مداخلة د. عصام خليفة في ندوة مناقشة كتاب د. بطرس لبكي

"هجرة اللبنانيين: 1850-2018 مسارات عولمة مبكرة"

2019/4/15 

الدكتور بطرس لبكي الزميل المؤسس للجمعية اللبنانية للدراسات العثمانية هو عالم متعدد المواهب: التاريخ الاقتصادي، وعلم الاجتماع، وفي علم الاقتصاد، وفي علم الديمغرافية، إضافة الى كونه مهندساً وناشطاً في مجال الانماء الاجتماعي. ها هو اليوم يقدم للمكتبة اللبنانية موسوعة عن ملحمة الهجرة اللبنانية من 559 صفحة.

ليس من دوري، كمدير للندوة، ان اتوسع في تبيان الأهمية الاستثنائية لهذا المؤلف. وانما حسبي ان اتوقف عند بعض النقاط:

1-    يتناول هذا الكتاب في جزئه الأول الهجرة اللبنانية الحديثة بين منتصف القرن التاسع عشر ومطلع عام 1975 في الفترات العثمانية والانتدابية والاستقلالية الأولى.

وفي جزئه الثاني يتناول الهجرة اللبنانية اثناء الحروب بين 1975 – 1990.

وفي الجزء الثالث يعالج الهجرة بعد عام 1990 ونتائجها على المجتمع والاقتصاد والسكان.

وفي الجزء الرابع يعالج دور المغتربين في لبنان على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويختم بتوصيات.

2-    ترتكز هذه الموسوعة على : 21 ارشيفاً (محلي وخارجي)

59 مرجعاً باللغة العربية

34 مرجعاً باللغات الأجنبية

23 أطروحة بلغات عدة

72 مجلة عربية واجنبية

34 محاضرة ونشرة ومساهمة في كتب عربية واجنبية

12 صحيفة

36 مقابلة شفهية

3-    تتضمن الدراسة 173 جدولاً وعدداً غير قليل من الرسوم البيانية، مع توضيح المرجع او المصدر الذي ارتكزت عليه تلك الجداول والرسوم.

4-    رغم الجهد الضخم الذي بذله عالمنا فقد حمله تواضعه الى القول: "ان تاريخ الهجرة اللبنانية الديمغرافي لا يزال ناقصاً ويحتاج الى من يقوم بوضعه بشكل دقيق" (ص 36) مع العلم ان ما ورد في هذا المؤلف فيه نقلة نوعية حولت البحث في الهجرة من الكلام الانشائي الى الجداول والأرقام والى التحليل الموضوعي الذي يربط التاريخ بالاقتصاد والاجتماع والتربية والسياسة.

5-    وجود صور لبعض الوثائق التي تساهم في تدعيم البحث. وهناك ملحق بالمقاولين والمصارف والشركات الصناعية التي أسسها مغتربون لبنانيون.

6-    رصد مدهش لاعداد المهاجرين سنوياً: الأماكن او القرى التي هاجروا منها، اعدادهم، والأماكن التي هاجروا اليها، جمعياتهم ومؤسساتهم الاقتصادية والتربوية والإعلامية والدينية وغيرها.

7-    عرض مفصل للمؤسسات التي أسسها المهاجرون في مجالات الصناعة والتجارة وغيرها: أسماء أصحابها، مواقعها، رساميلها، عدد العاملين فيها، ونوع المصنوعات او السلع التجارية.

8-    تتبع طوائف المهاجرين، واوضاعهم العائلية كمعدل أعمارهم، واعداد الرجال والنساء، ونسب العازبين والمتزوجين، مع سنوات الهجرة والمحافظات التي نزحوا عنها.

9-    عند عرض الأوضاع الاقتصادية المؤدية للهجرة يعطي الباحث تفاصيل دقيقة عن الأوضاع الزراعية والصناعية وغيرها وانعكاسها على تطور عدد السكان في شتى المناطق والمحافظات، وهي معلومات قلما يمكن الاطلاع في مراجع كثيرة.

10-                       في مرحلة الحرب يدقق المؤلف في خسارة الوطن لكفاءاته 42% من المهندسين هاجروا بين 1975 و 1977 و 15% من الأطباء والمحامين هاجروا في نفس هذه الفترة. يدخل في تفاصيل مهن المهاجرين واعمارهم وطوائفهم والبلاد التي رحلوا اليها. حتى انه يذكر أماكن العبادة لهؤلاء المهاجرين ومؤسساتهم المختلفة (مدارس، جمعيات، وأحزاب) ويلاحظ ان النتائج البنيوية للهجرة في هذه المرحلة كانت قاسية جداً وكانت سلبية على مستوى المجتمع وعلى المدى الطويل. فكلفة الشخص الذي اتم دروسه الجامعية (ما بين 150 الف الى 250 الف دولار) وبذلك تكون الخسارة السنوية لهجرة الجامعيين 1.3 مليار دولار سنوياً.

