أقامت "الحركة الثقافية – أنطلياس" ندوة حول "جغرافية سوريا بين مخطّطات 1920 وتحوّلات المرحلة الحالية"، شارك الدكتور أنطوان حكيّم والدكتور علي شعيب، وأدارها الدكتور عصام خليفة.

 

استهلّ الدكتور عصام خليفة كلمته متحدّثًا عن أهميّة الموقع الجيوبوليتيكي لسوريا التي تقع على مفترق الطرق بين القارات الثلاث إفريقيا وآسيا وأوروبا، ما جعلها محطّ صراع القوى الدولية منذ طرح المسألة الشرقية في الدولة العثمانية. ثمّ تحدّث عن المشاريع التي كانت مطروحة لمستقبل سوريا في العام 1920، وعن احتمالات المستقبل السوري في ضوء الصراع الدموي الخطير الجاري حاليًا في سوريا وفي المنطقة. واستعرض بعض الوقائع التي تنقل صورة المشهد السوري المُحزن كتدمير أكثر من مليونَيْ منزل وقتل حوالى 146 ألف شخص، وحصارات التجويع في المدن والمناطق السورية، وتدفّق المقاتلين المرتزقة دعمًا للنظام أم للمعارضة... وطرح أربعة سيناريوهات محتمل حصولها في المستقبل السوري: إلغاء المعارضة من قبل النظام أو العكس، أو استمرار الحرب الأهليّة والتسبّب بالمزيد من الدمار ممّا يساعد على تنفيذ مخطّط المؤرّخ الصهيوني البريطاني برنارد لويس، الذي يقضي بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعًا، أو وصول الأطراف إلى تسوية تضع حدًّا لهذه الحرب الدامية. وتساءل عمّا إذا كان السياسيّون يضعون خططًا لمواجهة النزوح الديمغرافي إلى لبنان؟

خلال مداخلته، توقّف الدكتور أنطوان حكيّم عند خمس محطّات اعتبرها أساسيّة في رسم خارطة سوريا ولبنان الذي أُقرّ في النصف الثاني من سنة 1920. تناولت المحطّة الأولى مراسلات مكماهون واتّفاق سايكس – بيكو ووعد بلفور. أمّا المحطّة الثانية فتضمّنت التقسيمات الإدارية في أراضي العدوّ المحتلّة، التي اعتمدها الجنرال اللنبي، القائد العام للقوات الحليفة. وتستعرض المحطّة الثالثة مطالب الوفود إلى مؤتمر الصلح في العام 1919. وتغطّي المحطّة الرابعة الأشهر السبع الأولى من العام 1920 أي اتّفاق فيصل – كليمنصو ومعركة ميسلون. والمحطّة الخامسة تضع المخططات النهائية لخارطة لبنان الكبير ولخارطة الدول السوريّة الثلاث: دمشق، حلب، ودولة العلويين.

 

استهلّ الدكتور علي شعيب، رئيس الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، مداخلته باستعراض أبرز المحطّات التاريخيّة لدولة سوريا بدءًا من توقيع معاهدة سايكس – بيكو من قبل فرنسا وبريطانيا، ومرورًا بالانقلابات العسكريّة التي جرت في سوريا في العام 1949 ، ووصولًا إلى انفصال سوريا عن مصر في العام 1961 على يد الرئيس حافظ الأسد. ثمّ تحدّث عن النظام السياسي الثابت الذي اعتمده الأسد في حكمه ووصفه بقنّاص الفرص الماهر لجهة فرض هيمنته على لبنان ومؤسساته في ظل توقيع اتّفاق الطائف 1989. وأشار إلى انتكاسات الدور السوري على الصعيدَيْن الإقليمي والدولي بعد العام 2000. وذكر في هذا السياق اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي سبّب صراعًا بين سوريا ولبنان أخذ بُعدًا محليًا وإقليميًا ودوليًا. ثمّ انصرف إلى التحدّث عن الثورة السورية التي ليست وليدة الصدفة حسب رأيه بل هي وليدة تراكمات لممارسات تعود إلى سبعينات القرن العشرين عندما تولى حافظ الأسد السلطة في دمشق باسم حزب البعث. واستعرض موقف إيران والعراق وحزب اللّه وتركيا وقطر والإخوان المسلمين والسعودية، من الأزمة السوريّة. وأشار إلى أنّ السلطة والمعارضة في سوريا لم يطرحا موضوع الفدرالية أو التقسيم على أرض الواقع كما أشار إلى وضع لبنان الأكثر تأثّرًا بأحداث الثورة السورية. وفي الختام، أشار إلى أنّ استمرار القتال في سوريا إلى ما لا نهاية هو أمر مُستَبعَد.

------------------------------------------------

المهرجان اللبناني للكتاب – السنة 33 – دورة وديع الصافي

الحركة الثقافية – انطلياس

مداخلة د. عصام خليفة في ندوة

"جغرافية سورية بين مخططات 1920 وتحولات المرحلة الحالية"

16 آذار 2014

 

أولاً: في أهمية الموقع الجيوبوليتيكي لسوريا:

ان وجود سورية على مفترق الطرق بين القارات الثلاث افريقيا وآسيا واوروبا، واطلالها على البحر المتوسط، ونزول الديانات التوحيدية الثلاث على ارضها، وان وجودها على ابواب دول النفط (ايران، العراق، دول الخليج) وحتمية مرور انابيب النفط في مجالها الجغرافي للوصول الى المتوسط، لا بل ان وجود الغاز والنفط مؤخراً في بعض مياهها الاقليمية ومناطقها الداخلية، كل ذلك جعلها محط صراع القوى الدولية منذ طرح المسألة الشرقية في الدولة العثمانية. وفي هذا السياق اذكر ما ورد في تقرير احد الديبلوماسيين الغربيين حيث اعتبر ان دول الغرب متفقة على الاعتراف بان سورية، من خلال موقعها الاستراتيجي والجغرافي، هي النقطة الأكثر اهمية في الامبراطورية العثمانية. وان طريق الهند الطويل وطريق آسية الكبير، هذا الطريق هو الذي سوف يقرر مصير العالم. وفي هذا السياق يمكن ان نفهم قول نابوليون. La Syrie est la clé de l'Asieسورية هي مفتاح آسية.

        أيها السيدات والسادة،

        موضوع ندوتنا يتناول محورين أساسيين:

-       المشاريع التي كانت مطروحة لمستقبل سوريا عام 1920.

-       واحتمالات المستقبل السوري في ضؤ الصراع الدموي الخطير الجاري حالياً في سورية وفي المنطقة.

ويمكننا مقاربة هاتين النقطتين من منظورين:

-   تصور النخب الداخلية للمستقبل، وتالياً السياسات الدولية ومصالحها في المنطقة وحركتها للتأثير في رسم هذا المستقبل.

