مناقشة كتاب وجيه كوثراني :
" بين فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه - الدولة والمواطن"
الاربعاء 7 آذار 2007
كلمة الدكتور انطوان ضومط
في اطار نشاطاتها في مهرجان اللبناني للكتاب تعقد الحركة الثقافية - انطلياس مجموعة ندوات ثقافية ومن بينها ندوتنا هذه التي يناقش فيها الزملاء الدكاترة الكرام وليد خوري ورضوان السيد ومنذر جابر كتاب الزميل الصديق الدكتور وجيه كوثراني المعنون:" بين فقه الاصلاح الشيعي وولاية الفقيه- الدولة والمواطن". وقد تكون ندوتنا الاكثر حرارة ومتعة في النقاش بما يطرحه موضوعها من محاور تتقاطع مع تجاذبات سياسية لبنانية داخلية راهنة، وصراع فقهي وآخر سياسي اقليمي.
ايها الاصدقاء تتنازع راهنا شعوب العالم الاسلامي ازدواجية ولاء؛ بعضهم يتوق الى دولة مدنية تراعي المقتضيات الدينية، والبعض الآخر الى دولة شرعية دينية توجهها اجتهادات فقهية. ولعل معادلات الدولة الدينية وفق ولاية الفقيه وما يعادلها تشددا او اعتدالا في المذاهب الفقهية السنية انتعشت وازدهرت في اواخر القرن الماضي لاسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن. واذا اردنا العودة الى التاريخ نستلهم منه العبر والسلوك السياسي لتبين لنا ان العصور الوسطى التي اطلق عليها بعض المؤرخين عصور الايمان وبعضهم الآخر عصور الظلام لخضوع الدول شرقا وغربا لسيطرة الفكر الديني على الافكار وعلى مناحي الدولة السياسية والعسكرية والاجنماعية والدينية وحتى الاقتصادية. وقد عاشت دول اوروبا ازمة مزاوجة السياسي بالديني مدة طويلة، ومن ثم انتهت لصالح الدولة المدنية بعد ان تم حسم ادوار الصراع بين البابوية والامبراطورية وتلاه الصراع الديني في اوروبا الذي دعا خلاله مارتن لوثر الى فصل الزمني عن الروحي. واكتملت سيادة الدول المدنية بعد الثورة الفرنسية 1789.
واُعتمد في الاسلام، منذ حكومة الرسول في المدينية وحتى سقوط دولة المماليك سنة 1517 التشريع الاسلامي نهجا بل دستورا سياسيا واسلوب حياة. وشهد هذا المدى الطويل احداثا مفصلية كثيرة وجّهت تاريخ المسلمين وتركت بصمات ما تزال فاعلة في احداثهم حتى اليوم. ولعل من ابرزها الصراع على منصب الخلافة التي استبعد عنه الامام علي ثلاث مرات. وادى مقتله ومن ثم استشهاد الحسين في كربلاء 61 هجرية الى نشوء نظرية الامام المعصوم التي لم تكن واحدة عند جميع الفرق الشيعية. لتقابل منصب الخلافة عند السنة مع فارق التقديس او القداسة للائمة الاثني عشر عند الامامية، والائمة السبعة عند الاسماعيلية اضافة الى الامام الاكثر اهمية وقداسة عندهم عنيت به محمد بن اسماعيل او المكتوم. وجهد الشيعة للوصول الى الحكم فنجحوا على الاقل في مرحلتين واضحتي المعالم: الخلافة الفاطمية في المغرب سنة 909 ثم انتقالها الى مصر سنة 969 التي اسسها سعيد ابن الحسين الملقب بالمهدي وتلاه خلافاء ائمة تبعا للنظرية الاسماعيلية في الالوهية(ليس الآن موضوع بحثها). والثانية كانت الدولة البويهية في العراق وبلاد فارس. فاذا كان الشيعة الاسماعيلية عملوا على تطبيق نظريتهم في الخلافة الفاطمية ومارسوا ما يشبه ولاية الفقيه لأن الخليفة عندهم كان اماما فقيها، ومن اكثر نماذجه وضوحا الخليفة المعز لدين الله الذي نظّر للعقيدة الاسماعيلية. فانهم صادفوا مشاكل وعقبات كادت تودي بدولتهم من الدويلات الشيعية نفسها كالقرامطة والحمدانيين والبويهيين الذين شكلوا رأس حربة في هذا الموضوع علما ان ولاية الفقيه ستتمأسس في عهدهم. ولم تعمّر النظرية الاسماعيلية حتى في العهد الفاطمي عينه بحيث فقدت الامامة مضمونها.
