ندوة الدماغ بين القراءة والفن: غذاء وعلاج
2007/3/17
كلمة بريجيت كساب
قرأ الله في كتابه ، فكّر ثم رسم اللوحة الكونية بكلمات الخالق المبدع، ترافقه موسيقى الطبيعة التي تدخل في عمق أعماقك وتدغدغ مشاعرك فتخلق الوانا ورسوما وقصائدا والحانا وانغاما، ترتاح نفسك لتحلّق عاليا وتتّحد بالله.
ها هو الأنسان اعظم المخلوقات على الإطلاق ، وجد لينعم بهذا الفنّ السامي، فيعيش السلام والطمأنينة والمحبة ، وكأنّه الحياة في سكون الناسك الحكيم السعيد دائما.
أحبّ الله الإنسان ، فما أراد له يوما أن يتألّم أو أن يمرض، لذلك أعطاه سرّ الشّفاء الذي يكمن في تنشيط ذاكرته وإرسال ذبذبات مؤثّرة وقويّة تنطلق من العين والأذن والقلب مباشرة إلى العقل، وعليه أن يختار بين أن تكون هذه الذبذبات إيجابيّة أو سلبيّة.
بالقراءة يتغذّى دماغنا ليخلق عالمه الخاص تتجسّد فيه الكلمة لتصبح حيّة، والرسم والألوان تخرق العيون بصمت أنوارها اللذيذة لتحرّك العقل ويرتاح، والرقص والغناء يحوّلان حزنك إلى فرح دائم. أمّا الموسيقى فتدغدغ أذنيك لتحملك فوق الأرض كالفراشة فتجد الحرية ترقص على جناحيها.
أمّا وقد ظنّ الأنسان نفسه أنّ هذا العالم أصبح من الماضي مع إنتاجاته التي يتغنّى بها دون أن يدرك مدى خطورة سلبيّاتها عليه وعلى وجوده . حضارته اللاواعية بدأت تخنقه وتفقده توازنه في مجتمعه وعائلته. إنطوى على ذاته وسجن نفسه داخل قضبان تكنولوجياته الحديثة الغير المنظّمة والغير الهادفة ، وأضاع هويّته في خضمّ الحضارات المدمّرة ولجأ إلى التبعيّة الفكريّة والثقافيّة والإدارية والحضارية والسياسية التي ربّما لا يدرك منها سوى الأسماء.
تركنا الكتاب والفن والموسيقى، لنقرأ الجهل ونسمع أصوات النشاذ فلا نعرف للنوم والراحة سبيلا. قرأوا عنّا كما يريدون فأصبحنا الصدى لصوتهم دون أن نعرف حقيقة الكلمة، عزفوا موسيقاهم وأرغمونا على سماعها فصفّقنا لهم وأثارتنا قبل أن ننتقي الجيد منها، وأصبحنا أسرى الخوف والتوتر جرّاء ما يصيبنا في حياتنا اليومية، فبتنا لانستطيع العيش كما أراد الله أن نحيا، فقدنا التركيز الجيد لنبني الوطن واكتفينا بما نسمع ونقرأ من تردادات أصحاب المصالح وتجّار الكلمة والموسيقى التي حتما سوف تقودنا إلى الهاوية.
أيّها الحضور الكريم
إنّ مشاركتكم اليوم معنا في العزم والتصميم على إعادة بناء نفوسنا ونفوس أطفالنا وشبابنا الذين هم مستقبلنا لهو خير دليل على انتفاضة ولو بعددها القليل لتغيير مسار التطور العلمي والثقافي والسياسي ، مع المحافظة على صحّة العقل والجسد، ووضعه في مكانه الصحيح على أسس علمية جيدة وأفكار غير مستوردة ومعلّبة وجاهزة سلفا، وروح سامية مستعدّة للتعاون والتشاور والتفاهم، والحركة الثقافية انطلياس بمهرجانها السنوي للكتاب والنشاطات المرافقة له، تعمل بجهد ومثابرة على إعلاء شأن الثقافة وتكريم أعلامها ومكافحة الإستغلال الفكري.
- في الحرب تقرع الطبول ويدوّي صوت النفير فتمتلئ نفوس الجيوش عنفوانا وكرامة في ساحة المعركة.
- في الحب تصفو الألحان لتجمع القلوب العاشقة.
- في الصلاة ترتفع أناشيد التسبيح لتمجّد الخالق.
ويتفاعل الإنسان مع الموسيقى بكلّ أنواعها حزنا وفرحا غضبا وسلاما.
فعل الموسيقى في النفس بين نشوتَي الإضطراب والهدوء، مقاربة على أساس مزدوج موسيقولوجيّ وأنثروبولوجيّ ثقافيّ لموضوع فعل الموسيقى بكلّ أنواعها في النفس البشريّة، بخاصّة من زاوية مفهوم النشوة في شكليها الاضطرابيّ (transe) والهادئ (extase)، وفي انسحابه على الأمور العلاجيّة، يقدّمها نداء ابومراد: مدير المعهد العالي للموسيقى - الجامعة الأنطونيّة، أستاذ (بروفيسور) ودكتور في علم الموسيقى، دكتور في الطبّ، باحث أكاديميّ، له عدّة دراسات منشورة في موسوعات ومجلاّت علميّة، وهو كذلك مؤلّف موسيقيّ وعازف كمان بحسب النهج التقليديّ العربيّ، وله 14 قرصًا مدمجًا - منها إحياء مدوّنات صفيّ الدين الأرمويّ الموسيقيّة من العصر العبّاسيّ وإحياء الرصيد اللحنيّ الوارد في الرسالة الشهابيّة لميخائيل مشّاقة - ومشاركات عديدة في مهرجانات موسيقيّة دوليّة.
إنّ دماغنا جائع للمعرفة ويعاني نقصا في المناعة فيتآكله المرض والجهل.
غذاؤه وعلاجه الكتاب والقراءة والفن. فمع قلة القراءة الى حد انعدامها يجعلنا اسرى التقوقع وعدم الانفتاح وتقبل الاخر من واجبنا ان نعيد الثقة بالكتاب والتحفيز والتشجيع على القراءة بكافة انواعها موضوع سوف يتناوله انطوان سعد:
- طبيب متخصص في الامراض العقلية والعصبية من جامعة باريس 11 سنة 1997 - وفي علم السلوك الدماغي من جامعة aix Marseille سنة 1999 .
- تدرّب على البحث في علم المشاعر والانفعالات في جامعة ايوا في الولايات المتحدة الاميركية
- له اهتمامات وابحاث في الطب الفكري الجسدي وعلم اللاهوت الدماغي وعلم السياسة وتفاعلها مع وظائف الدماغ
- محاضر في عدة جامعات بمواد تتناول علم الفكر والدماغ والنفس
- يمارس عمله العلاج اليومي في عيادته الخاصة وفي عدة مستشفيات
- يعمل على اصدار كتاب بعنوان "العقل السعيد"
- يقيم دورات تدريبية للاشخاص والشركات بموضوع كيفية النمو الذاتي وتفعيل القدرات الشخصية
- مؤسس جمعية Feel الغير حكومية للبنانيين المثقفين عاطفيا.
ملخّص عن محاضرة نداء أبو مراد: فعل الموسيقى في النفس بين نشوتَي الاضطراب والهدوء
يقدّم نداء أبو مراد مقاربة على أساس مزدوج موسيقولوجيّ وأنثروبولوجيّ ثقافيّ لموضوع فعل الموسيقى في النفس البشريّة، بخاصّة من زاوية مفهوم النشوة في شكليها الاضطرابيّ (transe)والهادئ (extase)، وفي انسحابه على الأمور العلاجيّة. ولا شكّ أنّ الموسيقى في ارتباطها بالبعد الطقسيّ للمنظومات الدينيّة، في أشكالها المتعدّدة السماويّة التنزيهيّة والوثنيّة الحلوليّة، كوّنت على مدى التاريخ وفي البوتقات الثقافيّة المتعدّدة علاقات قويّة بين أنظمتها اللحنيّة والإيقاعيّة والإنتاجيّة وبين العناصر البنيويّة للعبادات. وتتجلّى نمذجة العناصر الموسيقيّة على أساس عباديّ من خلال القوالب الإيقاعيّة والإنتاجيّة. فالقوالب المبنيّة على الحركة الجسديّة - إذًا على الإيقاع الدوريّ الحركيّ التكراريّ الصاخب - تقترن بالنموذج العباديّ الوثنيّ المعتمد على ظاهرة النشوة الاضطرابيّة (transe)، في حين تقترن القوالب المبنيّة على تنغيم الكلمة - أي على الإيقاع الوزنيّ الكلاميّ - بالنموذج العباديّ التوحيديّ الإبراهيميّ المستند إلى تبليغ الرسالة الإلهيّة، وصولاً، في الأطر الصوفيّة، إلى حال من النشوة الهادئة أو الانخطاف (extase). أضف إلى ذلك أنّ الأثر النفسيّ للعناصر الموسيقيّة يعتمد أيضًا في أساسه على موضوع الشدّ (tension) والإرخاء (détente)، أي على مدى التلاؤم النسبيّ للمسموع مع السويّة النظاميّة للتقليد الموسيقيّ المرجعيّ. تنسج هذه النماذج الأصليّة في ما بينها نماذج متنوّعة يتشكّل على أساسها جلّ النتاج الموسيقيّ في العالم، بحيث يمكن متابعة معادلة الفعل الموسيقيّ في الألوان الموسيقيّة المتعدّدة من خلال مدى الحضور النسبيّ فيها لذلك النموذج العباديّ الموسيقيّ الأصليّ أو ذاك الآخر. وتشهد الأنثروبولوجيّة الثقافيّة على انخراط الموسيقى في الطقوس العلاجيّة التقليديّة في العالم، ويمكن فهم مكنوناتها على أساس الرابط القائم بين الأنظمة الموسيقيّة وأنظمة النشوة.
Abstract of Antoine Saad's