ثانياً: المحور الأول:

بعد تراجع الخيار الاصلاحي العثماني (عثمانجلق)، وصعود التيار القومي التركي (توركجليك) بمواجهة الخيار الاسلامي (اسلامجليق)، وبعد دخول الدولة العثمانية طرفاً في الحرب الى جانب المانيا والنمسا، برز الى حيز التنفيذ مشروع تقسم الدولة العثمانية (وقبل العام 1914 كان هناك اكثر من مئة مخطط لهذا الامر(1)). لا بل يمكن القول ان تقسيم مناطق النفوذ سبق اندلاع الحرب عام 1914. ففي بداية هذا العام عقدت صفقة مالية بين فرنسا والمانيا، كما عقدت صفقة بين فرنسا والباب العالي مؤداهما وضع الشمال السوري بكامله الواقع بين الاسكندرونة – حلب – دير الزور، ثم بين دير الزور وسنجق حمص واللاذقية تحت نفوذ المانيا. لقد وضعت اتفاقيات بين العثمانيين والفرنسيين والبريطانيين والروس والالمان تحدد بشكل دقيق ومفصل مناطق النفوذ الاقتصادي والسياسي.

        ومنذ انطلاق المفاوضات الفرنسية البريطانية حول المشرق عام 1915 تحركت غرف التجارة والجمعيات الكولونيالية والجغرافية للضغط على هذه المفاوضات تطالب بالحفاظ على مصالح فرنسا في كامل سوريا الطبيعية بما فيها فلسطين وجبل لبنان. وكان "الحزب السوري" في فرنسا يتألف بشكل عام من ذوي المصالح الاستعمارية والتجارية والمالية واصحاب المصالح الدينية والثقافية والتعليمية. وقد اعتبر ان اندلاع الحرب يؤمن لهم فرصة السيطرة على المنطقة. كما ان السيطرة على سوريا – وبخاصة على دمشق – تشكل عاملاً ضرورياً لتأمين المواقع الفرنسية في شمال افريقيا الاسلامية.

        بالمقابل سعت السياسة البريطانية الى خلق كتلة بين البحر المتوسط والخليج العربي- الفارسي تعمل باشرافها وتكون تحت سيطرتها ولا تنازعها فيها دولة كبرى أخرى، وحرصت على ان تبقى خطوط مواصلاتها في المنطقة سليمة ومتصلة. وقد سعت الحركة الصهيونية التي كانت تخطط لقيام "وطن قومي" لها في فلسطين، الى التأثير على السياسة البريطانية في المشرق عن طريق الربط بين مصالح بريطانيا ومخططاتها.

        في ضؤ ذلك وضعت اتفاقية سايكس بيكو (ايار 1916) واتفاقية سان جان دي مورين (1917). تم فيها توزيع مناطق النفوذ بين الدول الكبرى، بما فيها روسيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا.

        بالنسبة للنخب الداخلية السورية كان هناك عدة تيارات في التصور لمستقبلها:

-   ان هدف فيصل – كما ورد في تقرير للمخابرات البريطانية في 30 كانون الثاني 1919 – هو انشاء اتحاد دول عربية، تتولى المسؤولية في كل منها حكومة عربية حقيقية – وليس بالاسم فقط – تستظل جميعها بعلَم واحد وتتعامل بعملة واحدة وجمارك واحدة الخ. وتعالج كل دولة شؤونها الداخلية ولكنها ترتبط بميثاق يحتم عليها جميعاً ان تهب لمساعدة اية دولة من بينها يقع عليها عدوان من دولة غير عربية. اما الهدف النهائي الذي يضعه فيصل نصب عينيه فهو دون شك دمج هذه الدول تدريجياً في دولة عربية واحدة تخضع لحكومة مركزية.

-       على مستوى مرتكزات الدولة العربية المقترحة كان هناك اتجاهان على الاقل:

-       يرى الاول ان تقوم تلك الدولة على اساس القومية وليس على اساس الدين.

-       بينما يرى الثاني انه يريد قيام دولة اسلامية مستقلة تحل محل الدولة العثمانية.

على صعيد السياسات الانجليزية والفرنسية لاحظنا.

في وزارة الخارجية البريطانية انه كان هناك تياران على الأقل:

-       تيار يميل الى التسوية مع الفرنسيين ويسلم بالنفوذ الفرنسي في سوريا الطبيعية.

-   تيار يدعى (انجلو – انديان) يتشدد في المطالبة بنفوذ انجليزي يشارك النفوذ الفرنسي في سوريا الطبيعية، ويرتكز في طرحه على التضحيات التي قدمتها بريطانيا لتحرير المنطقة من الاتراك (ويركز على فلسطين والنفط في الموصل).

ومهما يكن من امر فان السياسة البريطانية كانت ضد خلق دولة عربية موحدة، ولم توافق حتى على خلق اتحاد كونفدرالي عربي كما كان يطمح الشريف حسين أو كما كان يتصور العرب من خلال مراسلات مكماهون الحسين.

اما في الكي دورسه كان هناك تيار واسع مع سورية موحدة على قاعدة فدرالية وتحت وصاية فرنسية مع اعطاء جبل لبنان استقلال ذاتياً. وهذا التوجه مدعوم من القوى الاقتصادية ومن التيار الماسوني.

-   بينما كان هناك تيار آخر مدعوم من القوى العسكرية والكاثوليكية يدعم مطالب البطريركية المارونية والحركات اللبنانية الداعية للبنان الكبير وبقيام دويلات في المنطقة على قاعدة الهويات المذهبية او ما يمكن تسميته الاستقلال الذاتي المحلي. وقد جسد ميللران وغورو باجراءاتهما هذا التيار، ومن كبار منظريه الخبير في وزارة الخارجية Robert De Caix.

وبعد التفاهم البريطاني – الفرنسي على حل المسألة السورية في سان ريمو (نيسان 1920)، حسمت السياسة الفرنسية الوضع في المنطقة بالقوة العسكرية من خلال معركة ميسلون (تموز 1920). وعلى اثر ذلك: اعلن قيام دولة لبنان الكبير من جهة(1 ايلول 1920) - كما تم اعلان دولة دمشق (18 آب 1920)

-       ودولة حلب (1 أيلول 1920)

-       ودولة العلويين (31 آب 1920) التي سميت فيما بعد (اراضي العلويين المستقلة).

-       ودولة الدروز (4 آب 1920)

-       وتمتع سنجق الاسكندرون بادراة خاصة مرتبطة بدولة حلب.

هذه التجزئة للمجال الجغرافي استمرت مُدارة من خلال المفوضية العليا للمندوب السامي الفرنسي في ما سمي المصالح المشتركة لهذه الدول. كما اوكل ادارة هذه الكيانات الى عسكريين متمرسين في الخدمة في شمال افريقيا.

في المرحلة اللاحقة اضطر الجنرال غورو ان يجمع تحت شكل وحدة كونفدرالية الدول الثلاث المفروض انها مستقلة او مستقلة ذاتياً (دمشق، وحلب، ودولة العلويين) وذلك في 28 حزيران 1922.

على صعيد النخب الداخلية كان هناك تيارات ضمن الكيانات الذاتية الناشئة ابرزها واحد يشد باتجاه الوحدة، وآخر يتمسك بترسيخ وتطوير الاستقلال الذاتي. وهذا الأخير تمثل بعرائض شعبية تحفظت على الوحدة السورية التي تم التوصل الى الاقرار بها في مشروع معاهدة 1936 بين فرنسا وسورية.

ثالثاً: المحور الثاني:

منذ ثلاث سنوات اندلع الصراع في سوريا وفي المرحلة الحالية يمكننا تسجيل المعطيات التالية:

-       40% من السوريين فروا من منازلهم، وتم تدمير اكثر من مليوني منزل.