وفي القرن الرابع الهجري واجه البويهيون اشكالا اساسيا: تمثّل بازدواجية الولاء السياسي والديني، كانوا شيعة متغلّبين على دولة الخلافة العباسية، وكحل لذلك الاشكال اوجدو ولاية الفقيه، اذ دعا ركن الدولة البويهي الشيخ محمد بن بابويه المعروف باسم "الصدوق" ليكون مرشدا له في السياسة والمجتمع والدين، وبالتالي تمأسست ولاية الفقيه وتحوّل التشيّع وللمرة الاول، بعد غيبة الائمة المعصومين، الى مجال ايديولوجي-سياسي استمد منه البويهيون شرعيتهم في مواجهة الخلفاء العباسيين وافقدوهم كل قدرة سياسية وعسكرية، حتى باتوا يملكون ولا يحكمون.
وتمأسست ولاية الفقيه مرة ثانية بوضوح اكثر جلاء بقيام الدولة الصفوية في بلاد فارس سنة 1501 وهي تختلف عن وضع الدولة البويهية لأنها لم تعرف ازدواجية الولاء ولم تكن دولة متغلّبة. وادعى الشاه اسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية ان المهدي ألبسه في طريقه الى مكة التاج الاحمر وعلّق به السف وقال له:" اذهب قد أذنت لك"، ما يعني ان المهدي اعطى الشاه ولاية خاصة، وصار يؤكّد لمريديه انه لا يتصرّف الا بناء على اوامر الائمة الاثني عشر، لذلك صار معصوما مثلهم. وهكذا بات الحاكم السياسي يخضع لسلطة الامام او لنائبه. ومع ذلك فان التمأسس الحقيقي لولاية الفقيه عند الصفويين تم في عهد طهمسب ابن الشاه وخليفته الذي استدعى الشيخ علي بن عبد العالي الكركي ليقيم مؤسسة تبث التشيّع عملا بنيابة الفقيه الامام المهدي وولايته العامة في عصر الغيبة، وبالتالي صار للشيخ الكركي حرية التصرف بشؤون الدولة الشيعية الجديدة كونه نائبا عاما عن المهدي نفسه وبوصف الملك او الشاه نائبا عنه. وهكذا صار الديني يسيّر الزمني ويسيطر عليه.
اما في العالم السياسي السني فقد مورست ولاية الفقيه بطرق غير مباشرة منذ الخلفاء الراشدين، فهم كانوا يعتبرون فقهاء لأن المذاهب الفقهية لم تظهر قبل اواسط القرن الثاني/الثامن، واستعانوا بآخرين لهم معرفة بشؤون الشرع لادارة شؤون دولة الخلافة. واستعان الامويون بالائمة والفقهاء تبريرا ديدنيا لشرعية دولتهم. وفي مرحلة لاحقة استعار الخلفاء العباسيون سلطات دينية بلغت حد التقديس ردا على مواقف الشيعة وآرائهم وثوراتهم بان جعلوا انفسهم ممثلين لله على الارض. اضف الى ذلك ان الشرع الاسلامي كان مطبقا في مناحي الحياة كافة، وكان الديني مسيطرا على المدني. وقد خضع الخلفاء والسلاطين والحكام السنة عامة في العصور الوسطى الى سلطة الفقهاء في امور كثيرة، حتى ان بعض الفقهاء فرضوا آراءهم على السلاطين شأن الماوردي الذي حدد سلوك الحكام في كتابه "الاحكام السلطانية"، وابن تيمية الذي افتى للمماليك قتال الشيعة والدروز والموارنة في لبنان، والاسماعيلية في بلاد الشام لأنه واجب شرعي ... (لن نخوض كثيرا في هذا الموضوع) وعندما انتصر العثمانيون على المماليك في معركتي مرج دابق 1516 والريدانية في مصر عام 1517 انتزعوا الخلافة من العباسيين وصار السلاطين خلفاء يجمعون السلطتين الدينية والزمنية باشخاصهم، فمارسوا بذلك ولاية الفقيه التي اكتملت بالسلطات التي انيطت بشيخ الاسلام او مفتي اسطنبول الذي كان باستطاعته، على الاقل نظريا، عزل السلطان العثماني.
وقابل نظرية ولاية الفقيه الشيعية النظرية الجهادية عند بعض السنة المعروفة ب" الحاكمية لله" وهي تتصوّر الامام او الخليفة نائبا لله او خليفة له على الارض، وهو مسؤول امامه وحده فقط. ولا يؤذن للبشر بالتشريع لأنه امر مختص بالله وحده، حتى ان القاضي لا يتولى منصبه كونه نائبا عن الخليفة بل لانه نائب عن الله وعليه تنفيذ القانون الالهي. واصحابها يكفّرون كل المجتمعات الاسلامية التي لا تطبق الحاكمية لله، ويعتبرون المجتمعات الاسلامية الحاضرة وتلك غير الاسلامي مجتمعات جاهلية كافرة.
وما تجدر ملاحظته ان فقيها واحدا فقط في العالم الاسلامي كله يتمتع بسلطة نائب الامام المعصوم الغائب وبسلطات مركزية وسلطان كامل على كل المسلمين الشيعة ، ما يعني ان نائب الامام هذا يتمتع بهالة دينية وعند بعضهم بهالة قدسية ويدعوا من ضمن التطلعات الكبرى او الاهداف البعيدة الى دولة اسلامية شيعية موحدة تسيّرها سياسته. وبالتالي تتجاوز دعوته وسلطاته القوميات والكيانات السياسية الحديثة المعترف بها من قبل الامم المتحدة، ويمثله فيها نواب له يأتمرون به وحده.
