كل طاقاته لابقاء المسيحيين في بيوتهم في منطقة شرقي صيدا، وعودة المهجرين.

 

وقال الدكتور "إميل اسكندر" إنّ المطران "غزال" مسالم وهادئ بطبعه، ولكن عنيد في الدفاع عن الحق وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بالانسان المظلوم  أو المقهور أو المعتدى عليه، وقد تجلّت هذه الثوابت في محطات عدّة من خلال موقفه الداعم للشعب الفلسطيني أو من خلال دعمه لعودة المهجرين إلى قرى شرق صيدا ومناطق الشوف بعد الانسحاب الاسرائيلي واندلاع أعمال العنف التي أدت إلى نزوح آلاف العائلات المسيحية. حاز على ثقة الناس لأنه كان صادقًا مع نفسه ومع الناس، ثابتًا في موقعه بالرغم من التغيرات والضغوط التي آلمته. وذكر أنّ النّاس أصروا على مناداته باسم بونا سليم حتى الرمق الأخير متجاوزين لقب سيدنا وكل الألقاب الأخرى وهو كان لا ينزعج بالطبع فإنهم كانوا يعبرون بعفوية مطلقة عن تعلقهم بصورة هذا الكاهن البسيط وبطريقة عيشه.