-       10 ملايين مهجّر منهم 6 ملايين في الداخل، و 4 ملايين خارج الوطن، وهذا يعتبر اكبر تجمع للنازحين في العالم.

-       ثمة 146 الف قتيل حتى الآن، ويتوقع السيد الابراهيمي الوصول الى 350 الف قتيل العام القادم.

-       وجود اكثر من 300 الف اسير.

-   تقارير مخيفة عن اوضاع الاطفال والنساء وعن اساليب التعذيب (11 الف قتلوا تحت التعذيب، 16 الف فتاة اغتصبت)

-       استعمال القتل الجماعي، وحصارات التجويع للاحياء والمدن والمناطق.

-       انهيار واسع في الاقتصاد وتراجع خطير في الصناعة والتجارة والزراعة (مع تسجيل تأثير الجفاف!!)

-       تدفق المقاتلين من المرتزقة دعماً للنظام (لواء ابو الفضل العباس وحزب الله والحرس الثوري الايراني).

وكذلك دعماً للمعارضة (وجود 26 الف مقاتل اسلامي)

-       تدمير ونهب معالم الآثار والكثير من المتاحف، وتخريب مساجد وكنائس لها رمزيتها التاريخية (معلولا مثلاً).

-   عجز في النظام العربي والمتمثل بالجامعة العربية عن ايجاد الحلول المناسبة، وتردد في سياسات الدول الكبرى وربما تواطؤ على نحو يؤدي الى استمرار وتفاقم المأساة، وارتياح في الدولة العبرية، ان لم يكن ثمة دعم لهذه الحرب الاهلية الخطيرة من قبل اسرائيل.

كيف تتوزع القوى حالياً على الخريطة السورية؟ (راجع الخريطة الملحقة)

1-   قوات النظام لا تزال تسيطر على الساحل وعلى شريط من الارض يتجه الى دمشق وصولاً الى درعا جنوباً.

2-   تمركز قوات الجيش الحر شمال وشرق حلب وادلب ومن الحدود العراقية مروراً بدير الزور وصولاً الى الرقة.

3-   خضوع المناطق المأهولة بالاكراد في الجزيرة حول قامشلي والحسكة لادراة كردية ذاتية.

4-   وجود فاعل لقوات اسلامية (داعش والنصرة وغيرهما) في المنطقة الممتدة من الحسكة الى شرق حلب.

5-   منطقة بادية الشام خارج الصراع.

6-   ثمة مناطق متنازع عليها جنوب وشرق دمشق، وحمص وحلب وجوارها.

ثانياً: ما هي السناريوهات الممكنة للزلزال السوري:

السيناريو الأول:

1-   ان يقوم النظام وحلفاؤه بالحسم والغاء المعارضة.

السيناريو الثاني:

2-   او ان تقوم المعارضة هي الأخرى بالحسم والقضاء على النظام.

 وهذان الخياران مستبعدان، ضمن موازين القوى القائمة على الأرض حالياً.

السيناريو الثالث:

3-واما ان تستمر الحرب الاهلية والنتيجة مزيد من القتلى والدمار والمهجرين والانهيار الاقتصادي والجوع والبؤس الاجتماعي والهجرة والتهجير.

وهذا الاحتمال الأخير مرجح لان يستمر رغم انه الأسوأ واذا كان هذا السيناريو سيستمر فمعنى ذلك ان مخطط برنارد لويس المؤرخ الصهيوني البريطاني الأصل هو الذي يتم وضعه موضع التنفيذ. هذا المخطط يقضي بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والاسلامية جميعاً كلاً على حدة ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وايران وتركيا وافغانستان وباكستان ودول الخليج ودول الشمال الافريقي... وتفتيت كل منها الى مجموعة من الكونتونات والدويلات العرقية والدينية والذهبية والطائفية وقد ارفق بمشروعه المفصّل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت اشرافه تشمل جميع الدول العربية والاسلامية المرشحة للتفتيت. هذه الخريطة تقسّم سورية الى اقاليم متمايزة عرقياً او دينياً او مذهبياً (4 دويلات).

-       دولة علوية شيعية (على امتداد الشاطئ)

-       دولة سنية في منطقة حلب

-       دولة سنية حول دمشق

-       دولة الدروز في الجولان ولبنان.

وهذا التقسيم يطال ايضاً لبنان حيث يشير الى دويلة سنية في الشمال (عاصمتها طرابلس)، ودويلة مارونية شمالاً (عاصمتها جونيه)، ودويلة شيعية في سهل البقاع (عاصمتها بعلبك)، مع تدويل بيروت وكانتون فلسطيني حول صيدا ودويلة درزية في اجزاء من الاراضي اللبنانية السورية والفلسطينية وكانتون مسيحي تحت النفوذ الاسرائيلي.

السؤال الذي يقلق كل وطني في هذا المشرق العربي: هل ان هذا المخطط قابل للتطبيق، وكيف يمكننا كمثقفين وكشعب ان نواجه هذا المخطط ونوصله الى الفشل والسقوط؟ وهل ستسمح السياسات الدولية بتمرير هذه الجريمة الموصوفة؟

السيناريو الرابع:

وصول الاطراف الى تسوية بدعم اقليمي ودولي يضع حداً للحرب وهذا الاحتمال هو المرجو على نحو يوفق بين بقاء وحدة الدولة السورية ارضاً وشعباً ومؤسسات. وتوفر الحرية والعدالة واحترام التعدد الطائفي والاتني والديمقراطي، واقرار برنامج اصلاح واعمار شامل على مختلف الصعد مدعوم من عرب النفط ومن كل دول العالم القادرة، يحقق العدالة وحقوق الانسان والتنمية المستدامة.

وهذا الاحتمال هو المفضل لكل الاطراف في الداخل ولمستقبل الشعب السوري ولكل دول الجوار.

ان لبنان معني وجودياً في ما يجري على الارض السورية. وان ترددات الزلزال الحاصل طالت وستطال اكثر الدولة التوأم لبنان.

فهل هناك من يفكر في عدم تقديم شبابنا ليموتوا في اتون هذه الحرب؟

ولماذا لا يستمر الجميع في الالتزام ببيان بعبدا، ولماذا لا نسرع في تقوية الجيش عدة وعدداً؟ وهل حقاً سنتقاعس عن انتخاب رئيس للجمهورية في المهلة الدستورية؟

واين هم اهل السياسة الذين يضعون الخطط الطارئة لمواجهة النزوح الديمغرافي ومفاعيله الخطيرة على الاقتصاد والامن والصحة والسياسة ووجود الدولة اللبنانية اساساً.

حسبنا في المهرجان اللبناني للكتاب ان نطرح الصوت للسنة الثانية عسى ان يكون هناك من يسمع او يستجيب.



(1)Jean Riffier, les oeuvres françaises en Syrie (1860 – 1923), l'Harmattan, 2000, p 304

--------------------------------------------

مداخلة علي شعيب

تداعيات التشابك بين تحولات الداخل السوري ومتطلبات الخارج الإقليمي والدولي

أثر ظاهر التنوع المجتمعي السوري

 

منذ قرن من الزمن جرى توقيع معاهدة سايكس – بيكو من قبل فرنسا وبريطانيا لإقتسام مناطق النفوذ بينهما في بلاد الشام بعد الحرب العالمية الأولى. أجهض هذا الإجراء الإستعماري أول محاولة لقيام دولة عربية وعاصمتها دمشق. بل ولد على أنقاضها دولتي سوريا ولبنان تحت الإنتداب الفرنسي، وشرقي الأردن تحت الإنتداب الإنكليزي إلى جانب فلسطين مع وعد بجعلها وطناً قومياً لليهود.