ايها الاصدقاء فشلت ولاية الفقيه عند البويهيين والصفويين، و ما تزال تجربتها في ايران بين اخذ ورد، بين معتدلين مصلحين وآخرين متشددين. وقد حارب عدد وافر من علماء الدين السنة نظرية الحاكمية لله. وانا وان كنت على معرفية في موضوع الاصلاح السياسي الاسلامي لن ادخل في تفصيلاته لأنه موضوع المحاضرين الكرام. هذا الاصلاح الذي اطلع به متنورون من الفقهاء الشيعة في ايران ولبنان، ورواد الجامعة الاسلامية في القرن التاسع عشر، وغيرهم من المصلحين السنة في ارجاء العالم الاسلامي ممن قاربوا بين الدولة المدنية والدولة الدينية، وعالجوا مصطلحات وافكارا غربية وقاربوها بمثيلات لها اسلامية، او شرحوا مدلولاتها وافتوا بها، شأن الديمقراطية، والجنسية، والمواطنة، والتعددية. او وجدوا لها صدى في المفردات والممارسات الاسلامية. في حين كان بعض الفقهاء وعلماء الدين المتزمتين يعتبرونها دخيلة بل غريبة ومرذولة. ونحن وان كنا نأمل بقيام الدولة المدنية في لبنان حرصا منا على المجتمع التعددي، فاننا نتوخى حصول اصلاح سياسي يوفر للمواطنين حدا ادنى من الطمأنين والعيش الكريم، ويبعد شبابنا عن الهجرة.
كلمة الدكتور رضوان السيد
دأب الزميل الدكتور وجيه كوثراني، ومنذ مطلع التسعينات، على متابعة وقائع صعود الإسلام السياسي في العالمين السني والشيعي. وهو قد راقب في البداية التجربة التاريخية للنموذجين في إقامة الدول والسلطنات والإمبراطوريات واكتشف تشابهاً مدهشاً بين العثمانيين والصفويين. ثم صار إلى تقديم قراءة نقدية للتجربة القومية في حاضر العرب، ليتفحص خلال ذلك وبعده، وكما سبق القول، وقائع الإسلام السياسي، وعلائقه ونقائضه مع الهوية والخصوصية والطهورية، ومع فشل التجربة القومية ومع الاصطدام بالغرب وبالنظام الدولي.
العمل الذي نتحدث عنه اليوم، هو من جديد الدكتور كوثراني، على رغم انها مقالات مجموعة. إذ لدينا ثلاثة امور بارزة الآن تجعل من كل حديث في هذه الإشكاليات حديثاً معاصراً او آنياً مهما بلغ قدمه. الأحداث الثلاثة البارزة: حزب الله في لبنان، وتحوله إلى جزء من المأزق اللبناني والإقليمي، والغزو الأميركي للعراق وما خلّفه من آثار دينية (التوتر بين الشيعة والسنة)، واستراتيجية (في سقوط الدولة العراقية السابقة، وصعود النفوذ الإيراني في العراق وغرب الفرات، وشرق العالم الإسلامي). والأثر الثالث البارز اندلاع الصراع بين الولايات المتحدة وإيران على النووي وغير النووي، واختلاط الديني بالقومي، بالاثني في المواجهات المتبادلة، وتأثيرات ذلك على العلائق بين العرب وإيران، والسنة والشيعة، والمسرح الإقليمي والدولي.
قسّم كوثراني كتابه إلى ثلاثة أقسام: يُعنى أولها بالأحداث الأخيرة بلبنان إلى ما بعد حرب تموز ويعنى ثانيها بالتجربة الإصلاحية الشيعية الحديثة من الدولة الدستورية مع النائيني والى السيد محسن الامين نقد محمد جواد مغنيّة لولاية الفقيه، ورؤيا موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين لإمكان قيام الدولة المدنية أو دولة المواطنة بتأسيس وتأصيل فقهي. اما القسم الثالث من الكتاب فيُعنى بنظرية ولاية الفقيه وممارساتها بإيران، ومحاولات اللبرلة التي قام بها الرئيس خاتمي والمفكر عبد الكريم سروش بين آخرين.
أود في هذه المداخلة تأكيد واقعة أو حالة نعيشها على مستوى الاسلامين السني والشيعي منذ عقود: فنحن لسنا في حقبة الإصلاحيين الليبراليين، ولا في حقبة القوميين الاندماجيين بل نحن في حقبة الأصولية الإسلامية، والتي تملك أطروحة رئيسيةً تقول إنها تريد الوصول إلى السلطة لإقامة الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة. عنوان هذه الرؤية لدى أصوليي السنة: الحاكمية، وعنوانها لدى أصوليي أو احيائيي الشيعة ولاية الفقيه. والتياران تياران شعبيان زاخران ولديهما أدبيات هائلة وهناك فئات اجتماعية واسعة تغيّرت حياتها تغيراً هائلاً ايضاً في كل شيء نتيجة دخولها في تلك الإحيائية.