11-                       هدد الجامعيين اللبنانيين الذي هاجروا بين 1975 و 1996 هو 233256، 23.9% منهم ذهبوا الى الولايات المتحدة. بينهم 2996 مهندساً و 1758 طبيباً.

12-                       يعرض د. لبكي تحويلات المغتربين اللبنانيين ونسبة مساهمتهم في الدخل الوطني بين العامين 1951 و 2018.

13-                       في الخاتمة يتقدم ببعض الاقتراحات يمكن ان تتبناها الدولة: كايجاد قاعدة بيانات كافية عن كل المغتربين، ونشر التراث الثقافي اللبناني على كل المهاجرين واحفادهم، وتعزيز قنوات الاتصال بينهم، وربطهم بقضايا الوطن المصيرية.

في الخاتمة لا يخفى على الباحث ان التأثير السلبي للهجرة كبير جداً فهي تحرم البلاد من القوى الحية التي تتمثل بالشباب الامر الذي قد يؤدي الى شيخوخة السكان ويؤدي ايضاً الى استخدام العمالة الأجنبية. وفي ظل وجود 3.7 مليون غير لبنان حالاً – بحسب إحصاءات د. علي فاعور – فهذا الامر قد يعني توجهاً لتغيير خطير في هوية الوطن الديمغرافية.

ويا صديقي بطرس،

انا ايضاً مثلك ولدت في بيت ملأت ذاكرته الهجرة. فلولا جدي الذي هاجر الى الاوروغواي لما تمكنت من متابعة دراستي الثانوية والجامعية. وانا اعرف جيداً من خلال ابحاثي التاريخية خاصة في اهوال مجاعة الحرب العالمية الأولى انه لولا مساعدات المهاجرين لأهلهم في الوطن لما كان هناك بقاء للأكثرية الساحقة من العائلات ولما كان قام لبنان الكبير بعد الحرب العالمية الأولى.

وآمل ان يكون كتابك، كما ختمته في ص 479 منطلقاً لمواجهة الاخطار القريبة الداهمة، لكي يتمكن مجتمعنا من تحقيق الإصلاح والعدالة الاجتماعية وإعادة بينا الدولة والمجتمع على قاعدة صلبة والانتصار على ما يخطط لنا من سيناريوهات الانهيار والتخلف.

______________________________

مداخلة سمير شمّا

الاغتراب. كأنه قدر الذين ولدوا على هذا الشاطىء الشرقي للبحر المتوسط. منذ فجر التاريخ استجاب بنو قومنا لنداء المجاذيف فانتشروا في مشارق الأرض ومغاربها. وكتب ميشال شيحا: "نحن أمة المفطورين على السفر، موجودون في كل مكان. نحن أشبه بتلك الطيور المهاجرة التي ترحل في كل فصل من قارة الى أخرى، لا بُدّ لنا من خوض العباب".

هذه الظاهرة. أهي نعمة أم نقمة؟ الذين غادروا هذا الوطن، ما هي احتمالات وظروف عودتهم؟  هل تبقى مشاعرهم وهويتهم وتطلعاتهم لبنانية كمثل من بقوا، أم ان حقائق الحياة وأحكامها قضت وتقضي باندماجهم في عالمهم الجديد وانتمائهم إليه؟ أوضاع من غادر الى الأميركيتين واستراليا وأوروبا، ألا تختلف عن أوضاع من غادر الى القارة الافريقية؟ ومن هم في دول الخليج هل هُم حقاً مغتربون أخذاً بالمفهوم التقليدي للاغتراب؟ ماذا في شأن المتحدرين منهم وعلاقاتهم بالوطن القديم؟ مشاركتهم في الحياة السياسية والانتخابية أهي مقاربة واقعية أم ان موانع عديدة تبقيها في عالم المرتجى والاحلام البعيدة التحقيق؟ عطاءاتهم التاريخية للوطن- الأم: دعماً سياسياً لقضاياه ولما يواجهه من أخطار ومساهمة اقتصادية في بنائه وإعادة تعافيه. ما هي الشروط الواجبة الوجود لفعالية هذا «اللوبي اللبناني». لبنان! ذات يومٍ كنا نخشى هجرة ابنائه منه. اليوم يزداد قلقنا من اللجوء والهجرة إليه.

من منظار تاريخي - سوسيولوجي وأكاديمي عالج الدكتور بطرس لبكي ظاهرة هجرة اللبنانيين: جذورها الضاربة في جغرافيتنا وعمق تاريخنا وصولاً الى الأزمنة الحديثة، جاهداً لاستشفاف المستقبل وما تخبىء لنا الأيام. تابع، شخصياً، هذا الموضوع ما يقارب النصف قرن. متخصص هو في الاقتصاد، شغوف بلغة الأرقام تضيء على الحقائق كما هي. غايته، كما جاء في مؤلفه القيّم «تبديد العديد من الأوهام التي تتحكم بسلوك قادة الرأي والسياسة  في شأن قضية الهجرة».