كانت التداعيات المحلية الشامية على هذا الإجراء رفض مطلق وتصميم على مقاومة المشاريع الغربية بشتى السبل بما فيها اللجوء إلى المقاومة المسلحة. وانعقد أكثر من لقاء عربي وفي كل المناطق الشامية لحشد الطاقات ضد التجزأة وتحقيق الوحدة ومقاومة الإستيطان الصهيوني. كانت المراهنة يومها على وعي شعبي في مجتمع شامي يتسم بالتنوع. إذ كانت تتساوى أعداد المسلمين والمسيحيين ولا سيما في المدن الرئيسية كدمشق وحلب في الثلاثينيات من القرن العشرين. وبتنا نرى فارس الخوري المسيحي رئيساً لوزراء سوريا والدرزي لقيادة أركان جيشها ووزيراً للخارجية وكذلك العلوي والكردي يوسف العظمة وزيراً للدفاع في حكومة الأمير فيصل الذي إستشهد في معركة ميسلون عام 1920 دفاعاً عن وحدة سوريا وإستقلالها. إنعكس التنوع المجتمعي لاحقاً في بنية الأحزاب التي ولدت كردة فعل على التجزئة مثل الحزب القومي السوري بزعامة أنطون سعادة عام 1932 والحزب الشيوعي بقيادة خالد بكداش وحزب البعث العربي الإشتراكي الذي أسسه كل من ميشال عقلق وصلاح الدين البيطار في منتصف الأربعينيات تحت شعار "وحدة – حرية – إشتراكية". وجاءت ولادة حركة القوميين العرب في أوائل الخمسينيات في بيروت على السباق نفسه ترفع شعار "ثأر – حرية – وحدة"، وكان قسطنطين زريق من وضع أسس عقيدتها.

الإنقلابات العسكرية في سوريا والصراع على مكانتها الإقليمية والدولية

بحكم موقع سوريا الجيو - سياسي كان الصراع على مكانتها في العالم العربي خلال القرن العشرين يندرج في سياق صراع بين مشروعين: مشروع سوريا الكبرى المدعوم من العراق وشرقي الأردن، ومشروع الجامعة العربية المدعوم من مصر والسعودية.

وأخذ هذا الصراع بعداً دولياً خلال الحرب الباردة بين الشرق والغرب. إذ كانت القوى الغربية تعد لسوريا وبقية البلدان العربية لوناً من التبعية يتمثل في نظام الأحلاف والمعسكرات منها مشروع الدفاع المشترك الذي عرضت إقامته عام 1949 بين سوريا والعراق تحت شعار مكافحة الشيوعية – وقدر لهذا المشروع أن يبصر النور عام 1955 تحت إسم حلف بغداد الذي ضم تركيا – إيران – أفغانستان – العراق – بريطانيا.

وكذلك طرح على سوريا مشروع مبدأ عدم الإنحياز بين المعسكرين الشرقي والغربي الذي تبناه مؤتمر باندونغ (أندونيسيا) عام 1955، وأخيراً كانت الدعوة لسوريا لتبني مشروع أيزنهاور في منتصف الخمسينيات، وعرف بمشروع النقطة الرابعة، وقد تستر هذا المشروع بشعارات إقتصادية وبرامج لتطوير الشرق الأوسط.

في خضم هذه التجاذبات الإقليمية والدولية برز تشابك بين نزاعات الداخل على السلطة وتدخلات الخارج. في حين كان النظام السوري يعاني قصوراً وتردداً في موضوع المحاور الإقليمية والدولية وعجزاً في بناء الدولة الحديثة وتحقيق الإستقرار السياسي والتنمية الإقتصادية والإجتماعية، سجل فشلاً ذريعاً في حرب فلسطين عام 1948.

كان الجيش السوري هو القوة الوحيدة آنذاك - على غرار بقية البلدان العربية - الأكثر ميلاً إلى التغييرات الإجتماعية الواسعة النطاق. أنشد قادته لمهمة التغير عبر اللجوء إلى إستعمال القوة. وحرصت كل الإنقلابات العسكرية التي حصلت في سوريا إبتداءً من العام 1949 التأكيد على أن النظام الذي يقيمونه هو الوحيد القادر على إحداث التنمية وتحقيق الوحدة والتصدي للمشروع الصهيوني الذي شكل العداء له وللمشاريع الغربية واحد من أهم ركائز إيديولوجية وسياسة جميع القوى السياسية في السلطة وخارجها.

أما على صعيد الواقع إحتلت القضية الفلسطينية المرتبة الثانية فيما يقدمه الضباط من مبررات لإنقلاباتهم. فقد كان الخصم الرئيسي دوماً هو العدو الداخلي. وكان صراع المحاور الإقليمية والدولية ينعكس داخل سوريا أيضاً وبين ضباطها.

لم تكن التغيرات المستمرة والثابتة وإنقسام الضباط إلى فرق شتى هو السبب في تدهور الأوضاع السورية لاحقاً بل أن الإنقلابات العسكرية أسست لقاعدة في الحكم طالت إيجابية التنوع المجتمعي. إذ كان قادة الإنقلاب تعوزهم القدرات اللازمة لقيادة الدولة السورية وعاجزين عن لعب دور في التنشئة الوطنية. فإن وراء الأبواب المغلقة كانت تتكون ذاكرة ورؤية عشائرية ومذهبية قاطعة مع الآخر ومقطوعة عنه، طالعة من الوطن إلى جزء منه، محصورة ومنحصرة في حدود الجماعة الخاصة.

كان لسياسة التجنيد الإجباري في الجيش السوري وإستنكاف أبناء البورجوازية في المدن وبخاصة من السنة والمسيحيين في الإلتحاق بالكلية الحربية إن فسح المجال لأبناء الأرياف السورية وهم ينتمون إلى الأقليات الدينية والأثنية الذين يمثلون سدس سكان سوريا في أن يتمثلوا في الجيش بشكل أفضل.

وبناءً عليه ضعف قرار المدينة وأصبح للريف السوري الكلمة العليا في تعزيز مصير الدولة السورية ولاسيما عندما قام الضباط الدروز والعلويون عندما تولوا المناصب العليا بتبني أقربائهم وأبناء طوائفهم ومساعدتهم على الترقي. وعند حدوث الإنقلابات العسكرية تشكلت عصبية للنظام قائمة على دعم العشيرة وأبناء المذهب. وتلك ظاهرة ستتفاقم لاحقاً أمام العجز عن بناء الدولة الحديثة.