والواقع ان البارز منذ مدة ان الاحائيتين تصارعان العالم تحت اسم التغريب أو الولايات المتحدة، صراعاً ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ولا تريان في الأصل إمكانية للقبول بالدولة الحديثة على النمط الغربي. لكن ليس هذا ما أريد الحديث عنه هنا بل في المشكلات التي تواجه مجتمعاتنا نتيجة صعود الإحيائية الشاسعة الأبعاد هذه. فقد اصطدمت لدى السنة على الخصوص ومنذ البداية بالمؤسسة الدينية التقليدية وبالفئات الاجتماعية الحديثة، ثم بالسلطات القائمة. وبدأت في الستينات من القرن الماضي بمثابة انشقاق. لكنها منذ عقدين ما عادت كذلك؛ إذ غيرت وجه الإسلام ووجه المجتمع. ولان تيارها الرئيسي وصل إلى السلطة كما في إيران أو صار يمثل واقعاً اجتماعياً كبيراً، فما كان من الممكن الاقتصار على الحل الأمني في مواجهته.
ولنتوقف قليلاً عند الانطباع الاول: الطابع الانشقاقي للإحياء الإسلامي. لقد رأينا ان الانقسام زاد في المجتمعات العربية والإسلامية ليس بين الإسلاميين والسلطات فقط، بل وبين التكفيرين والجدد والحداثيين. وفي المجتمعات التعددية دينياً أو اثنياً حدث انزياح وتمايز كبير بين الإسلاميين الجدد والمسيحيين أو القوميين. وحتى في إيران فإن الدعوى الاوحدية لولاية الفقيه أحدثت خلافات ضمن المؤسسة التقليدية للفقهاء المجتهدين، رغم بقائها قوية ومتماسكة بخلاف ما جرى عليه الأمر لدى السنّة. من الناحية الفقهية يجيز الأصوليّ السنّي لنفسه الاستيلاء على السلطة أو الوصول إليها حتى لو كان أقلية دينياً أو سياسياً. لأنه كلّف بإقامة شريعة الله في الأرض.
اما القائلون بولاية الفقيه، فلا يرون إقامة دولة التمهيد إلا في مجتمع غالبيته العظمى من المسلمين والذين يمكن ان يقولوا بولاية الفقيه. وهكذا ففي حين يمكن للإسلامي السني المعتدل وغير العنيف ان يشارك أو يسيطر ويسعى لتطبيق الشريعة حسب رأيه وفي أي بلد كان، فإن أتباع ولاية الفقيه لا يستطيعون المشاركة في سلطة بلد آخر إلا بالفتاوى الدائمة وفي مختلف الشؤون إلى جانب الولي الفقيه، لاستحالة القول بشرعية النظام القائم واستحالة تحول النظام القائم إلى نظام إسلامي من جهة أخرى.
ولنعد إلى كتاب الدكتور كوثراني محاولين في ضوء استطلاعاته التفكير في واقعنا. لدينا اذاً هذا الإسلام الإحيائي الجديد، والذي بعد عقود من الراديكالية صار فيه تيار رئيسي وصل للسلطة أو انه لا يقول بالعنف في الوصول إليها أو في مخاصمة العالم. لكن على رغم الاعتدال، ما تزال الرمزيات والشعائريات تلعب دوراً كبيراً في تفكير وتصرف أهل الاسلام السياسي هؤلاء. الدكتور كوثراني شديد الانتقاد للإحيائيين في مرحلتهم الحالية، كما كان انتقادياً للقوميين في مرحلتهم السابقة. لكنه يأمل بانفتاح من جانبهم على طروحات الإصلاحيين النهضويين في مطالع القرن العشرين، وأهل التوفيق والاستنارة من المعاصرين.
وقد كفّ الإسلاميون المعتدلون في الواقع عن شتم الأنظمة الليبرالية وشاركوا بالكتابة أو بالممارسة في المؤسسات الدستورية. كما ان إيرانيي ولاية الفقيه اشترعوا دستوراً وكان بوسعهم الاكتفاء بتنظيمات أو ترتيبات. وهم يجرون انتخابات منتظمة أو يسمحون بمعارضة معقولة، ويحظون في ما يبدو حتى الآن بتأييد أكثرية الشعب الإيراني.
فهل نستطيع استناداً إلى هذه الظواهر كلها القول إن الاعتراف المتبادل ممكن، ويمكن من خلاله الوصول إلى نظام مدني، يجري فيه تداول سلمي للسلطة؟ أم إننا سنظل عرباً ومسلمين حائرين بين الأنظمة الأبدية القائمة، ودعاة الشريعة الأبدية؟ الدكتور وجيه يريد الخلاص من الطرفين: لكن الواقع يظهر منه أننا سائرون في أحسن الأحوال باتجاه حل وسط تفرضه الشعبية الكاسحة للإسلاميين والتجربة السلبية للأنظمة العربية والإسلامية. ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.
