حفل توقيع ديوان "وحدي بلا حالي"
 للزميل الشاعر قزحيا ساسين،
 في الحركة الثقافية ـ أنطلياس

2010/4/20

 

كلمة الشاعر أنطوان مالك طوق

صار... نحّات الهوا

أوّل ديوان لْ قزحيا ساسين كان عنوانو: "نحّات الهوا". هالديوان ـ وهوِّه السادس بعد رحلة تلاتعشر سنه ـ عنوانو: "وحدي بلا حالي". غلطه كبيره: أوّل عنوان كان لازم يكون السادس، والسادس يكون الأوّل. ليش؟! لأنّ قبل أوّل ديوان كان قزحيا وحدو بلا حالو، وعم يفتش عا حالو، ومع هالديوان أكيد إنّو صار قادر ـ بالشعر ـ ينحت الهوا.

خلّوني قلكُن ـ وأنا بعرف ـ قزحيا فتش عا حالو كتير قبل أوّل ديوان. كان جوّاتو في شاعر كبير بيخيِّل وبيمَيْدِن، ومش عم يعرف يطلع، مش عم يقدر يفلت. سنين قضّاهُن قزحيا مع القصيدِه لْ كانت بالحلم مش بالإيد، وسنين هوِّه وعم يتدفّا بـْ تلج "حدشيت" عا ورق القصايد. ولأنّو هيك طلع كبير من أوّل طلِّه... ولأنّو هيك صارت قصيدتو حلم لْ إيدَيُن ما بتطال القصيدِه، وصارو لْ بيحبّو الشعر يتدفّو عا جمر دواوينو.

قزحيا ساسين ما فات عالشعر تهريبِه، أو تزويره... فات حامل تزكرتو وشهادة العماد و"حدشيت" عم تدقّ جْراسا... فات بالموهبه اللّي اشتغل عْلَيَا متل الجوهرجي، والمعرفه لْ قَطَفا بـْ سهَر لْ بيبوس خدّ الصبح... فات بالعرق لْ بيشوف حالو عا عرق سيزيف، والصبر ل بيحسدو عليه أيوب.

...

لمّن فلت الشاعر لْ جوّات قزحيا، لّحقو بقا نْ فيك تلحّقو... ولحّق عْليه.

بيقلّك: شايف هالزهره النايمه بين الحجار عا راس الجرد؟

بتقلو: لأ...

بيروح قدّام عينيك، وبيجيبا.

بيقلك: شايف هالإلماسه تحت تحت بـْ كعب الأرض؟

بتقلّو: كبِّرْ عقلك يا زلمه...

بينزل قدّام عينيك، وبيطلِّعا.

بيقلّك: شايف هالميدان قدّيشو واسع وقدّيش فيه فرسان؟

بتقلّو: شايف.

بيقلّك: بْغبّرو وبفَضّيه؟

بتقلّو: لا تزيدا...

وبيزيدا... ولمِّن بتروق الغبره، بتلاقيه واقف وحدو... واقف وحدو عا صهوة حصانو وما في حولو إلا سيوف وترُوس مكسّره.

ولّحقو نْ فيك تلحّقو... ولحّق عْليه.

*****

يا ما في ناس بيقولولي: إنته محزَّب لْ قزحيا. معصّب لْ قزحيا. إيه. إيه. أنا محزَّب ومعصَّب لْ قزحيا، ولْ كل قزحيا تاني. لْ كل شاعر كبير متل قزحيا. ومن مَيْل تاني أنا محزَّب ومعصَّب ضد تلاته: الشُعَرَا لْ ما بيشوفو إلا حالُن، والشُعَرَا لْ ما بيشوفو إلا لْ بيشوفوُن، والشُعَرَا لْ مش خَرْج ينشافو.

لمِّن بتطلّع بـْ ساحة الشعر اللبناني وبيطلعو هالتلاته بـْ وجّي بيزقّ عقلي... بِزْعل كتير، وبَغْضب كتير،  وبْسبّ كتير... ما فيني إتحمَّل لا الشَوْفَه ولا الريحه... الريحه الطالعه من مرضَيْن ما إلُن دبّار: عداوة الكار، والجبانه.

خلّوني خبِّركُن عن عداوة الكار:

بالنسبة ليّي كل شاعر ـ مش شُوَيعر، ولا قِرْزام (وهيدي الكلمه من الفصحا ومعناها الشاعر الرديء الدون) ـ بيكبّرلي قلبي، وبيرفعلي راسي، وبيحسّسْني إنّي أقْوّا ومتعافي أكتر. ولَوْ فيني ضوّيلو نجوم جداد ما بتأخَّر. وهون! بـْ هالزاويه بالزات، ما بلاقي واقف معي إلا قْلال... القْلال لْ ما بيفكّرو إنّو إذا في شاعر إلو هامِه عاليه رح تنقص هاماتُن شقفِه، ولْ ما بيخطر بـْ بالُن إنّو إذا في شاعر حامل قمر رح تبطِّل قْمارُن تدور. القلال لْ ما بيجرّبو يخبّو سراج لْ بيضوّي تحت المكيال تا ما تبيّن شْموعُن مطفيِّه، ولْ ما بيجيبو مكبّرات الصوت لِلّي لسانو أقرط تـَ يحافظو عا دَوْر ديك الفصيح.

وعن الجبانه (لْ في ناس بيسّمُوا: لياقه. وناس: عياقه. وناس: لباقه. وناس: حُسْن دبّار. وناس: حُسْن جوار) اسمحولي قلّكن:

كتار كتير لْ بيفَرْشو عالرايح والجايه، والطالع والنازل، لْ أيّا حدا لابس طقم شاعر مْبَهْبَط عْليه، وشاريه من "بالات" التفاهه.

وكتار كتير لْ بيرِشّو الورد عا عريس مشنكل قصيده طالعه طازه من التابوت، وجايه عا ساحة الشعر يشحد شْهود زواج.

بس قلال كتير اللّي بيسترجو يقولو لْ صُوص مْطَوْسَن عم يتطحّم تـَ يفوت عالساحه: اعطينا عَرْض كْتافَك.

وقلال كتير اللّي عندُن جرأه يقولو لْ تمسال مسقّع: إنتِه حَجَر، والشعر مرجةْ زهْر.

ويمكن هلّق حدا بيناتكُن يقلّي: شو فتحك هالسيرِه؟

اللّي فتحني ياها هوِّه إنوّ كل كلمه حلوه قلتا بـْ قزحيا، شُعَرَا كتار شافو فيا تهمه لْ إلُن بالبشاعه أو التقصير، وناس كتار مفكّرين حالُن شُعَرَا اعتبروا إّنا عدوان عْلَيُن. ومينو اللي قلّي؟! عيونُن قالتلي. بساط الجليد لْ مدّوه بيني وبينُن قلّي. وحكي القَفا قلّي.

ويمكن كمان حدا يقلّي: مين اللّي حاطَّكْ حَكَم؟

عندي جوابين:

الأوّل: ما حدا... ما حدا حاطِطْني... أنا عم قول رأيي، لا مستحي ولا فزعان، ولْ بدّو يناقش يتفضّل.

التاني: إيه، أنا بحطّ حالي حَكَم لمِّن ما بيتلاقا حَكَم، ولْ ما بيعجبو حُكْمي يبقا يحاكمني.

ويمكن حدا تاني يرجع يقلّي: يا حَكَم لْ حاطِط حالك! عا أيش مسنود تـَ تقول إنو قزحيا شاعر كبير؟!

هَيّنِه...

الشاعر الكبير ـ متل كل الخلاّقين الكبار ـ هوِّه لْ بيضلّ يروح لْ قدّام، وبيضلّ يعربش لْ فوق، مش لْ إزا ما رجع لْ وَرَا بيدور بـْ أرضو وبيراوح محلّو.

الشاعر الكبير هوِّه إللّي لمِّن بيشوف حالو إنّو ما عاد عم يقدِّم ويعربش، بيسكت.

الشاعر الكبير هوِّه لْ بيضلّ يتحلاّ وبيضلّ يشبه حالو، بسّ لا بيشبه حدا تاني، ولا بيكرِّر حالو.

الشاعر الكبير هوِّه خابية النبيد لْ كلّ ما عِتْقِت بتطيب، مش فخّارة الميّ اللّي بتشرب حالا وبتفضا.

قزحيا ساسين بعدو عم يقدّم، ويعربش، ويتحلاّ، ويطيب... وهادا "وحدي بلا حالي" مليان شهود. وأنا مأكّد إنّو قزحيا يوم لْ رح يحسّ حالو ما عاد عم يقدّم، ويعربش، ويتحلاّ، ويطيب، رح يسكت. بــْ وقت اللّي كتار هلّق عم يضجّو بـْ ساحة الشعر، وكان من الأوّل لازم... يخرسو... أو يتخَرْسنو.

عْرِفْت ليش قزحيا ساسين شاعر كبير؟

 

قزحيا ساسين... وحدك

كلمة جوزف أبي ضاهر

 

كان عم ينحت الهوا، تعب، قعد يرتاح، وحدو... وبلا حالو.

التفت حواليه، ما شاف حدا، مدّ إيدو وشال من ضلعو مرا تا يكمّل، وتِكْمَل حكاية البيت، ويعْمَر، كل ما انزاد ع شبّاك من شبابيكو نجمه.

***

ع غفله، أخد إسواره من «علبة الفيّ»، ومشي ع السكت، في غيمتين بينقزو، وبيتلجو.

... ويتلجو حَكي وعينين، ومرا حلوه. غمر حالو فيا... وكذب عليا.

ـ كذبه بيضا؟

وتكون ملوّنه، أحلا.

قلاّ: «لْـ متلك، بـ العمر مرّه بتنغمر... مرّه، ومش مرّتين».

صدَّقت... وصار يغويا، بـ العمر، بـ الجمر، بـ اللاوعي، بـ الخمر... وقنّعا إذا بتدوق، بيتركا توقاع ع صدرو.

دَاقت... بلّش المشوار.

الشعر مشي حدّو. مرّه يتطلّع عليه، ومرّه يتطلّع عليا. مش قادر يصدّق إنّو هـ القدّ بيقدر يسمع كلام حلو، وبيقدر يخبّي بـ جيابو صور ما بتنعدّ، ووشوشه...

ألله... شو طيّب الحبّ، الـ بيخلق من قلم شاعر وبيعيش جوّات القلب.

أيّا قلب؟

مش ضروري هـ القدّ تسألو. بـ قلبو، بـ قلبا، بـ قلبنا، بـ قلب كتاب.

المهم... ألله يعيّشو.

***

بـ الشوق، الشاعر بيحسّ حالو أكتر من حالو، أكتر من رجّال. تنقول عشر رجال.

كلّن بيتسابقو، ويا وقعتو إنما وقعت بـ قلبو... وينسى إنّو كلهن قلبو.

أف، شو بيحبّ حالو بـ حبّو إلا، بـ لهفتو، بـ صورة البحر، وإيدو ع خصر العاصفه زنّار، لَ وقت ما يهدا الموج، «وتبكي، تَ يعرف إذا البحّار بيغرق بـ دمعة مرا».

وتنصدّق إنّو عرف، شو رح يتغيّر؟

ولا شي.

ع حدود آخر زيح، بين شط الجسم وشط القصيده، بيقعد، «مشتاق من عيونو يطلّعا، تَ يقشعا». ويقشعا، وما يكتفي، ما يردّ إيدو... وما ينعرف مين الكَرْم، مين القطف، مين انقطف، وتفيض المحبره من المعصره، يغمّس إيديه، وهوي عارف، إنّو مش ضروري كل ما انقطف عنقود، وانعصر بـ كاس، تخلق قصيده.

عَدَد الكاسات أكتر من عَدَد القصايد، وأكتر من عَدَد الشعرا... وأقلّ من عدد المنحبّن.

كتب الشعر اللي بتنقرا، بتنحسب ع عَدَد الخطوط بشفّة المرا ـ القصيده.

ما بيقدر الشاعر الحقيقي يقلّد حبّ غيرو، ولا يلبس تياب غيرو.

والشعر، منّو خدعة ألوان. المبالغه إذا كانت بنت اللهفه، ما بتوقع ع يباس.

بـ العكس، بتنزل ع خصوبه، بتنبت فيا، بتوسع مساحات الزّهر والعطر... ما شفتو كيف النحل عم يطير، من كل صفحه، بتفتحوا بكتاب قزحيا؟

الكتاب هويّه لَ حبيبه بـ جسم واحد، بـ أكتر... المهم، إنها مش حوريّه بتخلق من الأسطوره، أو بتطلع من البحر لـ صيادين بيحلَمو تغافلن بـ ليله ما فيا ضوّ قمر، وتقعد بـ مَراكبن.

حبيبة الشاعر، ولو إلا إسم وهويّه، وبيت، وعطر، وتياب حلوين، ومرايه ما بتشبع منا.

حبيبة الشاعر، هوّي بيخلقا، هوّي إمّا وبيّا وعشيقا. وما بتنخدع إذا صدّقت عينيه الـ بيحكو خطف، أو شفافو الما بيعودو يسكتو، كل ما تسابقو هنّي والإيدين تيلبسوا تاج الشعر.

***

الشعرا بيخبّو وجوه حبيباتن بـ حروف القصايد، وبيعرفو إنّو القصايد ما بتتأمّن ع سرّ.

القصيده مرا، والمرا قصيده، مرايه، وكيف بدّو السرّ، بين حالو وحالو، يعني بين تنين يبقى سرّ؟

وع سيرة المرايه، بعد ما تخلص القصيده، وتفل المرا من حياة الشاعر، أوّل شي بيعملو، بيركض يتطلّع بـ المرايه، بركه... بركه نسيت شي من ملامح وجّا، من خيالا، من عطر تيابا بـ مسام المرايه... بيسكّر علين.

ما رح يردللا ياهن، ولو دابت من الشوق.