حافظ الأسد قناص التحولات الإقليمية والدولية

إستقطبت شعارات حزب البعث شريحة واسعة من المجتمع السوري بما فيها ضباط الجيش. وأصبح للحزب الكلمة الفصل في تقرير مصير سوريا في الخمسينيات من القرن العشرين. فقد إستطاع فرض الوحدة على سوريا مع مصر زمن عبد الناصر 1958 وهو الذي قاد الإنفصال عن مصر عام 1961. وبسبب النزاعات بين ضباط البعث عاشت سوريا حالة من الإضطراب السياسي والإجتماعي إلى أن حدثت الحركة التصحيحية في حزب البعث الذي قادها حافظ الأسد بعد نكسة عام 1967 واستولى فيها على السلطة. أقام الأسد نظاماً ثابتاً، وأمن إستمراريته بمنأى عن التقلبات السياسية التي كانت تعيشها سوريا سابقاً إستناداً إلى حزب بعث مفرغ من حيويته وملحقاً بأجهزة أمنية تحصي الأفكار والأنفاس وعلى رأسها الأخ والإبن والصهر ومحتضنه من طائفة الرئيس. وبمعنى آخر أيقظ النظام الطائفية التي كانت مستبعدة إلى حد ما وممنوعة من التداول. وبعدما كان مفترض من الدولة أن تحتضن الطوائف والأعراق لتطمئنها إلى وجودها وحقوقها وحرياتها كشف الواقع قبضت طائفة الرئيس على مقدرات الدولة السورية.

حقق حافظ الأسد نجاحاً في تثبيت نظامه السياسي داخلياً وإلى حد كبير أرس تناغماً بين متطلبات الداخل وتدخلات الخارج. وكانت الحرب اللبنانية عام 1975 فرصته في جعل القوى الإقليمية والدولية على تنسيق تام معه من أجل إيقاف العنف في المنطقة. فقد أعطى النظام السوري خلال الحرب إنطباعاً خارجياً أن لبنان من دون تدخل سوري عسكري سيصبح عرضة للفلتان ولاسيما بعد الدخول الفلسطيني المسلح على الحياة السياسية اللبنانية وتداعياتها من إتفاق القاهرة عام 1969 الذي شرع العمل الفدائي الفلسطيني مما أظهر مجدداً الإنقسام الطائفي في لبنان حول الهوية والسياسة الخارجية فأعاد الجدل نفسه عقب إنشاء لبنان الكبير عام 1920.

نجحت دمشق في إستهدافها ودخل الجيش السوري إلى لبنان بموافقة إقليمية ودولية وجزء كبير من الشعب اللبناني شرط أن لا ينزلق إلى تجاوز الخطوط الحمر مع إسرائيل التي وضعت عام 1976. ونجح النظام السوري بالهيمنة على قرار منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بحجة حماية المسيحيين.

ترتب على الدخول العسكري السوري إلى لبنان أن أضحى لبنان وفلسطين ساحتين لتصفية حسابات إقليمية ودولية في ظل الحرب الباردة. أما في لبنان فقد أقام النظام السوري عصبية لسلطته إمتداداً لعصبية النظام في سورية، بأن جعل الطائفة الشيعية أكثر إرتباطاً بسياسته. وأصدر موسى الصدر فتوى إعتبر الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس حافظ الأسد جزء من الطائفة الشيعية.

عشية سقوط الإتحاد السوفياتي شعرت دمشق بالعزلة في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين بعد توقيع إتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978 فاندفعت للإنفتاح على الجمهورية الإسلامية في إيران والتي كانت بدورها تطمح بلعب دور إقليمي مهيمن عبر جعل ولاية الفقيه مشروعاً سياسياً يقوم على التحالف مع النظام السوري ويمتد من الخليج عبر العراق وسوريا وفلسطين على شكل (قوس شيعي) بما يخل بالتوازن بين الشيعة والسنة في المنطقة.

إستندت إيران لتحقيق مشروعها إلى أوراق كثيرة تستطيع بها مقاومة إستهدافها منها النظام السوري والشيعة بشكل عام بعدما حولتهم بسياستها من مواطنين في دولهم إلى رعايا وكان حزب الله فيما بعد رأس حربة. وهذا ما أكده الإمام الخامنئي بالقول "لبنان هي الساحة التي سنواجه فيها أمريكا وإسرائيل". وأدت مقولة تحرير القدس دوراً بارزاً في الخطاب الإيديولوجي الإيراني منذ الثورة مما اكسبها سمعة ونفوذاً في العالمين العربي والإسلامي على حساب نظام عربي يلهث وراء سلام عبر واشنطن.

إستخدم النظام السوري المقاومة الفلسطينية في سياسته الشرق أوسطية فراح يوعز للمنظمات الفلسطينية بمهاجمة إسرائيل من لبنان لزيادة ثقله في ملفات المنطقة. تسبب ذلك بإندلاع حربين شنتهما إسرائيل على لبنان: عملية الليطاني 1978 وإجتياح العام 1982 حيث أسفر الإجتياح الأخير عن هزيمة مزدوجة لسوريا ومنظمة التحرير وخروج وحداتهما العسكرية من بيروت.

لكن عودة الجيش السوري مجدداً إلى لبنان جاء في أعقاب إجتماع عقد في ثكنة أبلح العسكرية برئاسة أحد ضباط الجيش السوري وضم المنظمات اللبنانية الموالية لدمشق، بهدف إثارة حالة مذهبية في بيروت بين السنة والشيعة مما يجبر المملكة العربية السعودية على الطلب من الولايات المتحدة الأميركية بالسماح بعودة للجيش السوري لحماية السنة في العاصمة اللبنانية. وكانت حرب إقصاء المرابطون من بيروت عام 1985 المدخل لعودة الجيش السوري إلى لبنان.

وعقب ذلك قيام النظام السوري بالقضاء على الزعامات التقليدية اللبنانية ووضع الحكم مجدداً بأيدي ميليشيات مرتبطة به بغلبة شيعية. وقد لحظ الإتفاق الثلاثي بين بري وجنبلاط وحبيقة عام 1985 بتحجيم النفوذ المسيحي الماروني في حين أعطي لحزب الله كل التسهيلات بإعتباره حسب مصدر سوري "أفضل أوراقنا لضمان مصالحنا، إنه ورقتنا الرابحة للضغط على إسرائيل" وكان من تداعيات الإحتلال الإسرائيلي في أجزاء من لبنان إنه قوى سوريا وإيران وحزب الله فيه. فتفاهم نيسان 1996 كان رسالة إلى إسرائيل إنه لا يمكن فصل المسار اللبناني عن المسار السوري. وكان سبع وزراء خارجية أجانب موجودين في دمشق آنذاك يطلبون وساطتها من أجل إيقاف العنف في المنطقة.

حافظ الأسد يحتفظ بموقع له على خارطة الشرق الأوسط بعد الطائف

أثبت حافظ الأسد إنه قناص فرص ماهر. فقد إستغل توقيع إتفاق الطائف 1989 الذي وضع كميثاق جديد للعيش المشترك بين اللبنانيين وإيقاف الحرب الأهلية، ليفرض هيمنته على لبنان ومؤسساته في مناخ عربي ودولي ملائمين. كما فتحت دمشق أبوابها لحركة حماس حيث إتخذت مقراً لقيادتها برئاسة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي بعدما أقفلت كل الأبواب أمامه بعد طرده من الأردن. وذلك سهل لإيران التواصل مع حماس وتزويدها بالسلاح والمال.

وبعد إحتلال العراق لدولة الكويت عقد حافظ الأسد صفقة بينه وبين جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركية في تشرين الأول 1990 لتغطية الحرب الأميركية لتحرير الكويت وإقناع إيران بالوقوف على الحياد في الحرب والإلتزام بالعقوبات الدولية المفروضة على بغداد. فهم على أنه توافق سوري – أميركي – إسرائيلي لإطلاق يد سوريا في لبنان وإسقاط ظاهرة ميشال عون رغم إبقاء الإدارة الأميركية دمشق على لائحة الإرهاب منذ العام 1979.