مختصر مداخلة د. منذر جابر
... إذا عدنا الى الكتاب، نرى بان واقع الفكر الشيعي في لبنان ليس سهل التناول ممهد الدرب والمؤرخيجهد في نبش المواقف من هنا وهناك فينظر فيها ويتناولها بالتحقيق والمراجعة. وفي مقابل هذا النقد يبارك المؤلف اتجاهات إصلاحية شيعية (محاولات الشيخ محمد جواد مغنية، السيد موسى الصدر الشيخ محمد مهدي شمس الدين).
وحين يفعل ذلك وجيه فإنه يدخل النقاش مع الفقه الشيعي، الى ميدان التاريخ وذلك حين يجعل النقاش الآنف في هذا الميدان الرحب من العمق والاتساع فقد ظل هذا النقاش حتى الآن، على مساحة ضيقة، على مساحة ضواحي او مدن او مناطق او طوائف وقلما دار على مساحات الثقافة في لبنان.
يمكننا إذن ان نرى في كتاب وجيه عنصراً ديناميكياً داخل الثقافة الشيعية يدفع بهذه الثقافة الى قبول لغة الطرف الآخر، قبول الحوار مهما كانت نتائجه.
في الطرف السياسي يدرك وجيه ان صيغة في لبنان او ميثاقاً، تعني مواطنية أقل او قد تعني ان جزءاً من تواطن مؤجل الى انتفاء معوقاته. يدقق وجيه في الفصل الأول في الصيغة التي كانت والميثاق الذي كان ويدفنهما ولكن مترجّماً عليهما وليس لاعنا لهما كما تدعي أدبيات طائفية لا حصر لها.
حين يقول وجيه كوثراني ذلك، فإنه يفعل في الايدولوجيا الشيعية ما لا يظن هو أنه قد وصل اليه: نقل الثقافة الى مركز الحوار الذي ظل الى الآن نائماً حيناً او صاخباً حيناً آخر ولكنه ظل ملتوياً في كل الأحيان.
كلمة الدكتور وليد كميل خوري
أيها السيدات والسادة
أيها الأصدقاء
تختصر دعوى النجاة تاريخاً حافلاً بالتجارب، يتآزر فيه السيف والقلم ويمتزج فيه الحبر والدم ويتحرّك على امتداده الفكر الديني الاسلامي ينبض على وقعه، محموماً بالجدال العقيدي بين الفرق والمذاهب والطوائف حول مسالك الاثبات النصيّة وشروط القراءة الصحيحة، وما استتبع هذا الجدال من صراع حول قواعد بناء الاجتماع السياسي وسبل ادارته وتنظيمه.
صراع، شكلّت العصبية المتجلببة بالدين، كتلته الصلبه، قلّ ثابتة الثابتة كل من حولها وما حولها محولاتّ ترسلها راداءاً ملوّثاً بكل الألوان والأحجام على وطن تتآكل جسده القروحُ الملتهبة.
الرداء الملوَّث، نتدثَّر به في الساحات نرفعه راياتٍ في كل المناسبات، بيارق شؤم على كل المفارق .
نفتكره، نكتبُ عنه، نقول فيه القول الجميل والقول القبيح.
ويستمر ايها الأصدقاء، هو هو، الأوّل والآخر الظاهر والباطن، سمّاً قاتلاً يضرب كل توق الى الصحة والانعتاق.
العصبيةُ المتجلببة بالدين، الطائفون في معارجها. الآكلون من قدرها والضاربون بسيفها، كلُّ، ثقيل الوقع عصيُّ الدفع، يتحدّى الآمال بوطن ينعم الانسان فيه بدولة تحفظ حقوقه. في مناخ من الحريّة والديمقراطية والعدالة.
وجيه كوثراني واحد من الذين قبلوا التحدّي، وهو العالم المتبحّر في دقائق المعاني التي ثمَّرتها تجاربُ اصحاب الدعوى على اختلافهم، دخل المعركة من بابها وأطلق هذا الكتاب الذي يحمل أكثر من اشارة وتنبيه، في لحظة تستأثر فيها الحالة الشيعية بمجمل النقاش الدائر بشان الدولة والاصلاح على الساحتين السياسية والثقافية.
المتثقف الناقدُ، اضافة تليق بفكر وجيه كوثراني، يقارب الوقائع والنصوص بعقل نقدي، يثري موضوعه، يكتشف فيه مساحاتٍ مستترة ومعاني مسكوتاً عنها، يُخرجها الى العلن، يبلورها ويدفعها في معركة البحث عن حقيقة الأشياء والأفعال والنصوص، هو ناقدٌ، يتجاوز في عمله ما يراه بعض الكمّل المزيفين من سلبية في النقد، الى اعتباره منهجاً يلازم المثقف المنفتح على علوم العصر ومستجداته وعلى القيّم الانسانية الجامعة، الساعي دائماً الى مراجعة أدواته المعرفية وآليات السبر، يجددها باستمرار ويطورّها في سبيل تجديد وتطوير ادائه في القراءة وابداء الرأي وبناء الأحكام بعيداً عن الوثوقية المقوضة للعلم ومبادئه.
المثقف الناقد، لا تنفصم هذه الاضافة عن ايمانه بالديمقراطية نظاماً يصون حق الاختلاف باعتباره شرطاً لحرية التفكير والتعبير، وثقافة تُعدُّ انسان لقبول الآخر، بالقول والفعل، قبولاً صادقاً، خالصاً من التكاذب والرياء.
وجيه كوثراني، المتوسِّلُ بالنقد منهجاً في التفكير وبالديمقراية نظاماً للتغيير، يعلن بدون مواربة، قناعتُه بمبدأ الفصل بين السلطة الدينية والسلطة المدنية، ويبسط ادواته المنهجية التي احتارها بحرية من بين مدارس ومناهج علوم الانسان والمجتمع .
ويُفصح عن قصده المعرفي وهو البحث في أزمة التحوُّل من الدولة السلطانية المستقوية بالدين الى الدولة الوطنية، أي من الاجتماع العصباني الى الاجتماع الوطني المدني.
الفصل والاداة والقصد، أصول ثلاثة يطرح من خلالها مفكرُنا مفهومه للمواطن والجماعة والدولة، باعتبارها أركاناً ثلاثة لا يقوم لبنان بدونها ولا يستمر.
يحلّل ويفككُ ويقارن وينتهي الى تبنّي المواطنية Citoynneté بالمعنى الذي عبّرت عنه المرجعية اليونانية واغنته تجربة الدولة الحديثة في الغرب، حيث يُعتبر المواطن عضواً في المدينة، يجمعه مع سائر الأعضاء فيها، نظام من الحقوق والواجبات، ويشير الى شروط ثلاثة أسهمت في تشكيل هذا المفهوم، قيام مايسمى état- nation الدولة / الأمة وهو تعبير سياسي حقوقي يُفيد اتفاق جماعة على العيش المشترك على ارض محدّدة، في ظل نظام سياسي يضمن الحقوق والواجبات لكل فرد منها، تمّ تعيين الصيغة الحقوقية التي تكرّس العضوية او الانتماء الى هذا الكيان وهو مايسمى بالناسيونالية Nationalité (الجنسية) والشرط الثالث والأخير، وجود دستور هو بمثابة القانون الأساسي الذي ينظّم العلاقة بين الدولة وسلطاتها من جهة والمجتمع من جهة ثانية، باعتباره جماعة المواطنين الذين يحملون جنسية Nationalité ويضمن الدستور حقهم في المشاركة عن طريق التمثيل والاقتراع للجمعية العمومية التي هي سلطة التشريع.
في ضوء هذا الكشف عن معاني هذه المفردات وأصولها اللغوية وحمولتها الثقافية والتاريخية يخرج وجيه كوثراني بنتيجة مفادها ان الفكر العربي والاسلامي لم يعرف المواطنة والأمة والدولة بالمعنى الذي انتهت اليه في الفكر الغربي، واذا كان بعض رواد النهضة العربية قد عبّروا عن بعض الأفكار المتقدمة في هذا المجال، فهي بلا ريب، اصداء لعصر التنوير ووليدة عملية التثاقف بين الشعوب.
يكشف تأسيس العلاقة بين المواطن والجماعة والدولة على مبادىء الحداثة ومفاهيمها. عن رؤية اصلاحية عند وجيه كوثراني تنأى عن الاصلاح بالمعنى المتداول في معاجمنا وفي تراثنا العربي والاسلامي بعامة، الدولة الحديثة هي ثمرة الاصلاح كما تجلى في الفكر الغربي وهو من الثراء والجذرية بحيث يتوخّى اصلاحاً في الأصول وفي المقدمات الكبرى سعياً الى الحدّ من جمودها وجعلها موضوعاً للتفكير المؤدي الى التعديل او التغيير في معانيها ودلالاتها، ان هذا النوع من الاصلاح يقع في باب اعادة تشكيل الصورة او المعنى re- forme من زاوية النظر اليونانية الارسطية المؤسسة للحداثة وهو يبتعد كل البعد عن معنى الاصلاح السائد في ثقافتنا العربية والاسلامية والذي يعني التقويم والتصويب réparation ، تقويم ما فسُدَ وتصويبه قياساً على اصول تتعالى على التاريخ وعلى الأسئلة.
يعرف وجيه كوثراني تمام المعرفة، ان شروط تحقيق هذه الرؤية الاصلاحية المتقدمة في مجتمع ونظام طائفيين في المدى المنظور، امرٌّ دونه الكثير من العقبات والمعِّوقات، غير انه يرى في نظرية المؤرخ الفرنسي ف. بردويل ما يدعو الى الصبر ويَعِدُ بالأمل: هذه النظرية التي تقول : «بتاريخ المدى الطويل» ما يعني ان التغيير قابل للتحقيق . «ليس بارادة المثقفين ومنتجي الأفكار فحسب، ولكن بفعل تحوّلات عميقة في البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية والتنموية، وفي طبيعة السلطة بالاضافة الى تطوّر الذهنيات والفعليات المترافق مع نمو الأفكار وتراكمها»
وجيه كوثراني الصابر، لم ييأس، راح يتلمَّس بعض الملامح الاصلاحية في آراء ومواقف بعض المراجع الدينية، وهو اذ يتوقف بتقدير عند رأي البطريرك الماروني في مشروع الدولة الحديثة حيث يقول: «ان الدولة المنشودة هي دولة تؤمن بالتمييز الصريح حتى حدود الفصل بين الدين والدولة بدلاً من اختزال الدين في السياسة على منطلقات دينية لها صفة المطلق» . يعود ليشير الى بعض معالم هذه الرؤية الاصلاحية في مواقف عدد من رجال الدين الشيعة تحت عنوان الاصلاحية الشيعية المعاصرة: أولوية الدولة والوطن والمواطنية، فيضع تحت الضوء فكراً، شغله قيام لبنان المستقل بهويته اللبنانية وانتمائه العربي، بدولته ومؤسساته ونظامه الديمقراطي التوافقي، ربما جاء تذكير وجيه كوثراني بفكر محمد جواد مغنيّة الامام موسى الصدر، والشيخ محمد مهدي شمس الدين السيد هاني فحص باعتباره فكراً حريصاً على خصوصية التجربة اللبنانية، بسبب تنامي السلطة الدينية والسياسية لولاية الفقيه والمؤمنين بها نظاماً لدولة اسلامية في لبنان والتي تذهب مذهباً يتناقض مع ثوابت هذه التجربة وشروط بقائها واستمرارها.
اذا مكان توسيع الدائرة المدنية على قاعدة الفصل بين السلطة الدينية والسلطة المدنية هو المدخل لأي اصلاح سياسي في لبنان، فمن الطبيعي ان يثير تاسيس الموقف السياسي على الشريعة الدينية والتكليف الشرعي هواجس المختلفين ويطرح عندهم تساؤلات حول مدى ملاءمة دمج السياسي بالديني، للقواعد الميثاقية التي ارتضاها جميع اللبنانيين دستوراً للبنان الواحد المستقل.
لقد أدرك وجيه كوثراني خطورة هذا الدمج ورأى في مبادىء ولاية الفقيه التي يعتنقها حزب الله مثالاً حيّاً لصيغة الدولة الدينية المرجوة التي يطالب بها، يقول الشيخ نعيم قاسم في كتابه «حزب الله المنهج .. التجربة.. المستقبل»، «اننا ندعو الى قيامة الدولة الاسلامية، ونشجع الآخرين على قبولها لما تمثّل من اسعاد للانسان» ويضيف ما جاء في الرسالة المفتوحة التي اعلنها حزب الله سنة 1985 «لكننا نؤكد اننا مقتنعون بالاسلام عقيدة ونظاماً وفكراً وحكماً، وندعو الجميع الى التعرّف اليه والاحتكام الى شريعته، كما ندعوهم الى تبنّيه والالتزام بتعاليمه على المستوى الفردي والاجتماعي، واذا ما اتيح لشعبنا ان يختار بحرية شكل نظام الحكم في لبنان فإنه لن يرجح على الاسلام بديلاً . ومن هنا ندعو الى اعتماد النظام الاسلامي على قاعدة الاختيار الحرّ والمباشر من قبل الناس»
أما القيادة الشرعية في هذه الدولة فهي للولي الفقيه، كخليفة للنبي والأئمة وهو الذي يرسم الخطوط العريضة للعمل في الأمة وأمره ونهيه نافذان (ص23)
يطبق الاحكام الاسلامية ويسهر على النظام الاسلامي ويتخذ القرارات السياسية الكبرى
أما عن ارتباط حزب الله بالولي الفقيه، يقول الشيخ نعيم قاسم: «لا علاقة لموطن المرجع بمرجعيته، فقد يكون عراقياً اوايرانياً او لبنانياً .. » ويضيف الارتباط بالولاية تكليف شرعي والتزام يشمل جميع المكلفين حتى عندما يعودون الى مرجع آخر في التقليد، لأن الآمرية في المسيرة الاسلامية العامة للولي الفقيه المتصدّي» 77
أضف الى ذلك ان «قيادة حزب الله منتخبة من كوادر الحزب بحسب النظام الداخلي المعمد والتي تتمثل بالشورى التي يرأسها الأمين العام والتي تحصل على شرعيتها من الفقيه».