جاء في كتاب الدكتور لبكي: «السؤال الذي يطرح نفسه هو جنسية وهويَّة هؤلاء المهاجرين وأحفادهم. هل ما زالوا يشعرون بأنهم مرتبطون بلبنان؟» يشكل هذا التساؤل البالغ الأهمية المعبَر الالزامي للوقوف على حقيقة هؤلاء المغتربين : من هم؟ ما هي هويتهم؟ وماذا عن انتماءاتهم؟

الذين ولدوا في لبنان وغادروه الى بلاد الله الواسعة تتنازعهم مشاعر متناقضة. ما أبلغ تعبير انطوني شديد - مراسل جريدة النيويورك تايمز- في كتابه «منزل من حجر». وصف مشاعر هذا الإنسان- المهاجر: «إنه رجل معلق بين مكانين: عالمه الجديد الذي يشعر فيه أنه غريب، ومكان آخر- عالمه القديم- الذي لم يعد ينتمي اليه». المهاجرون الجدد: يعاهدون أنفسهم وأحباءهم على العودة، يعيشون حنيناً الى الوطن-الأم، تلزمهم هذه «النوستالجيا» كما دعاها شفيق معلوف شاعر «عبقر» و«نداء المجاذيف»، فأنشد:

لبنان فاقد للغيَّاب/ ومن كتر شوقو تلجو داب

تلجي تسدّ عليّ الباب/ ولا الغربة خارج بلادي

عاش حنيناً الى بلاد الأرز، عاود زيارتها، ليعود  في النهاية الى البرازيل، يستقبله من أعالي «جبل السكر» في ريو دي جانيرو- تمثال يسوع المخلص، باسطاً ذراعيه مردداً: «تعالوا إليّ أيها المتعبون وأنا أريحكم»... حقائق الحياة وظروفها العائلية والمجتمعية أقوى من المنى وأحلام العودة.

المتحدرون منهم: هؤلاء الذين ولدوا على غير أرض لبنان عاشوا تحت سماء أوطانهم الجديدة، تنشقوا هواءها، شربوا من مائها وخمرها، تكلموا لغتها ونشأوا على ثقافتها وتقاليدها، حتى صاروا منها وفيها مواطنين حقيقيين. تسأل أبناء المغتربين في البرازيل، المكسيك والولايات المتحدة. أأنتَ لبناني؟ فيجيب: «والدي كان لبنانياً. أمَّا أنا فبرازيلي، مكسيكي أو أميركي، غير أني فخور بجذوري اللبنانية. هي هذه هويتهم الجديدة بمعنى الانتماء والجنسية والموروثات الثقافية والمجتمعية.

هذه العودة المرتجاة أتلزم جميع من هاجروا أم ان ثمة تمايزاً واستثناءات؟ في «هجرة اللبنانيين 1850 - 2018 مسارات عولمة مبكرة» ونتيجة أبحاثه التاريخية، يؤكد بطرس لبكي أن «الهجرة الى أوروبا، استراليا وأميركا يطغى عليها الطابع النهائي. في استراليا نية العودة شبه معدومة. أما الهجرة الى الدول العربية وافريقيا فيطغى عليها الطابع المؤقت».

إضاءة المؤلف على هذا التمايز تبدد غموضاً وضبابية وتستبعد النظرة الأحادية الخاطئة الى قضية المغتربين. مقارنة قضاياهم في الأميركيتين وأستراليا وافريقيا ودول الخليج بمنطق واحد ورؤية مشتركة تتغافل عن تعددية واختلاف تجاربهم، تؤدي الى تعثر في الوصول الى ما يبتغيه لبنان منهم وضياع ما يرجوه.

في ضوء المفهوم التقليدي لا يُعتبر الذين غادروا الى الدول الخليجية مغتربين، فلا إلى الغرب هاجروا ولا شعروا بالغربة التي عانى منها من رحل الى الأميركيتين. أمغتربون هم؟

الأنظمة السياسية لهذه الدول المضيفة إضافة الى أحكامها القانونية لا ترتضي بهم رعاياها حملة جنسيتها، كما في الأميركيتين واستراليا وأوروبا.

أما الاغتراب الى القارة الافريقية فهو في المنزلة بين المنزلتين. مَن هم هناك عينهم على البلدان التي استضافتهم وعين على لبنان. وعلى نقيض من هاجر الى الأميركيتين وأستراليا، فقد عاد الكثيرون منهم الى لبنان ليعمروا القرى التي أبصروا فيها النور، فكانت إقامتهم الافريقية مؤقتة. والذين بقوا هل يعودون؟ هذه الفرضية تحكمها ظروف ومقتضيات الأوضاع الأمنية والاقتصادية والآفاق المستقبلية في لبنان أو حيث هم. تتراجع الى حد بعيد احتمالات عودتهم إذا ما استمرت الأزمات عندنا وبدا أفق الغد مظلماً وقد يبحثون عن أوطان بديلة.

ولا ريب أن أبحاث بطرس لبكي تأخذنا الى هذه الحقائق إذ أنها تعتمد وقائع وأرقاماً ووثائق رسمية لبنانية وأجنبية وشهادات ومقابلات واطروحات جامعية.