اعتبرت مرحلة سقوط عون في 13 تشرين الأول 1990 حتى صدور القرار 1559 في العام 2004 مرحلة سوريا المهمة في المنطقة. وعرف النظام السوري كيف يستشرف المستجدات الدولية ويتكيف معها. وإستطاع بالتالي أن يحتفظ بموقع له على خارطة الشرق الأوسط يمارس دوره مستفيداً من سياسة واشنطن وتل أبيب في الإبقاء على الخطوط الحمر، ومن دفع مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل قدماً إلى الأمام، وحتى إندحار نظام صدام حسين في بغداد من الساحتين الإقليمية والدولية.

إنتكاسات للدور السوري على الصعيدين الإقليمي والدولي بعد العام 2000

أدى إحتضان لبنان الدولة والشعب للمقاومة على إجبار إسرائيل الإنسحاب من الشريط الحدودي المحتل في أيار عام 2000 بإستثناء مرتفات كفرشوبا ومزارع شبعا. وكان الإنسحاب بمثابة رسالة إسرائيلية لدمشق على أنها تخلت عن مبدأ تقاسم الأدوار في لبنان وبما عرف بالخطوط الحمر للعام 1976.

بعد التحرير ساهمت عدة عوامل على تراجع الدور السوري بفضل متغيرات داخلية إقليمية ودولية. إذ توفي حافظ الأسد وحل مكانه نجله بشار الأسد على رأس الدولة السورية. فشل الجهود الأميركية في التوصل إلى تسوية سلمية بين إسرائيل وسوريا. رفضت دمشق إعطاء لبنان ما يثبت تبغية مزارع شبعا له لتبقي الإشتباك بين لبنان وإسرائيل. جاءت أحداث 11 أيلول عام 2001 في نيويورك والإحتلال الأميركي لأفغانستان ومن ثم للعراق في العام 2003 لتلقي بتداعياتها الثقيلة على العالم العربي ولاسيما على سوريا التي شاب علاقاتها بالإدارة الأميركية النقص في التقويم الدقيق للإستراتيجية الأميركية الجديدة بعد العام 2003. إذ عملت سوريا وإيران على إرباك الإحتلال الأميركي العسكري في العراق. لاحت الفرصة للأميركيين لتصفية الحساب مع النظام السوري. فكان أول الغيث صدور "قانون محاسبة سوريا" في أواخر العام 2003 من قبل الكونغرس الأميركي. أعطى الإشتباك السوري – الأميركي الجرأة للمعارضة اللبنانية بأكثرية مسيحية (مجلس البطاركة – قرنة شهوان) للمطالبة بتطبيق الطائف وإعادة تموضع شامل للقوات السورية في لبنان.

لم تتطابق حسابات سوريا مع الإستراتيجية الأميركية بل إختار بشار الأسد مواجهة الضغوط الدولية بعد القرار 1559 عام 2004 بعدم تعديل الدستور اللبناني والتجديد لاميل لحود واعتبر إغتيال الحريري في سياق الشباك السوري – الغربي، لإزاحته عن طريق مشروع يعد للمنطقة وهو مشروع الهلال الشيعي، لأن الحريري لعب دوراً كبيراً في منطقته مما جعله لاعباً إقليمياً. واعتبر فوزه الساحق في الإنتخابات النيابية في بيروت ما مكنه العودة بقوة إلى رئاسة الوزراء هو بمثابة إحتجاج على سياسة الأسد – لحود.

بعد إغتيال الحريري أخذ الصراع مع سوريا بعداً محلياً وإقليمياً ودولياً. فقد أصدر مجلس الأمن قراراً بإنشاء محكمة دولية خاصة بلبنان للتحقق ممن إغتال الحريري. وأجبرت الضغوط الدولية والعربية على إجبار الجيش السوري للخروج من لبنان.

المعروف أن الخارج الدولي قناص أزمات يفرض أحداثاً من صنع العوامل الداخلية للأدوات الداخلية، إنه يوفر الظروف لأحداث أزمات. عشية 2006 شهدت منطقة الشرق الأوسط تصاعد في حدة الشباك بين محورين مصحوبين بخطتين للمواجهة. وضع محور واشنطن – تل أبيب هدفاً بإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط والقضاء على التنظيمات (الإرهابية) كحماس وحزب الله، وتحجيم دور إيران إقليمياً ومنعها من تطوير برنامجها النووي حتى اللجوء للقوة العسكرية. بالمقابل وضع المحور المشكل من إيران وسوريا وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي مخططاً مناهضاً لسياسة واشنطن في المنطقة بعد إحتلال العراق. واعتبر هذا المحور نفسه ممانعاً للسياسة الأميركية ولوجود إسرائيل في المنطقة.

زادت الأوضاع سوءاً في الشرق الأوسط جعل دول الخليج العربي أكثر إلتصاقاً بسياسة واشنطن هو شكوكها في البرنامج النووي الإيراني وتفعيل دور محور "الهلال الشيعي" من قبل إيران. فقد حذر ملك الأردن عبد الله الثاني من خطر الهلال الشيعي لأنه يحدث خللاً على التوازن بين الشيعة والسنة في المنطقة. في حين إعتبر الملك السعودي أن إيران رأس أفعى في المنطقة. أعقب ذلك إجتماع لوزراء خارجية الدول الإسلامية السنية في كراتشي (باكستان) كتحذير لإيران من مغبة إستفراد العالم الإسلامي. بقيت سوريا على إلتصاق بسياسة إيران التي تقدمت بورقة إلى المؤتمر الدولي في شرم الشيخ أيار 2006 تربط فيها الملفات الإقليمية بالتوازي مع تسوية ملفها النووي. ولم تعر طهران أهمية إلى قرار مجلس الأمن الذي وضعها في مرتبة كوريا الشمالية. ويبدو أن الدولتين السورية والإيرانية كانت لهما أهداف مشتركة وراء الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز 2006 في إطار لعبة المحاور الإقليمية وذلك إستناداً إلى أحداث سبقت الحرب:

-        في 25 حزيران أسرت حماس الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

-        إعلان قيام تحالف عسكري سوري إيراني في حزيران 2006.

-        في تموز 2006 أسر حزب الله الجنديين الإسرائيليين. تلازم ذلك مع تصريحات إيرانية قبل الحرب وفي أثنائها تربط بين ملف إيران النووي وما يجري في لبنان. وإعتبرت طهران أن كل مس بالملف سيجعل الشرق الأوسط من باكستان إلى لبنان جحيماً.

ترتب على الموقف السوري المنحاز إلى إيران تكون قناعة عند الأمريكيين بأن سياسة الطلب من سوريا تقديم تنازلات لم تؤد إلى نتائج حاسمة وأن عليهم تغيير قواعد اللعبة، وتغلب التيار في الإدارة الإمريكية الذي يرفض كل إنفتاح أو حوار مع دمشق معتبراً أنها المشكلة فيما يحصل في المنطقة.