***

إذا إنسان حبّ، أي إنسان بتنزاد ع مملكة الأرض سجره، وإذا شاعر حبّ، بيزهّر كل سجر الأرض، كل حبّ الأرض، ويا حظ اللي بتوقع ع إيدو زهره، ينتبه، يخبّيا بـ صدرو، حدّ القلب الـ بدّو يدقّ ع غَفله، ويمكن ينزاد ع الدني شاعر وقصيده إسما مرا.

الشعر الما بيخلق من الحبّ، أي حبّ، بيضلّ ناقص.

***

قصايد قزحيا ساسين فيهن شغل جوهرجي، بيحب الدهب. بيعشق اللولو، المرجان، الزمرّد، الفيروز، الياقوت... وطمّيع، ع شوية ملعنه. بدّو ياهن كلّن، وع ذوقو، وبـ فرد إسواره، بـ فرد خاتم، بـ فرد تحفه... لَ أكتر من مرا!

... ويشتهو كل اللي بدّن يشتهو، قدّ ما بدّن.

***

يا صديقي الشاعر العاشق، يا الـ قاعد وحدك... وبلا حالك.

لمّا يخلص الحكي عن كتابك، عنّك، عن حبيبتك، ويسرّبو كل اللي ع المرسح، رح تتنهّد حبيبتك. رح يتنهّد كتابك... خيّ.

ـ صار فينا نقعد وحدنا، ومن دون ما حدا يشوفنا، ما كلّن فلّو، وسرّبو.

خيّ،

صار فينا نحبّ ع ذوقنا، وقدّ ما بدّنا، وما حدا يربّحنا جميله، إنّو ما حكي، وهوّي، عم يتنقوز علينا من فتحة الكتاب، ويشتهي، وما يسترجي يقول.

***

يا صديقي قزحيا،

يا هـ الشاعر العاشق، الغريب، بـ زمن البشاعات والحقد. رح تبقى وحيد، متل كل الغربا، الْ سَبَقتن القوافل، وما قِبلو يكونو بأي قافله، لا تابعين، ولا متبوعين.

بقيو مندورين لـ «رغبه مقدّسه»، قبل ما تعلن المراجع العليا قداستا.

رغبه مقدّسه؟

إي، ورح نضلّ نصلّيلا، ونحبّ، ونركض، ونركع، ونرتفع ع الصليب كرمالا، لَ أبد الآبدين ودهر الداهرين... آمين.

 

مغامرة القصيدة القصيرة

 

كلمة عصام العبدالله

 

من كثرة ما "تناوط" ليقطف زهرة الشعر العالي، صار طويلا. ثمّ لمّا قطفها رفعها وسع مداه.

وأنا لا أتسلّقه لأشاركه الذبيحة وهو يرفع ذراعيه مستسلما للهواء، أخاف أن يميد بي، إذاً أرفرف وأهبط عليه من فوق، وأتفرّج على المخيّلة وهي تتناول الحديقة والنساء.

هو قزحيا ساسين الذي أراقبه منذ زمان طويل، وأركب معه، وأدّعي أنّني أعرفه، وأقرأ له وفيه.

في كتابه الجديد "وحدي بلا حالي" يقترف قزحيا مغامرة القصيدة القصيرة حين في ضربة واحدة يقع القصر أو صاحبة القصر.

من أحوال القصيدة القصيرة أنّها كمين. كمين مفاجىء ومدهش. كمين معجِب. وقزحيا ينتبه جيّدا، ويدير قصيدته تماما على اللمعة الأولى التي يرويها بصناعة حكائيّة منضبطة وخاطفة.

يجتهد قزحيا ساسين في العثور على ما لم يُقَل بعد. أين يكون ما لم يُكتَب بعد، حتى نستطيع العثور عليه؟ إنّه لا يكون. نخترعه حتى نعثر عليه.

قزحيا ينجح غالبا، وأقول غالبا محمّلا ضميري ضريبة محبّته.

مع ذلك هو يظلّ في الحديقة لا يحبّ المدن قزحيا. يلعب في الحديقة، لا يلعب، يعيش فيها. الحديقة مرجعيّته التخييليّة. وكم يصير صعبا أن تظلّ تولَد في المساحة الضيّقة للحديقة والتي نظنّ أنّها واسعة كبستان. البستان ليس واسعا أيضا.

ما زال فتيّا قزحيا ساسين. ما زال عنقودا في العريشة الرائعة التي اسمها الشعر. سيأتي زمان الزبيب. سيأتي زمان الأسئلة الصعبة. وقزحيا يعرف إلى أين يقوده الطريق، ولو أنّه في كتبه الأولى داعب الأسئلة واكتهل بخفر الشباب الأصليين.

قولوا للأعمى المرتبك الذي يتسلّق الشجرة ليقطف عيونه. قولوا له أن لا يتسلّق ويتعذّب، ثمّة شاعر من السهل الوصول إليه إسمه قزحيا ساسين.