ويتحدث المؤلف عن مقاربة الحكم اللبناني وقيادات رأي وسياسة لقضية الاغتراب داعياً الى اعتماد سياسة واقعية من شأنها «تبديد العديد من الأوهام التي تتحكم بسلوك قادة الرأي والسياسة» كما ورد في كتابه. في الأوهام والرؤية الرومنسية - السوريالية والعثرات وسوء الفهم والتفاهم.

يحضرني هنا «مهاجرون في أميركا الأخرى» كتاب الأب سليم عبو الصادر في العام 1972 حول الإنتشار اللبناني في الأرجنتين. إنه خلاصة مشاهدة عيانية ومعايشة شخصية مضافة الى أبحاث سوسيولوجية استندت إلى لقاءات وندوات مع المتحدرين. ينتهي الأب عبو الى هذه الحقيقة: «إن ثمة سوء تفاهم جوهرياً بين الدولة اللبنانية ومَن هاجر من أبنائها والمتحدرين منهم. فالدولة تريد وترغب في اعتبارهم مواطنين لها بكل ما في الكلمة من معنى فتنتظر منهم موجبات نحوها. استثمارات اقتصادية ودعم سياسي، وتعبّر عن سخطها اذا لم يفعلوا. والحقيقة أن المهاجرين، أقلّه الذين غادروا الى الأميركيتين واستراليا، صاروا مواطنين حقيقيين في البلاد التي احتضنتهم يرغبون في إقامة علاقات ثقافية مع الوطن الأم.

علاقات ثقافية؟ الرابطة التي ضمّت المغتربين والتي نشأت في المؤتمر الذي عُقد في 15 أيلول 1960 حملت اسم «الجامعة اللبنانية في العالم». في كلمة وزير الخارجية آنذاك فيليب تقلا دعوة الى إبعادها عن السياسة مذكِّراً بالقول المأثور: «ما دخلت السياسة شيئاً إلا وأفسدته". ورغبة في إبعاد السياسة بمفهومها التنازعي الضيق عن هذه المؤسسة، تلاقت آراء نخبة من المفكرين اللبنانيين- البرازيليين يتقدمهم البروفسور الفردو بوزيد - وزير العدل لاحقاً في الحكومة البرازيلية - على اعطائها مضموناً ثقافياً، فباتت «الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم». عندما التقيت هذه النخبة في سان باولو صيف العام 1968 أبلغني البروفسور بوزيد أن الذين ولدوا على غير أرض لبنان هم حاضر هذه المؤسسة ومستقبلها. أكدّ أن الثقافة تعني عودتهم الى تاريخ لبنان وعطاءاته، إنها التباهي بالقيم اللبنانية التي يحملون، إنها الإيمان بوطن الآباء والأجداد، إنها الدفاع عن كيانه وتجربته الإنسانية الفذة ورسالته وقضاياه العادلة متى واجهته الأخطار، إنها «اللوبي اللبناني» الحقيقي.

دعوة الدكتور بطرس لبكي الى المقاربة السوسيولوجية - الواقعية لقضايا الاغتراب تتلاقى مع نظرة السفير فؤاد الترك الذي عاش التجربة الاغترابية في الأميركيتين وترسّل لهذه القضية. لقد دعا السفير الترك إلى «إبعاد المغتربين عن كل ما هو سياسي، طائفي، حزبي، فئوي ومناطقي»، كما دعا خصوصاً في محاضرته «الى ايجاد منطق قائم على الواقعية والفهم العميق الواعي لظروف المنتشرين كي لا تكون الاوتوبيا والأوهام المجنحة والأحلام المجانية مجرّد دعوات هوائية تنفّر أكثر مما تشد».

إذا لم نعالج «سوء التفاهم» الذي تحدث عنه سليم عبو، إذا لم نتخلَ عن الأحلام والاوتوبيا التي تحدث عنها فؤاد الترك، اذا لم نعتمد على الحقائق والوقائع، حصيلة أبحاث بطرس لبكي، فإننا نكون كمن يأبى مواجهة هذه الحقائق، وكمن يطلب الزيادة فيقع في النقصان.

عندما تزايدت هذه النزعة وطالب أحد الزعماء السياسيين اللبنانيين بالعودة إلى الوطن ، انتفض الشاعر ايليا أبو ماضي الذي أنشد:

وطن النجوم أنا هنا/ حدّق أتعرف من أنا

انتفض قائلاً: ماذا يريد منّا الشيخ بطرس (يعني بيار الجميل رئيس الكتائب اللبنانية) ويلاحقنا الى هذا الحدّ؟ الشعر شيء والواقع شيء آخر. يا أخي نحن أميركان وكفى.

ويضيء الكاتب على ظاهرة مستجدة في الأزمنة الحديثة وهي هجرة اللبنانيين المسلمين، في حين أن الأكثرية الساحقة في تاريخ الهجرة هي من المسيحيين. الفتاوى والتوجهات الاسلامية التاريخية لم تشجع المسلمين على الانتقال والعيش في غير ثقافتهم وفي ظل حكم غير اسلامي مخافة ابتعادهم عن جذورهم وتقاليدهم الدينية ، فضلا عن أنها حذّرت من خطر اندماجهم في «بلاد الكفار».

في «مسارات العولمة» التي تحدث عنها بطرس لبكي تبدًلت هذه التوجهات، فقضت ظروف اقتصادية وأوضاع وتوترات أمنية، خصوصا «الحروب المتعددة الجنسيات في لبنان في العام 1975» ،كما دعاها، إلى أن أصبحت الهجرة تطال جميع الطبقات والطوائف المسيحية والاسلامية.

واقع خليق بالتوقف عنده واستخلاص العبر.

كما أشار الكاتب الى اختلاف جذري بين أوائل المهاجرين «حملة الكشة» ومغتربي اليوم والكثيرون منهم يمثلون «هجرة الأدمغة» الجرح الذي يدمي جسم الأمة. كما يذكر أن نسبة الجامعيين من مجمل المهاجرين متصاعدة حتى بلغت أكثر من 50 بالمئة في العام 2018. وما أبلغ تقييم شارل مالك لظاهرة الاغتراب اللبناني القديم والحديث عندما وصفها بأنها «فخر وعيب ومأساة. فخر بما يحققه المغتربون وعيب لأن لبنان لم يوفر لهم أسباب العيش ومأساة لأن الهجرة ذات ابعادٍ إنسانية وروحية». ألا يحمل طابع المأساة ما ذكره د. لبكي  من «أن هناك عددا كبيرا من اللبنانيين العاطلين عن العمل في استراليا تعيلهم التقديمات الحكومية. وقد قدرّت مراجع حكومية هذا العدد بثلاثين  في المئة من مجموع الجالية اللبنانية المقيمة في استراليا في العام 1986 والعديدون يعيشون في فقر مدقع».

****

واليوم. كيف تبدو لنا رؤية ومقاربة الحكم في لبنان والقيادات الروحية والزمنية والسياسية وتطلعاتها لقضية الاغتراب. إن ثمة تناقضاً وتعثراً وعبثية في التوجه نحو المغتربين. يخاطبونهم باللغة الآتية: لبنان مهدد في وجوده يواجه أزمة مصيرية، مشاكله الداخلية والاقتصادية متفاقمة. غارق هو في خضم الاغراب واللاجئين، «اللا لبنان احتل لبنان» كما في تعبير سعيد عقل، السفينة تترنح. وفي المقابل يدعونهم الى استعادة الجنسية، الى العودة المرتجاة، الى المشاركة في الحياة السياسية والانتخابية.

إقحام «المغتربين» في حياتنا السياسية والانتخابية دونه صعوبات ومصاعب، يثير حساسيات ولا يحل مشاكل، ترتاح له أحلامنا والطموحات، تأباه حقائق الحياة وأحكامها، يطرح مسائل قانونية، تواجهه قضية الولاء وحساسية أنظمة ذات توجهات قومية متزمتة. تواجهه خصوصاً الحقائق الآتية: حديثو الهجرة وبالتحديد الذين ينتمون الى أحزاب أو زعامات تقليدية ما زال «دمهم حامياً»، يتميزون بالتالي بكثافة حضورهم في الشأن الداخلي اللبناني. أما من غادر منذ زمن فبأي مقياس يحكم على مرشح للانتخابات النيابية في قريته أو منطقته وهو لا يعرف عنه شيئاً. لا ما يمثل ولا الأفكار التي يحمل، فكيف  في إمكانه أن يختار بين مرشحين قد يجهلهم جميعاً.

اعتبار قيادات لبنانية أن «خلاص لبنان سيأتي من الانتشار» و«الاغتراب هو منقذنا» و«لولا المغتربون لما بقي لبنان»، هو هروب الى الأمام ورغبة في عدم مواجهة الحقيقة في الوطن والسعي الى ايجاد حلول لها. إنها نزعة تحميل الغير مسؤولية هي في  غير موضعها. خلاص لبنان يبدأ باخلاص ابنائه المقيمين، جميع ابنائه المقيمين.

في إطار ابحاثه حول لبنانيي فرنسا يشير بطرس لبكي الى أن مساهمة لبنانيي فرنسا في إعادة الاعمار محدودة إن لم تكن عديمة الأهمية. فالمهاجرون، كما يؤكد، «ملدوعون بتجاربهم السابقة ويبدو أن صعوبات الحياة في لبنان تحبط عزائمهم». هذا التوصيف أقرب إلى وضع  الإصبع في الجرح لأنه يشير الى مكامن الضعف في إقامة علاقات معافاة بين لبنان وأبنائه في العالم. هذه الصعوبات تثقل كاهل المقيمين وتزيد من خطورتها، فكيف بالمغتربين؟!

الحضور اللبناني في العالم ما زال زاخراً بإمكانات دعم لبنان على مختلف الأصعدة بما فيه الدعم السياسي في عواصم القرار.

- شريطة التعاطي مع قضاياه بالعقلنة اللازمة لا بجموح العاطفة.

- شريطة ابقائه في منأى عن خلافاتنا الداخلية.

- شريطة دعوته الى الدفاع عن قضايا الوطن، لا عن  السياسات الحزبية الضيقة.

- شريطة مخاطبته بصوت واحد لا بلغة بابلية.

- شريطة تعزيز وجودنا الدبلوماسي بوجوه تتحلى بالكفاءات اللازمة.

- شريطة الاطلالة عليهم بلبنان جبران خليل جبران في «لكم لبنانكم ولي لبناني».

جبران الضوء ونسائم جبل الأرز، لا لبنان العتمة والغبار الصحراوي، لا لبنان الفساد ولا فاسدين، لا لبنان الغابة بلا شريعة. نطل عليهم بنخبة سياسية تعيده «جبل الأطياب» وتجعله وطناً- قدوة. وسنبقى نردد قانون إيمان صاحب «النبي» «أيها المتحدرون من أصل لبناني إني مؤمن بكم».

إننا على يقين بأن الطريقة الفضلى والأجدى لتقوية العلاقات بين لبنان وأبنائه في العالم هي أن يبني اللبنانيون في لبنان وطناً معافى، مستقراً أمنياً واقتصادياً، قوياً عادلاً، فيزداد تعلق ابنائه المغتربين به والتباهي باطلالته المشرقة، الحضارية على العالم. «إن لم يبن اللبنانيون هذا البيت فباطلاً يتعب المغتربون».

ولا ريب أن كتاب الدكتور بطرس لبكي يشكل علامة فارقة في معالجة قضية الاغتراب من منطلق سوسيولوجي - أكاديمي، فيقتضي بالتالي أن تعود اليه مختلف القيادات فضلاً عن العاملين في هذا الشأن للاغتناء به وإقامة علاقات معافاة ومتألقة بين لبنان وأبنائه في العامل.

وشكرا لاصغائكم

انطلياس- 15 نيسان 2019

سمير شمّا

سفير لبنان

___________________________________

 

د. سوزان منعم

ألشكر للصديق العزيز والزميل والمرشد الدكتور بطرس لبكي الذي منحني شرف مناقشة كتابه :

هجرة اللبنانيين في الحقبة الممتدة : 1850- 2018

مسارات عولمة مبكرة

 

كما انني أتوجه بالشكر الى الحركة الثقافية في انطلياس التي أتاحت لي فرصة  وجودي على هذا المنبر مع الزملاء الكرام.

قبل البدء بالقاء مداخلتي، اوّد ان اشكر المركز اللبناني لدراسة الهجرة والانتشار في جامعة سيدة اللويزة بشخص مديرته الزميلة الدكتورة غيتا حوراني لتزويدي بصور متعلقة بفحوى الكتاب من الارشيف القيّم للمركز.

 

الهجرة هي ظاهرة عالمية تطال مختلف البلدان بدرجات متفاوتة. ففي سنة 2018 بلغ عدد المهاجرين أكثر من 258 مليون نسمة في جمبع أنحاء العالم بحسب المنظمة الدولية للهجرة.

أن نصف الهجرة هذا سهل.

أن نشرح الهجرة مهمة أكثر تعقيداً لأن وراء التعاريف باقة متنوعة من العوامل. 

أن نحصي الهجرة  فهذه عملية أكثر تعقيداً وصعوبة مما نتصور.  

 

 موضوع الهجرة من لبنان هو موضوع أولي لما يترتب عليه من تداعيات تطال البنى الاجتماعية اللبنانية سيّما ان عدد المغتربين يفوق ثلاثة اضعاف عدد المقيمين فيه. وما  يستتبع ذلك من تحولات ديموغرافية واجتماعية وسياسية واقتصادية كبيرة يصعب تقديرها كمياً. ولكن لا يمكننا تجاهل أن هذه الهجرات ساهمت ايضاً في تطوير لبنان وفي تطوير علاقاته الدولية إن السياسية او الاقتصادية او التجارية او الاجتماعية او اللغوية.

من هذا المنطلق، فإن كتاب الدكتور لبكي، رغم التعقيدات والنقص في الاحصاءات وما اليه،  يقدم لنا حصيلة عقود من البحث في الهجرة اللبنانية في ابعادها المتعددة: ماهيتها، تعريفها، واحصاءاتها، وتأثيراتها.

يقدم د. لبكي دراسة وصفية تحليلية عن  ظاهرة الهجرة اللبنانية التي بدأت منذ قرن ونصف والتي كانت محدودة في طائفة معينة بدءاً ذي بدء،  ثم توسعت لتشمل جميع الطوائف والطبقات الاجتماعية  كافة.

وتنوعت ايضاً من حيث دول المقصد او الدول المضيفة. يضّم الكتاب  مقدمة واربعة أجزاء وخاتمة ولائحة بالمراجع والملاحق حول الموضوع المعالج. 

قام المؤلف بابحاث فيمة البعض منها خارج لبنان، كما استعان خلال تأطيره هذا الكتاب بالمراجع المتوفرة وبلغات عديدة فجاء الكتاب بصفحاته التي تفوق 559 صفحة وفيه في الجزء الاول من الكتاب يتناول الهجرة اللبنانية الحديثة بين سنة 1850 ومطلع 1975 وهو يتألف من أربعة فصول.

وفي الجزء الثاني فيعالج الهجرة اللبنانية خلال الحروب المتعددة الجنسيات على ارض لبنان 1975-1990 وهو يتألف من ثلاثة فصول.

وفي الجزء الثالث يركز على هجرة اللبنانيين بعد انتهاء الحروب المتعددة الجنسيات على ارضهم بعد سنة 1990 وهو يتألف من فصلين.

وفي الجزء الرابع والاخير يعالج دور المغتربين اللبنانيين ومساهمتهم في تنمية بلدهم الأم وهو يتألف من فصل واحد.

يلقي الباحث في الفصل الاول الضوء على الهجرة في آواخر العهد العثماني (1850- 1918 ) معالجاً الاسباب الدافعة للهجرة مثال : التزايد الديموغرافي، انهيار الحرف المحلية، التخصص في انتاح واحد (الحرير) المعّد للتصدير، تدهور في شروط التبادل التجاري، تطور التعليم وغيرها من العوامل. و يتحدث ايضاً عن الاسباب الجاذبة للهجرة الى بلدان الاغتراب مثل العوامل الاقتصادية وفرص العمل وما اليها مسلطاً الضوء خاصة على التحولات في لبنان الأوسط (كما أسماه د.لبكي) وفي العالم والتي دفعت باللبنانيين الى الهجرة وكذلك تلك التي ادت الى كبح الهجرة  مثل الحرب العالمية، والازمة الاقتصادية العالمية والانتداب الفرنسي. 

 في الفصل الثاني يغوص الكاتب في وصف المهاجرين اثناء الحرب العالمية الأولى ودورهم السياسي منطلقاً من الظروف المستجدة بعد اندلاع الحرب والتي أثرت على حيثية الهجرة. يعالج الباحث دور المهاجرين الاقتصادي والاجتماعي عبر المساعدات التي كانوا يرسلونها  الى ذويهم، الى جانب مساهمة الدور السياسي الذي قامت به الجمعيات والأحزاب والشخصيات المنبثقة من الاغتراب اللبناني ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: حزب الاتحاد اللبناني في القاهرة وجمعية النهضة اللبنانية في الولايات المتحدة و جمعية المجتمع الجديد، والرابطة اللبنانية في فرنسا وغيرها... وقد ذكر الباحث المهام والوظائف التي قامت بها تلك المؤسسات لدعم ذويها في لبنان ودعم الوطن.

أمّا في الفصل الثالث فلم يقف الباحث فقط على الهجرة اللبنانية في عهد الانتداب الفرنسي (1920-  1943) بل عرض الضعف النسبي لحركة الهجرة في تلك الحقبة.

اشتمل الفصل الرابع على الهجرة في فجر الاستقلال حتى بداية الحروب المتعددة الجنسيات على ارض لبنان من 1943-1975 اذ تسارعت الهجرة من اطراف لبنان  ( لبنان الشمالي والجنوبي والبقاع).  وعرفت هذه الحقبة تطورات شبيهة للتطورات التي عرفها لبنان في آواخر الفترة العثمانية (التغيرات الديموغرافية، تفكك بنية الزراعة التقليدية، تطور النظام التربوي وأسباب سياسية وحروب).

لقد أظهر الباحث في الفصل الخامس اهتمامه بالوقائع الاجمالية للهجرة انطلاقاً من عام  1975 من خلال اندلاع عدة حروب في لبنان والتي لم تخمد نارها الا نهاية 1990.  شدد الباحث على ما شكلت هذه الحروب مع نتائجها على مختلف المستويات من سلسلة عوامل دفعت اللبنانيين الى الهجرة منها عسكرية وسياسية واقتصادية (خسارة العمل، ارتفاع البطالة، انخفاض مستوى النشاط الاقتصادي) والتهجير القسري للسكان. 

ومن ثم رصد الباحث وقائع الهجرة سنة 1975 واختصرها بمستويين : وقائع الهجرة الاجمالية ووقائع الهجرة الاقطاعية (قطاعات ومهن : المهندسين، المهندسين المعماريين، عماّل البناء، عماّل المصارف ، شركات التأمين...).

يطرح الفصل السادس مواضيع الهجرة الى العالم "الثالث" 1975-1990 والتغيرات في اتجاهاتها إذ مالت الهجرة اللبنانية الى التباطؤ بين عامي 1960-1975 ثمّ تسارعت بعد عام 1975 بسبب الحروب الدائرة على الأراضي اللبنانية كانت في الأصل هجرة مؤقتة حيث كان المغترب اللبناني يحاول العودة الى لبنان متى سمحت له الظروف.  أصبح المغتربين الجدد أكثرهم من سكان المدن يعملون في أفريقيا لبضعة سنوات لينتقلوا بها الى الدول الصناعية في الغرب للعيش فيها.

امّا الفصل الثامن فهو يفسّر الوقائع الاجمالية للهجرة بعد سنة 1990 وأثرها على لبنان ومن تغّيراتها أنها   بلغت آماكن جديدة في أوروبا الشرقية والوسطى ومجموعة الدول المستقلة والصين. وتوسعت الهجرة الى أميركا اللاتينبة وافريقيا الوسطى والجنوبية في اطار توسع ظاهرة العولمة وفتح الحدود وتحرير التبادل البشري. ويسلّط الكاتب هنا على اندماج المنتشر اللبناني في البلدان المضيفة وانخراطه في الحياة السياسية والاقتصادية للبلدان المضيفة الأمر الذي انعكس ايجاباَ على العلاقات السياسية والاقتصادية في بلدان الانتشار كما  على تعاظم دورهم في تنمية علاقاتها السياسية والاقتصادية مع لبنان. وعليه أصبحت هذه الهجرة عامل تدويل ومتجدد للاقتصاد وللمجتمع اللبنانيين.

يتناول الفصل التاسع اللبنانيين في عدد من بلدان الانتشار وهو يختلف عن الفصول السابقة كونه يصف وصفاً مقتضباً وسريعاً أوضاع الجاليات اللبنانية في 35 دولة من العالم والتي تضّم أكذر من 95% من المنتشرين اذ يعالج الباحث الوقائع العامة للهجرة بعد سنة 1990 وأثرها على لبنان.

ويستتنتج الكاتب بأن هذه الهجرة تتسم بتحّولها من طابع اقليمي مشرقي عربي غالب الى هجرة أكثر عولمة تطال البلدان الصناعية.

يهدف الفصل العاشر والأخير الى تناول دور المغتربين اللبنانيين في بلدهم الأم عبر المساهمة الاساسية للانتشار اللبناني في التنمية الاقتصادية من خلال ارسال الاموال لاستخدامها في لبنان (من تحويلات مالية الى ذويهم، واستخدامها لدعم ألأهل والأقارب، شراء العقارات، الاستثمارفي شركات من مختلف الأحجام ومساهمتهم في فتح أسواق جديدة للمنتجات المحلية في الخارج، دورهم في تعزيز التعليم، تنمية الخدمات العامة، دعم القطاع الصحي، دعم مؤسسات الرعاية الاجتماعية، والبنى التحتية، نقل المعرفة  والمهارات. وفي هذا الفصل يتطرق الباحث ايضاً الى  دور الانتشار  في التطور السياسي في لبنان وفي مؤسسات الطوائف والاحزاب، ودوره المالي في هذين المجالين ومهامه والادوار السياسية للمغتربين  وللعائدين.

مما لا شك فيه، ان هذا الكتاب الذي هو حصيلة جهد سنين عديدة وعمل فكري وبحثي راق هو مرجع مهم للباحثين في موضوع الهجرة والانتشار اللبنانيين. وهو مرجع سوف يغني دراسات الهجرة عامة والدراسات اللبنانية خصوصاً من جهة الاقتراحات البنّاءة التي قدمها الباحث والتي يمكن الاستعانة بها لتطوير سباسات اجتماعية واقتصادية.

لقد قدرت جداَ المعلومات القيّمة في الكتاب حول مساهمة اللبنانيين المغتربين في القطاع الصناعي، والزراعي، والمالي والسياسي وغيرها والذي لم يفقه له الكثيرون من الباحثين. كما لفتني ان هناك عدد كبير من السياسيين اللبنانيين خصوصاً من مؤسسي الاحزاب في لبنان هم مهاجرين عائدين. هذه المعلومات في حد ذاتها يمكن ان تكون اساسا لعدد من الابحاث العلمية حول مساهمة اللبنانيين المهاجرين والعائدين منهم في تطوير هذه القطاعات في لبنان.

الكتاب يمكنه ان يكون مصدر الهام للطلاب كما للباحثين بحيث يستفيدون ويكملون ما وصل اليه الدكتور لبكي خلال سنوات بحثه الطويلة.

كنا سنستفيد جميعاً طلاباً وباحثين من خبرة الكاتب الواسعة لو ان الدكتور لبكي تكرَم بكتابة فصل عن المنهجيات التي اتبعها ليصل الى المعلومات التي اوردها في كتابه، خصوصاً ان هناك صعوبات لا تحصى تواجه الباحثين في لبنان ان من حيث ندرة المراجع في الحقبات السابقة، او عدم وجود اراشيف يمكن اجراء البحث فيها، او ندرة الاحصاءات السكانية وغيرها.

باختصار أراد الباحث وعلى حدّ قوله أن يساهم من خلال هذا الكتاب في القاء بعض الضوء على ظاهرة الهجرة اللبنانية ووضع بعض المعالم من أجل المستقبل الوطني وفقاً لمعطيات تبدو له أساسية.

شكراً لك دكتور لبكي على مساهمتك البناءة في قيام هذا الحقل الدراسي وفي كونك احد رواده الاوائل.

شكراً.