الثورة السورية ومصير خرائط المنطقة

لم تكن الثورة السورية القائمة حالياً وليد صدفة بقدر ما هي تراكمات لممارسات تعود إلى سبعينات القرن العشرين عندما تولى حافظ الأسد السلطة في دمشق بإسم حزب البعث إذ إعتمد نظامه على إجتثاث مؤسسات المجتمع المدني المستقلة ودجن القوى السياسية الأخرى خارج البعث. وجرى تهميش الطبقة الوسطى ومحاصرتها من خلال ربطها بالأجهزة الأمنية المختلفة، وأوجب على مفكريها ومبدعيها على أن يخضعوا لتلك الأجهزة. ترافق ذلك مع فتح أبواب النهب والفساد بأوسع أشكاله حتى أن عائدات النفط السوري لا تدرج في ميزانية الدولة بل توضع في حساب خاص بتصرف الرئيس.

أحس المواطن السوري بأنه لا كرامة له ولا قيمة له فهو معرض للإعتقال دون أسباب تذكر ولا يعرف أحد في أي فرع للمخابرات. وقد تمتد فترة إعتقاله إلى عقد أو عقدين ولا يقدم إلى المحاكمة.

وكان إستمرار إعتماد النظام على عصبية مذهبية تستأثر بمقدورات سوريا ما غذا بممارستهم السياسية فئويتهم ولم يمارسوا وطنيتهم فبنوا حواجز بينهم وبين بقية الطوائف. لكن عراقة المجتمع المدني والسياسي والعلماني اليساري بصفة خاصة في سوريا منعت تحول الديني إلى طائفي أو مذهبي وبقيت تناقضات المجتمع السوري تعمل في إطار المشكلات الإقتصادية والسياسية. ولم تتحول الحساسيات الدينية إلى طائفية سياسية.

في الوقت نفسه إستفاد التيار الإسلامي من ضعف الأحزاب المدنية بعد فشل المشروع الناصري العام 1967 وتقزيم دور حزب البعث في كل من العراق وسوريا لخدمة طبقة حاكمة تتخذ من العائلة والطائفة عصبية للنظام. من جهة أخرى فإن الجماعات الفقيرة الوسطى كانوا على فطرتهم يعتزون بالدين وقداسته ومثله. كما أن مصالح هذه الجماعات لم تصطدم مع تعاليم الدين الذي كان مبشراً بخلاصهم من الظلم الإجتماعي والسياسي. وليس صدفة إن الجماعات الدينية تستمد معظم قوتها من شرائح التجار الصغار والحرفيين والطلبة المهددين بالبطالة والمهنيين الذين لم تستقر أحوالهم الإقتصداية والمثقفين الذين تغلبت طموحاتهم على واقعهم. لذلك فإن إستعمال الدين كآداة تحريض لا يمكن فصله عن مصالح وحاجات ومواقع الطبقات الوسطى التي تزدهر ضمنها هذه الحركات.

وإذا كانت الظروف الإقليمية والدولية فضلاً عن الداخلية مؤاتية في عهد حافظ الأسد فإن المناخات ذاتها لم تسعف بشار الأسد الذي تولى السلطة في سوريا عام 2000. تضمن خطاب القسم للرئيس الشاب المتخصص بأمراض العين من جامعات بريطانيا، وعداً بإصلاحات في النظام السياسي، وفتح قنوات تواصل مع شرائح في المجتمع السوري تطمح إلى التغيير. لكن الحرس القديم لوالده والذي حمله إلى السلطة رفض الإصلاح، بل أمعن في تكريس نهب الدولة والفساد والتسلط على المؤسسات. بدا أن بشار الأسد يدير أزمة ولا يحل المشكلات. وبدا أن شروط إندلاع الثورة يقترب، حتى كان منتصف العام 2011 حين إنطلقت من مدينة درعا وإنتشرت في كل سوريا متفاعلة بشكل واسع مع ثورات الربيع العربي بسبب الجوع والفقر وقمع الحريات. وما ساعد على إنتشارها الإسلام السياسي الجديد الذي يطرح الحل لمشكلات العالم العربي والإسلامي بالإسلام. وبعد ما كان الدين ملجأ في زمن السكون يصير كابوساً عندما ينفجر. وأخطر ما في هذا الإسلام أنه أطلق ثقافة لم يعرفها المسلمون من قبل هي ثقافة الموت. بمعنى آخر بعدما كان الموت أبغض الحلال عند المسلم أصبح بفضل الثقافة الجديدة على المسلم طلب الموت بدل إنتظاره لأن هذه الدنيا دار فناء عابرة وليست دار بقاء. وأصبحت ظاهرة الإنتحاريين السمة السائدة في الإشتباك بين المذاهب الإسلامية ومع الآخر. بهدف الإلتحاق "بالجنة مع حواري العين و...".

مع بداية الأزمة السورية برز مجدداً تشابك نزاعات الداخل وتدخلات الخارج الإقليمي والدولي. وكانت إيران وحلفائها من الشيعة واضحة منذ البداية في دعمها للنظام وتمسكها به لما تمثله سوريا من دولة ممانعة في قلب إستراتيجية إيران في المنطقة، ولكون الدعم الأساسي لمحور الممانعة والمقاومة يتم عبر هذا الممر الإجباري إلى المنطقة. بالمقابل ساند النظام العربي وجامعة الدول العربية المعارضة السورية إلى أقصى الحدود على صعيد التمويل والتسليح وسياسياً.

أما على الصعيد الدولي دعمت روسيا النظام السوري بقوة في حين تمثل الدعم الأميركي والغربي للمعارضة السورية بالإعتراف بها وتقديم الدعم العسكري المحدود.

وحدة الخارطة السورية ومسار الأحداث فيها

كشف تطور الأزمة السورية على مخاطر كبيرة تهدد مستقبل سوريا وسيكون لها إنعكاسات على صعيد المنطقة. على صعيد الداخل فكلا الفئتين المتصارعتين الرئيسيتين أهل السلطة والمعارضة لم يقدما تصوراً بناءً مفصلاً لمسألة، كيف ينبغي أن يكون مظهر المجتمع الجديد. وكلا الفئتين ينساقين إلى صراع ببعد مذهبي ويعملان على سقوط مفهوم الدولة غير المنصفة لتصوراتهم وبخاصة موقفهما من بقاء السلطة أو الدولة السورية الموحدة.

على الصعيد الإقليمي أفرزت الثورة السورية ثلاث قوى لها مواقفها الخاصة من الأزمة:

-        تحالف إيراني – سوري – عراقي – حزب الله، وهو حلف مؤيد ومشارك في القتال مع النظام السوري.

-        تحالف تركي – قطري والأخوان المسلمين وهو حلف يدعم بالسلاح والمال والإعلام. وبشكل أساسي الأخوان المسلمين الذين أنشأوا تنظيماً مسلحاً بهم يقاتل تحت إسم "هيئة دروع الثورة الإسلامية".

-        تحالف ثالث يضم بقية الدول العربية بزعامة السعودية. وهو حلف من أقوى مساندين للمعارضة السورية في كل ميادين الدعم.

كلا الأطراف الثلاث فتح قنوات إتصال مع الإدارة الأميركية لحل الأزمة السورية وكانت مراهنتهم كبيرة بهذا الخصوص لاسيما أن هذه الأطراف لا تواصل فيما بينها بشأن الوضع السوري.