مع هذه النصوص المعبّرة بقدر عالٍ من الوضوح والصراحة عن مقاصد حزب الله في قيام الدولة الاسلامية وتأسيسهاعلى مبادىء ولاية الفقيه يسأل وجيه كوثراني:
- ألا يشكل الايمان بولاية الفقيه المطلقة افتراقاً لكي لا نقول قطيعة مع الفكر الشيعي المتكيّف مع الدولة المدنية والاندماج الاجتماعي الوطني .
- ماذا يعني كلام حزب الله عن الغاء الطائفية السياسية، وهو الحزب الذي يتبنّى اعتقاداً يعود في اصله وجوهره الى المذهب الشيعي؟ هل تكون العلمانية هي البديل؟ طبعاً لا . لأنها نقيض فكره واصوله؟ ام أن المطالبة بالغاء الطائفية السياسية هو من اجل الابقاء عليها من باب الأكثرية العددية؟
اذا كان الحزب يتمتع بهامش من الحرية في التحرك على الصعيد الداخلي، فما هو حجم هذا الهامش؟
وهل الحزب هو الجهة التي تفصل بين ما هو خاص من الوقائع وما هو عام او ما هو داخلي وما هو خارجي؟ واذا كاتت الانتخابات النيابية عام 1992 استحقاق داخلي فلماذا لم يستطع الحزب الفصل في امر المشاركة فيها وترك الأمر لحسم الولي الفقيه؟
اذا كان قرار الجهاد الدفاعي وهو مقاومة الاحتلال يعود الى الولي الفقيه، فهل هذا يعني ان ماتقوم به المقاومة حاصل بقرار من خارجها؟ وماهو تفسير تغييب الدولة اللبنانية عن مثل هذا القرار وهي المعنية اولاً واخيراً بمصلحة لبنان وسيادته على ارضه؟
هذه الأسئلة تفتح الباب واسعاًٍ امام جملة من الارشارات والتنبيهات بشأن المطالبة بدولة اسلامية.
- قد تكون المرّة الأولى في لبنان يعلن فيها حزب ديني مشارك في الدولة ومؤسساتها عن مطالبته بدولة اسلامية بقيادة الولي الفقيه.
- لا يكفي القول بان هذه الدولة تصوّر مستقبلي متروك امر تحقيقه لإرادة الناس الحرّة، لكي يطمئن الآخرون، مسلمين ومسيحيين وعلمانيين، ان مجرّد اعتبار الدولة الاسلامية قصدّ وغاية ولو مؤجلة، يعني انها أصل سوف يبنى عليه في كل ما يخدم شروط تحقيقها على صعيدي النظر والعمل، فيتحرك فكر اصحاب الخيار باتجاه يعاكس التوجُّه الذي رسمته وثيقة الوفاق الوطني ومبادىء الدستور اللبناني، وتنبني السياسات التربوية والاجتماعية والمالية والتنموية والدفاعية وبرامج التثقيف والارشاد على القواعد التي تخدم تحقيق هذه الغاية.
- العمل على تحقيق الدولة الاسلامية بالقول والفعل، ومناهضة المتضررين من قيامها وهم الأكثرية المؤمنة بالصيغة اللبنانية، سوف يدفع بالوطن الى الانزلاق في متاهات الفرقة والفوضى وعدم الاستقرار وربما الى آفاق أكثر ظلاماً لا تخدم وحدة لبنان واستقلاله.
- يبقى ان اشير ايها الأصدقاء، الى ان هذا الكتاب يحمل تنبيهاً الى القيادات والأحزاب الاسلامية المعاصرة، سنيّة كانت او شيعية الى خطورة التمادي في استثمار الدين في السياسة، والى ما قد يؤول اليه الاسترسال في هذا المجال من صراعات وفتن ومآسي، لن ينجو منها أحد.
- كما اقرأ فيه اشاراتٍ الى حزب الله، تلفته الى حدَّة مشروعه العقائدي السياسي الذي يصيب بالأذى.
اولاً: الطائفة الشيعية، لانه ينسخ تراثها الحافل بالتجليات العقلانية وبتنوع الأفكار يضعها في مكان لا يسمح تاريخها بأن تكون فيه.
ثانياً: الاسلام والمسلمين عموماً لأنّه يعيد انتاج شروط الفتن وعوامل التفكك المذهبي .
ثالثاً: سائر المجموعات غير الاسلامية، اذ ترى فيه تهديداً لوجودها ولهوياتها الثقافية.
رابعاً : الصيغة اللبنانية المتمثلة بلبنان الوطن المستقل الواحد النهائي الديمقراطي العربي الذي اقرّه اللبنانيون في دستورهم، كما يصيب بالأذى رسالة لبنان الحضارية القائمة على التنوّع والحوار والانفتاح على ثقافات العلم ومستجداته في العلم والمعرفة.
اعرب في ختام كلمتي عن تثميني العالي لفكر وجيه كوثراني وعن تقديري الكبير لنضاله في معركة الفصل بين الديني والسياسي من أجل الوصل بين المواطنين في دولة مدنية حديثة.