من دواعي الخوف اليوم مما يحدث في سوريا هو الترابط الذي أصبح واضحاً بين الصراع المحلي حول البدائل الممكنة والأشكال الأخرى في الصراعات العالمية والذي تبحث عن نموذج جديد في العلاقات الدولية. فيما راحت مراكز الأبحاث وبعض وسائل الإعلام تتداول عن تقسيم سوريا من ضمن خارطة تطال منطقة الشرق الأوسط إستناداً إلى بعض الوقائع منها نجاح أكراد سوريا في إقامة دعائم دولتهم في القامشلي بدعم من أكراد العراق، وفي وقت رفع علم الدولة العلوية في حمص على مطارها القريب من القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، وما يتداول أخيراً عن النموذج اليمني الذي جرى الإتفاق عليه بين القوى السياسية اليمنية بتقسيم بلدهم إلى ولايات ذات إستقلال ذاتي.

أما الجواب على ذلك فيمكن أن نجده من الماضي السوري وفي مسار الأحداث اليوم. بداية يجب الإعتراف أن الدول الإستعمارية في بداية القرن العشرين نجحت في رسم كيانات سياسية إستناداً إلى نص معاهدة سايكس بيكو. التي حماها رافضوها من الوحدويين العرب ورفعوها إلى مقام مقدس.

وفي مفارقة مذهلة تجوز المقارنة بين إستعمار قسم الأمة ومسؤولين عرب وحدويين قسموا الشعب إلى شعوب وأقوام وطوائف. بالمقابل يشهد التاريخ السوري فشل مطالبة الأقليات الأتنية والدينية السورية بكيانات سياسية في أعقاب الحرب العالمية الأولى منها:

-        رفع الأشوريون مذكرة إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 يطالبون بكيان سياسي لهم في منطقة الجزيرة السورية وقسم من أراضي العراق.

-        مطالبة الأرمن بكيان سياسي لهم في شمال سوريا.

-        مطالبة أكراد سوريا بضم مناطق تواجدهم في سوريا بالدولة الكردية التي يطالب بها أكراد العراق وتركيا.

-        مطالبة أتاتورك بضم حلب إلى تركيا...

-        أما اليوم فإن المعطيات المحلية والإقليمية والدولية تستبعد كل شكل من أشكال تقسيم سوريا والمنطقة لعدة أسباب:

أ‌-                    على الصعيد المحلي السوري واللبناني

1-                  لم تطرح كلا الفئتين الرئيسيتين المتصارعتين في سوريا: السلطة والمعارضة، موضوع الفدرالية أو التقسيم ولا تعملان عليه على أرض الواقع. في حين يسجل تطهير مذهبي في بعض المناطق السورية وهو ليس ذات قيمة في أي حل مستقبلاً. ويمكن أن نأخذ النموذج اللبناني أثناء الحرب الأهلية في العام 1975 وكيف عاد إلى حد ما الإختلاط الطائفي.

2-                  إن لبنان الأكثر تأثراً بالأحداث السورية، إذ أن كل تقسيم أو ما يشابهه يطال الخارطة السورية سينسحب على الخارطة اللبنانية حتماً، ما يمكن الإطمئنان إليه إن لبنان يمتلك على هزالة واقعه السياسي الهش – من الممانعة ما يمكنه بلعب دور يحول دون المساس بالخارطة السورية لاسيما أن كل محاولات تقسيم لبنان في الماضي القريب والبعيد قد فشلت.

في ظل الإشتباك السني – الشيعي في لبنان كتداعيات للإشتباك في العالم الإسلامي يمكن للمسيحيين اللبنانيين أن يلعبوا دوراً كبيراً في لجم هذا الإشتباك على الصعيد اللبناني لأن فيه مصلحتهم بالدرجة الأولى وثانياً بإعتبارهم المؤهلين الوحيدين للعب هذا الدور إذا أحسنوا التصرف فبإمكانهم أن يحددوا موقفهم من أي طرف من مكونات الشعب اللبناني لا يلتزم ببرنامج يضعوه إستناداً على لبنان أولاً والنأي بالنفس عن أحداث المنطقة.

ب‌-                 على الصعيد الإقليمي:

1-                  يبدو أن زخم التدخل التركي في الأزمة السورية قد هزل في الآونة الأخيرة لأسباب داخلية تركية وثانياً لفشل أردوغان في مشروعه بتزعم العالم الإسلامي السني بعد سقوط الأخوان المسلمين في مصر وتداعي دورهم في تونس وتزعم السعودية معظم دول الخليج ضد الأخوان المسلمين حتى أنها صنفتهم من قوى الإرهاب الإسلامي.

2-                  إن إيران التي تحجز لنفسها مكانة كدولة إقليمية على الخارطة السياسية للمنطقة والعالم ولمشروعها السياسي الخاص القائم على ولاية الفقيه لا تقبل بتقسيم سوريا لأنه ينتقص من هيبتها الإقليمية وبالتالي لا تفرط بالمكتسبات التي حققها مشروعها في سوريا ولبنان والعراق وإلى حد ما في فلسطين.

3-                  إن النظام العربي القائم لا يحبذ ولا يدعم اللعب بالخارطة السورية أو بخرائط المنطقة لأن خرائط بلدانه ستكون ضحية هذا التغيير.

         ج –    على الصعيد الدولي:

إن العلاقات الدولية لم تتبدل بين ليلة وضحاها. ويفترض أن نميز بين أنماط التفكير التي تسيّر مصالح الدول الكبرى في القرن الواحد والعشرين عن أنماط التفكير التي تسيّر مصالح الدول الكبرى في أواخر القرن التاسع عشر من مسألة قيام الكيانات السياسية والحفاظ على حدودها.

الفئة الأولى تعمل على تغيير النظام والسيطرة علية وليس تغيير الحدود. وتقدر أن الحفاظ على الحدود القائمة أسهل من قيام حدود أخرى لمنع إتساع النزاعات التي يصعب السيطرة عليها.

الفئة الثانية: كانت تعمل على رسم حدود كيانات من قبل موظف في وزارة الخارجية أو الدفاع دون إعتبار لتداعيات محلية التي كان يسهل السيطرة عليها. وكان المقص جاهز لتعديل خارطة الحدود القائمة عندما تقتضي ضرورات مصلحة البلدان المهيمنة.

يبقى أن نشير أن إستمرار الأزمة السورية الحالية إلى ما نهاية في حالة من الصراع والإقتتال الدائم هو أمر مستبعد مهما بلغت المصالح بين أطراف الصراع الداخلي والخارجي. ومع أن جبهة التحالف مع النظام السوري أقوى وأكثر صلابة وشجاعة فإن القضاء على المعارضة السورية بشقيها العسكري والمدني من قبل النظام وحلفائه مستبعد سوى بإبادة جماعية أو صراع طويل.

تبقى المراهنة على نجاح المفاوضات بين إيران ومجموعة 5 + 1 بخصوص ملفها النووي. في حال نجاح إنقضاء مدة ستة أشهر لإختبار نوايا إيران سيفتح الباب واسعاً لوضع ملفات جديدة على طاولة المفاوضات، ويرجح أن يكون الملف السوري وحزب الله أهم هذه الملفات الساخنة لأن الفصل بين الملف النووي الإيراني والملفات الأخرى غير ممكن.

 

              علي شعيب

رئيس الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم