تكريم أعلام الثقافية في لبنان والعالم العربي

تكريم البروفسور أنطوان غصين

 

 كلمة الياس كساب

 كلمة الدكتور هنري العَويط

 كلمة البروفسور انطوان غصين

 

تكريم البروفسور أنطوان غصين

 



  كلمة الياس كساب  

 

قد يجوب المرء أقاصي الارض عندما يتعلق الامر بشفاء ، فالانسان جسدا" وروحا" يسعى دوما" ليحافظ عليهما من كل دخيل وطارئ غير مرغوب فيه .

عرف الانسان أهمية العافية فكان للشافي الذي أصبح الطبيب مع تقدم الزمن، مكانة مقدسة عبر العصور ، لقد لمس هذا الطبيب قيمة الانسان أعز مخلوقات الله وعرف سره لذلك اقسم على ان يشفيه من كل مرض ويحميه ويحافظ عليه ويصبح عمله رسالة انسانية بامتياز، بناء عليه دعي الطبيب حكيما".

ان من اختار ان يدمج نفسه بهذا الحقل انما نذرها للخير واقسم يمينا" يلازمه طول حياته.

مهنة الطب هي من المهن الانسانية والاخلاقية وهي من أشرف المهن التي عرفها التاريخ البشري لذلك يتعين على من ينتمي الى هذه الفئة ان يراعي سلوكيات هذه المهنة وآدابها وان يكون قدوة في مسلكيه العام والخاص ولذلك  فان البلدان كافة تسعى ومن خلال تشريعاتها الى وضع أنظمة تحدد مسؤوليات مزاولي مهنة الطب وتنظم العلاقة بينهم وبين المرضى كما تحدد شروط الواجب توافرها لدى من يمارس هذه المهنة ويأتي كل ذلك في اطار المبادئ التي يقررها المجتمع الدولي ، ولعل من أهم هذه المبادئ إعلان جنيف الذي وجب أن نذكر به ونذكر بعض ما جاء فيه :

" أتعهد وأنا أنضم الى سلك مهنة الطب بأن أكرس حياتي لخدمة الانسانية وسأقدم لأساتذتي الاحترام والتقدير الذي يستحقونه وسأمارس مهنتي بما يمليه علي الضمير والشرف وستكون صحة المريض محل اعتباري الأول وسأحافظ على الأسرار التي أؤتمن عليها وسأصون بكل الوسائل المتاحة لي الشرف والتقاليد العريقة لمهنة الطب وسأعامل زملائي باعتبارهم اخوتي. ولن أسمح لاعتبارات الدين والجنسية والعرق والسياسات الحزبية او المركز الاجتماعي ان تتدخل بين أداء واجبي وبين مرضاي وسأحافظ على أبعد حدود الاحترام للحياة الانسانية ولن استعمل معرفتي الطبية، حتى ولو تحت التهديد خلافا" لما تقتضيه الاعراف والقوانين الانسانية انني أقطع على نفسي هذه الوعود بكل رصانة ووقار بمحض ارادتي واقسم بشرفي على ذلك"

وانني اذ قرأت على مسامعكم هذا المقطع فلا بد أنني راء في كلماته وصفا" دقيقا" لاخلاقيات المكرم الليلة وهو البروفسور انطوان غصين ومسيرة حياته.

فلا عجب ان كان قد أطلق على لبنان مستشفى الشرق كون هذا البلد أنجب أنطوان غصين وأمثال انطوان غصين وتلامذة أنطوان غصين ، لهذا فقد قررت الحركة الثقافية-أنطلياس أن يكون هذا المبدع مكرما" على منبرها الليلة واسمه يكلل يوما من أيام هذا المهرجان.

عندما كنت أحضّر لهذا اللقاء، قصدت عيادته في الاشرفية فتوقعت ان أرى تلك العيادة الفخمة وقد زيّنت بالتحف البراقة واللوحات الخلابة القيمة، فاذا بي أرى عيادة" تحفها وتماثيلها جوائز ونجاحات ، حيطانها شهادات جامعية وشهادات تقدير وعضوية شرف لجمعيات ومؤتمرات في لبنان وخارجه، وكتبا علمية وأدبية متعددة ،  فأدركت حينها ان العظمة لم تتجل الا بهذا الطبيب الجراح.

من يتكلم على سيرة البروفسور غصين ويقدمه لنا ، هو من عرفه : رب عائلة  صديقا"،  طبيبيا"،  استاذا" باحثا" عميدا"، انه صديق الحركة الثقافية - أنطلياس الدكتور هنري عويط ،أبن بلدة بزيزا قضاء الكورة لبنان الشمالي،

-            الحائز على الاجازة التعليمية في الفلسفة ثم الاجازة التعليمية والماجستير والدكتوراه عام1986 بدرجة الامتياز في اللغة العربية وآدابها من جامعة القدّيس يوسف.

-            الأمينا العام لجامعة القدّيس يوسف منذ 1982 ومدير دوائرها الاكاديمية منذ 1990.

-            مدير المعهد الجامعي لاعداد المعلمين والمديرين منذ عام 1997 الى عام 2005

-            عميد كلية العلوم  التربوية منذ عام 2001 الى عام 2004

-            أستاذ مادة الادب العربي الحديث وأستاذ مادة الترجمة في معهد الآداب الشرقية في جامعة القدّيس يوسف.

-            عضو في مجموعة من اللجان والهيئات التربوية والفكرية .

-            رئيس التجمع الدولي للامناء العامين في الجامعات الفرنكوفونية منذ عام 1997 الى عام 2001 ، مقرر عام لمجلس اتحاد الجامعات العربية منذ 2002

-            شارك في عدد كبير من الندوات والمؤتمرات الوطنية والعربية والدولية وله فيها مجموعة من المداخلات والالمحاضرات

-            له مجموعة من المقالات والدراسات باللغتين العربية والفرنسية في النقد الادبي والترجمة والعلوم التربوية فضلا عن مجموعة من الترجمات ،

-            شارك  في وضع العديد من الكتب .

 

 

 

تكريم البروفسور أنطوان غصين

 

 

كلمة الدكتور هنري العَويط  

 

أنطوان غصَين جرّاحاً وإنساناً

اختارَتِ الأديبةُ نينا جيدادجيان للكتابِ الذي دوَّنَت فيه سيرَةَ زوجِها البروفسور يرفنت، عنواناً كثيفَ الدلالَةِ في إيجازِهِ : « The Surgeon and the Man »، " الجرّاح والإنسان". فَدَعوني أُصارِحُكم بأنّي لم أجِدْ خيراً من هذا العنوان أستهِلُّ به شَهادتي في البروفسور أنطوان غصَين، بل أبني عليه مداخلَتي كلَّها. ومردُّ ذلك إلى أنّ عبارَتَي هذا العنوان - البرنامج، تكادان تختصران فصولَ حياتِهِ بأكمَلِها. فتَحْتَ قُطبِهِ الأوّل، يتألّقُ سِجلُّهُ المِهْنيُّ الحافِلُ بما يَربو على خمسٍ وخَمسينَ ألفَ عمليّةٍ جراحيّة، ويتوهَّجُ تحْتَ قُطبِهِ الثاني، رصيدُه الإنسانيُّ الزاخِرُ بالعطاءات، وليس أقلَّها شأناً إجراؤهُ عشرينَ ألفاً من هذه العمليّات بصورةٍِ مجّانيّة. ولكنّ هذه الأرقام، على بلاغتِها، لا تختزلُ سيرةَ أنطوان غصَين ومسيرَتَهُ، فاسمحوا لي أنْ أستعرِضَ أمامَكم بعضَ أبرزِ محطّاتِها، وأتأمّلَ معكم في عددٍ من وجوهِها المُضيئة.

* * *

أوّلاً : تجربة الجِراحَة الريفيّة في البقاع

عُرِفَ أنطوان غصين بِنَجابتِه ونجاحِه الباهر في دروسِهِ التي بدأها في زحله وأكملَ مرحلتَها الثانويّة في مدرسةِ الحِكمة في بيروت. وتُثْبِتُ محفوظاتُ كليّةِ الطِبِّ في جامعةِ القِدّيس يوسُف أنّه كان من طَلبَتها المُبرّزين، فمنحَته، فضلاً عن شهادةِ دكتوراه الدولةِ الفرنسيّةِ في الطِبّ، أربعَ ميداليّاتٍ في اختصاصاتِ الكيمياءِ الحَيويّة، وعِلمِ الأنسجة، وعِلم وظائفِ الأعضاء، وعِلمِ الأجِنَّة.

وكانَ في مَقدورِهِ، عندما أنهى في عام 1953، مرحلةَ تخصُّصِهِ، أنْ يَجِدَ في بيروت ما يتناسَبُ مع مؤهّلاتِهِ وطموحاتِه. لكنَّه لم يستسلِمْ إلى إغراءاتِ ممارسةِ مِهنَتِهِ في العاصمة، وما تَعِدُ به المتخَرِّجَ المتفوِّق من مالٍ وشهرةٍ ومناصِب، بل آثَرَ أنْ يستقِرَّ في زحله، ويعمَلَ في وَسَطِ بيئةٍ اجتماعيّةٍ متواضعة، ومحدودةِ المَوارِد، وفي صَميمِ مِنطقةِ البِقاع التي كانَت تُعاني عهدَ ذاكَ الحِرمانَ الشديد على صعيدِ الخِدْماتِ الطِبيّة والاستشفائيّة. ولَم يَكنِ القرارُ الذي اتّخذهُ وليدَ عاطفةِ الحُبِّ التي تشدُّه إلى الأرضِ التي أبصَرَ فيها النورَ فحسب، بل كانَ خِياراً واعياً ومقصوداً، نابعاً من مفهومِه لرسالةِ الطِبّ، ومن تصوُّرِهِ لدورِهِ هو كطَبيب.

 

فعلى غِرارِ مثالِهِ الأعلى، الطبيبِ الإنسانيّ الكبير، ألبير شويتزر، الذي ترك ستراسبور وموقعَه المتقدِّمَ فيها، وكرّس حياتَه للقارّةِ الأفريقيّة الفقيرة، صمَّمَ أنطوان غصين على خدمةِ أهلِ الريفِ المتألّمينَ والمُعوِزين، فمارَسَ على امتدادِ عشرينَ سنةً ونَيّف، مِهْنةَ الجِراحَة في مستشفى زحله الحكوميّ، وفي مستشفى تلّ شيحا، وكانَا في خمسيناتِ القَرنِ الماضي المستشفَيَين اليَتيمَين في البِقاعِ بأسرِهِ، كما كان هو، لسنواتٍ طِوال، الجرّاحَ الوَحيد في هذه المِنطقةِ المتراميةِ الأطراف.

وقد أكسبَتْهُ هذه التجربةُ الطويلةُ، خِبرةً ثريّة، فأتاحَتْ له أنْ يُجريَ ثلاثينَ ألفَ عمليّةٍ جراحيّة، وأنْ يُعالِجَ حالاتٍ قلَّما يتيسَّرُ للأطبّاءِ العامِلين في المُدُنِ أنْ يُعاينوها، ومنها لَسْعاتُ الأفاعي في السهل، وطَعَناتُ الخَناجِر أو رصاصُ البنادِقِ، الشائعَةُ في مِنطقةٍ كانَت تَسودُها شَريعَةُ الثأر، فضلاً عنِ الجروحِ والكسورِ التي يتسبَّبُ بها انقلابُ الجرّاراتِ الزراعيّة. وتوصَّلَ، في هذا الإطارِ الجغرافيِّ والديموغرافيّ الخاصّ، إلى اكتشافِ مَرَضِ الجمرةِ الخبيثةِ المِعويّة،(Le charbon intestinal / intestinal Anthrax) الذي كان يَفتِكُ بالمئاتِ من الرُعاةِ والقَرويّين، في قضاء بعلبكّ - الهِرمل تحديداًً، مسجِّلاً بذلك واحداً من أهمِّ إنجازاتِه على صعيدِ الأبحاثِ العلميّة.

وشَكَّلَت هذه المرحلةُ البِقاعيّة، التي يَحلو له أنْ يُسَمّيها " اختبار الجِراحة الريفيّة "، تجربةً مميَّزَة بل فَريدَة، طَبعَتْ شخصيَّته بمِيسَمِها، ورسَمَتِ التوجّهاتِ الكُبرى التي قادََتْ مسيرَته المديدَة، في جميعِ محطّاتِها. فعلَّمَتْه، في جملةِ ما تمرَّسَ به، الواقعيّةَ، والاتّزان، وزوَّدَتْهُ طاقةً واسعةً على الإصغاءِ إلى المَرضى والتماهي معهم، وحبِّهِم، والتفاني في خِدمتهِم، وما يُشبهُ العِنادَ في بَذلِ المستَطاع، بل ما يتجاوز أحياناً نِطاقَه، من أجلِ رَدِّ العافيةِ إليهم، وشفائهِم.

ولئن لم يوظِّفْ أنطوان غصَين، شأنَ الكثيرينَ غيرِه، خِدْماتِه الطبيّة، في تغذيةِ رصيدِه السياسيّ، وبناءِ شعبيَّتِهِ الانتخابيّة، فلقد حَفِظَ له أبناءُ زحله والبقاع هذه الخِدْمات، وهم أهلُ وفاء، وبادلوه الحبَّ الكَبير، وأحاطوه بهالَةٍ لافتةٍ من التقديرِ والاحترام، ومحضوه ثقتَهُم العمياء، واتّخذه الآلافُ منهم، عهدَ إقامته بين ظهرانَيْهم، مَرجِعَهُم الطبيَّ من دونِ منازعٍ أو شَريك، ثمّ انتدبوه سَفيراً لَهم في بيروت، مفوِّضينَ إليه رعايةَ شؤونِهِم وشجونِهِم الصحيّةِ كلِّها.

 وعَرَفَ أنطوان غصَين أنْ يأتمِنَ على أسرارِ مَرضاه، ويعهَدَ بتَدبيرِ عيادتِه البيروتيّة، إلى ماري-روز الحويّك، سَليلَةِ البَيتِ العريقِ الذي ندينُ له بنشوءِ دولَةِ لبنانَ الكَبير، فحظيَ كلُّ مَن قصدَه لمعاينةٍ أو لاستشارَة، وبخاصَّةٍ الوافدونَ من البِقاع، بحسنِ استقبالِها وحرارَتِهِ.

 

والحَقُّ يُقال إنَّ العَلاقَةَ التي أقامَها أبناءُ زحله والبقاع، بمَرجِعهِم الطِبيِّ شِبهِ الوَحيدِ في بيروت، أحلَّتْهُ عندَهم في مرتَبةِ المستشارِ النَصوح، والمرشِد الأعلى، فلا أراني أُغالي إنْ أنا زَعَمتُ أنّ لَقَبَ "الحكيم"، بكلِّ ما لهذهِ الكلمةِ من معانٍ ودلالاتٍ وأبعاد، إنّما صيغَ خِصّيصاً لِيُطلَقَ على أمثالِ أنطوان غصين.

فكيف لا نعترفُ بأنّه ينتَمي إلى رعيلِ الروّادِ الذين تنبَّهوا إلى أخطارِ استئثارِ العاصمةِ بيروت بالكفاءاتِ الطِبيّة، والمؤسّساتِ الاستشفائيّة، وأدركوا، قبل تقاريرِ بَعثةِ ايرفد، ودراساتِ الأب لوبره، ما تعانيه الأريافُ، وفي طَليعتها مِنطقةُ البِقاع، من إهمالٍ وتخلّفٍ وحِرمان، وأنّ لها حاجاتٍ حقيقيّةً وماسّة، وحقوقاً مَشروعَة، فبادَروا، قبل إصلاحاتِ العَهدِ الشهابيّ، إلى تحقيقِ الإنماءِ المتوازِن في هذا المجال؟!

وكيف لا يَحمِلنا تكريمُ البروفسور غصَين اليوم على مناشدةِ نِقابتَي الأطبّاء، ووزارتَي الصِحَّةِ والشؤونِ الاجتماعيّة، والمسؤولينَ في كليّاتِ الطِبّ، العمَلَ الجادَّ على استصدارِ قانونٍ ينشئُ الخدمةَ الطبيّةَ الإلزاميّةَ في الأرياف، ويشترطُ في كلِّ متخرّجٍ جديد تأديتَها قبلَ منحهِ الإذنَ بممارسةِ المهنةِ في المدن ؟!

وكيفَ لا يذكّرنا تكريمُه، بالمبادئ الأساسيّةِ التي استوحاها، وعَمِلَ بمقتضياتِها، والتي غالباً ما ننساها أو نتناساها، وفي مُقَدِّمِها أنّ خِدمةَ الفقراء، وأنَّ الخِدمةَ في القرى والدساكرِ المتواضعَة، والمناطقِ النائية، ليسَت التزاماً مِهْنيّاً فحَسب، بل هي أيضاً واجبٌ وطنيّ، وشِرعةٌ أخلاقيّةٌ وإنسانيّة.

 

ثانياً :  التألّق الأكاديميّ والتميّز المِهْنيّ

وبعدَ تجربةِ الجراحةِ الريفيّة التي عاشَها في البِقاع، عيّنَتْ كليّةُ الطِبِّ في جامعةِ القِدّيس يوسُف خِرّيجَها اللامع، فورَ عودَتِهِ إلى بيروت في عام 1973، أستاذاً للجِراحةِ فيها، ثمّ رقَّتهُ إلى رتبة بروفسور، وانتخبَتهُ في عام 1986 عميداً لها. وإليه يعودُ الفَضلُ، مع فريقِ معاونيه، في إنشاءِ برامجِ الاختصاصاتِ الطِبّيةِ، وفي العملِ على تطويرِها ورَفعِ مستوى التنشئةِ وضَمانِ جودتها، فمكَّنَ أفواجاً من الأطبّاءِ المتفوّقين، يربو عددُهُم على الألفَين، مِن أنْ يبدأوا في لبنان مرحلةَ تخصُّصِهِم، وينجحوا في المُبارياتِ الأوروبيّةِ والأميركيّةِ التي أهّلَتهُم لمتابعةِ تخصُّصِهِم في أرقى المستشفياتِ في الخارِج.

ولم يَقنَع البروفسور غصين بالعلومِ التي حصَّلها، وبالخِبرةِ التي اكتنَزَها، فأخذ منذ مطلَع الستّينات بالمبدأ الذي دَعَت منظَّمةُ اليونسكو أخيراً إلى تطبيقِهِ، معتبراً أنَّ الشهادةَ هي بدايةُ طريقِ العِلمِ لا خاتمتُهُ، وأنَّ التعلُّمَ مدى الحياة ليس شرطاً لا غنىً عنه للنجاحِ في ممارسةِ مهنةِ الطِبِّ فحسب، بل هو أيضاً واجبٌ أخلاقيّ على الطبيبِ أنْ يلتزمَ مقتضياتِهِ. فلَم يتخلَّفْ عنِ المشاركةِ في المؤتمراتِ الوطنيّةِ والإقليميّةِ والدوليّةِ في حقلِ اختصاصِهِ. وحَمَلَهُ تعطُّشُهُ إلى المعرفة على ارتيادِ مراكزِ العِلمِ المشهورة، في باريس، ومرسيليا، وبوردو، ومونبلييه، وتولوز، وليل، وبروكسيل، وفي بوسطن، ونيويورك، وميامي، وشيكاغو، وأتلانتا، ونيو أورليان، وسان فرنسيسكو، ليتابعَ فيها بوَتيرةٍ شبهِ سنويّة، دوراتٍ دراسيّة كانَت تمتدُّ أسابيعَ وأشهراً، وفَّرَت له التنشئةَ المستمرَّةَ التي سَعى في طَلَبِها، وأتاحَت له الاطّلاعَ الدوريَّ والمتواصِل على أحدثِ ما يستجدُّ في عالَم الطِبّ، إنْ على صَعيدِ المعارِفِِ والأبحاثِ المتطوِّرة، أو على صعيدِ التِقنيّاتِ المبتَكَرَة المُعتَمَدَةِ في العِلاج والعمليّاتِ الجراحيّة، فاغتنى بها، وأفادَ بها طُلاّبَهُ، وأمَّنَ بفَضلِها خدمةَ مرضاه على أفضلِ وَجه.

ولم يقتصِرْ ما حظي به من تقدير، على كليّةِ الطِبِّ في جامعةِ القِدّيس يوسُف. فقد تَمَّ اختيارُهُ عضواً في (Arab Board)، المجلسِ العربيِّ المسؤولِ عن تدريبِ الجرّاحين، من متخرّجي دولِ العالَمِ العربيّ، والمُشرِف على امتحانِهِم. وأهّلَهُ نشاطُهُ الأكاديميُّ البارِز، وأبحاثُه العِلميّةُ الرَصينَة، وخِبرَتُهُ الجراحيَّةُ الواسِعة، للانتسابِ إلى هيئاتٍ عِلميّةٍ مَرموقَة، فأصبحَ عضواً في الجمعيّةِ الدوليّةِ للجراحة، منذ عام 1959، ومندوبَها الوطنيّ، وعضواً في هيئتها الدوليّة، منذ عام 1980؛ ونالَ عضويّةَ الجمعيّةِ الفرنسيّةِ للجراحَة، منذ عام 1959، وعضويّةَ الجمعيّةِ الأميركيّةِ للجراحة منذ عام 1971، ثمَّ انتُخِبَ رئيساً لفرعِها اللبنانيّ على مدى سنوات ؛ وأصبحَ عضواً مشاركاً في أكاديميّةِ باريس للجراحة، منذ عام 1986 ؛ وكانَ رئيساً للجمعيّةِ اللبنانيّةِ للجراحَةِ العامّة، على امتدادِِ عَقدَين ونيِّف من السنوات، منذ عام 1974 إلى عام 1996، قبل أن يصبحَ رئيسَها الفخريّ مدى الحياة.

هذه الكفاءةُ المَشهودةُ في المجالِ الأكاديميّ، رَفَدَتها كفاءتُهُ المميَّزَةُ في الحقلِ المِهْنيّ. ففضلاً عن سِجلِّهِ الحافِلِ في مستشفياتِ زحله والبقاع، ورئاستِه قسمَ الجراحَةِ في مستشفى تلّ شيحا منذ عام 1953 إلى عام 1973، رأَسَ في مستشفى أوتيل ديو فرعَ الجراحَة منذ عام 1976 إلى حين إلغائهِ في عام 1983، ورأَسَ فيه أيضاً قِسمَ الجراحةِ العامّةِ منذ عام 1974 إلى عام 1991، وقِسمَ الطوارئ منذ عام 1983 إلى عام 1991، ولا يزال إلى اليوم يُمارِس الجراحةَ في مستشفياتِ أوتيل ديو، ورزق، والخوري، وتلّ شيحا. وكانَت له، بعد تجربةِ الجراحةِ الريفيّةِ في البقاع، تجربةٌ أخرى مؤثّرَة، شاركَهُ فيها مجموعةٌ من زملائهِ في مستشفى أوتيل ديو، هي تجربةُ الجِراحَةِ الحربيّةِ التي مارسوها في سنواتِ الحَربِ التي عَصَفَتْ بلبنان، واضطرّوا خلالها، تحتَ وابِلِ القَصف، في ظروفٍ أمنيّةٍ بالغةِ الخطورَة، وبيئةٍ طبيّةٍ كادَت أنْ تنعدِمَ فيها أبسطُ مقوّماتِ الجِراحَة الناجحة، إلى استقبالِ آلافِ الجَرحى والمصابين، ومعالجتِهم، وتحقيقِ مآثرَ طبيّة تَكاد تُعَدُّ في بابِ المعجزات.

ولم يصرِفْهُ انشغالُه بمهامِّهِ التعليميّةِ والإداريّة، ونَشاطُه الطبّيُّ والجراحيُّ الكثيف، عن اهتمامِه الخاصِّ والمتواصِلِ بالبَحثِ العِلميّ والتأليف. ففضلاً عَن محاضراتِه التي فاقَت المئة، ومداخلاتِهِ التي لا تُحصى في المؤتمرات، ومساهماتِهِ بفصولٍ في عددٍ من الكتُب، ومنها Surgery for all، "الجراحَة للجميع"، وهو كتابٌ عن أحوالِ الجراحَة في العالَم الثالِث، نَشَرَ باللغاتِ الثلاث التي أتقَنَها، العربيّةِ والفرنسيّةِ والإنكليزيّة، أربَعين مقالَة، في مجلاّتٍ عالميَّةٍ مَعروفَة، منها :  Les Mémoires de l'Académie de chirurgie de Paris ; les Bulletins de la Société internationale de chirurgie ; Diseases of the colon and rectum ; Archives of Surgerey ; New England Journal of Medicine.

حَسبي دليلاً آخرَ على كفاءةِ البروفسور غصين، أنّه حَقَّقَ رقماً قياسيّاً مذهلاً في عددِ العمليّات الجراحيّةِ التي أجراها، وقد أربَت على الخَمسِ والخَمسينَ ألفاً، أكسبتهُ الخِبرةَ الأغنى في هذا المجال، وشهرةً عريضة، وحَسبي أخيراً إجماعُ ذَوي الاختصاص على الإشادةِ بإنجازاتِهِ وبتميّزهِ، ومنحُهُ في عام 1999 دِرعَ اليدِ الذهبيّة (Le trophée de la Main d'or)، وهو أوّلُ جرّاحٍ ينالُها في لبنان.

 

ثالثاً : المزايا الأخلاقيّة وأنسَنَة مِهنَة الطِبّ

لَن يتَّسِعَ ليَ المجالُ لأُحدِّثَكُم عن نشاطاتِ البروفسور غصَين النِقابيَّة والاجتماعيّة، وأوسِمَتِهِ السَبعة، وثقافتِهِ العََميقَة والغنيّة، وعن تذوّقِهِ الأدب، وعِشقِهِ الموسيقى، ولا عن هواياتِهِ الرياضيّة، أو عن صَبرِهِ الجَميلِ على المكارِهِ في معاناتِهِ العائليّةِ الموجِعَة. ولكنّي سأتناولُ بشيءٍ من الإسهابِ مزاياهُ الأخلاقيّةَ والإنسانيّة. فإنَّ مَن قُدِّرَ لَهم، من مواقعهمِ المختلفةِ كمَرضى، أو طلاّبِ طبّ، أو زملاء، أو مسؤولين جامعيّين، أنْ يتعرّفوا إلى البروفسور غصَين ويرافقوه، يُجمِعونَ على التنويهِ بما يتحلّى به على الصعيدَين الأخلاقيّ والإنسانيّ، من خصالٍ وشمائلَ ومزايا، هي موضعُ احترامٍ وتقدير، بل هي في معظمِ الأحيان مدخلٌ إلى علاقةِ صداقةٍ ومودَّة.

‌أ.       علاقتُهُ بزملائهِ

ففضلاً عن تهذيبه الجَمّ، ودماثتِهِ الآسِرَة، ومعشرِهِ الأنيس، يُقيمُ أنطوان غصَين على طهارةِ الناطقَين بمكنوناتِ الإنسان، عِفَّةِ شفتَيهِ ونقاوةِ قلبه. فلَم يُجرِ على لسانِه كلمةَ سوء، أو وشوشاتِ نميمة، أو فحيحَ وشاية ؛ ولم ينبِض فؤادُهُ بسوى الحبِّ، والحدبِ، والتعاطفِ، والترفّعِ عن الصغائرِ والدنايا.

ويؤثَرُ عنه أنَّه خَصَّ معلّميه بما يَدعو إليه قَسَمُ أبقراط من إكرامٍ وإجلالٍ وعُرفانِ جميل ؛ ودأب على الإقرارِ بفضلِ مَن سبقه في المناصِب الأكاديميّةِ الرفيعةِ التي تبوّأها، استاذاً وعميداً، وفي الأقسامِ والدوائرِ الطبيّةِ التي رأَسَها. وفي بلدٍ يسعى فيه الكثيرون إلى إثباتِ مواقِعهم عن طريق إلغاءِ الآخَرين، أو بناءِ شهرتِهِم على حُطامِ مَن شهَّروا بهم أو جَرَّحوا بسمعتِهم، حَرِص البروفسور غصَين على المشارَكَةِ في تكريمِ زملائه، والإشادةِ بموقعهم، والاحتفاءِ بعطاءاتهم، بِنُبلٍ لا يصدر إلاّ عن الكبار. ولا يسعُك، وأنتَ تقرأ شَهاداتِه في كوكبةٍ من كِبارِ أطبّائنا : إميل جعجع، أو أنيس مخلوف، أو يرفنت جيدادجيان، أو نجيب طالب، أو بشير سعاده، إلاّ أن تصدِّقَ مَن قال : " إنّ الإناءَ يَنضَح بما فيه"، وكُلُّ ما في قلبِ أنطوان الغصَين وفكرِه، خيرٌ وحَقٌّ وجمال. بل لا يسعكَ إلاّ أن تَرى في هذه الشَهادات، مرايا تنعكس على صفحتِها شخصيّتُهُ، لأنّه سكبَ فيها عُصارةَ تجاربهِ، وحمّلَها مفهومَهُ لرسالةِ الطبّ، وتصوّرَهُ للقِيَم التي ينبغي للطَبيب أن يستوحيَها، وهي الرسالةُ التي نَذَرَ نفسَهُ بكليّتِها وكرَّسَ حياتَهُ كلَّها لها، وهي القِيَمُ التي آمَنَ بها، وجسّدها، فَغَدَت شَهاداتُهُ تلك إلى الاعترافاتِ وإلى السيرةِ الذاتيّةِ أقربَ ما تكون.

‌ب.  علاقتُهُ بالمَرضى

هذا النُبلُ في علاقتِهِ بزملائه، لا يُعادلُهُ سوى الحَدبِ الذي رَعى به مَرضاه. غنيُّ عن البيان أنّ أوَّلَ ما يتطلَّبهُ المريضُ وذووه من الطبيب هو امتلاكُه الكفاءةَ العاليةَ في حقلِ اختصاصهِ، وتمتُّعهُ بأعلى درجاتِ المهارةِ في ممارسةِ مِهْنتِهِ، أي أنْ يكونَ التشخيصُ الذي يَقومُ به دقيقاً، والعِلاجُ الذي يَصِفُهُ شافياً، وأنْ تتكلّلَ الجِراحةُ التي يُجريها بالنجاح.

ولكنَّ الصحيحَ أيضاً أنّ المريضَ وأهلَه يحتاجون، فضلاً عن ذلك، إلى طبيبٍ يتفهَّمُ ما ينتابُهم من مشاعِرِ الخوفِ التي تستبدُّ بكلِّ مَن اضْطُرَّ إلى زيارةِ عيادة، أو دخولِ مستشفى، هذا العالمِ المثيرِ للقلَق. وهم يحتاجون إلى طبيبٍ يُراعي أحوالَهم النفسيّةَ المضطربة، ويأخذُ همومَهم على مَحمَلِ الجِدِّ، ويشرحُ لهم بتأنٍّ الجوانِبَ المختلفة للوضعِ الصحّي، ومراحِلَ العِلاج، والنتائجَ المتوقَّعَةَ أو المَرجوَّة، ويُعنى بتشديدِ عزائمهم، ورَفعِ معنويّاتِهِم.

 

وأنطوان غصين من طينةِ الأطبّاءِ الذين مارسوا الطِبَّ في بُعدَيه المتكامِلَين هذين، بُعدِهِ التِقْنيِّ كمهنة، وبُعدِه الإنسانيِّ كرسالة، وكان مُجَلّياً على هذَين المستويَين. ولعلَّ خيرَ ما يُعَبِّرُ تعبيراً أميناً عَن مفهومِهِ لِدَورِ الطَبيب، الشِعارُ الثلاثيُّ ("  triple A" )  الأحَبُّ إلى قلبِه، والذي لَطالما ردَّدَه، لأنّه يختصر في نَظَرِه المزايا التي ينبغي لكلِّ طبيبٍ أنْ يتحلّى بها، وهي : Ability, Amability, availability، أي : الكفاءةُ، والتعاطُف، والجهوزيّة.

لن أُكرِّرَ حديثي عن كفاءتِهِ. أمّا تَعاطُفُه مَع المرضى، وحضورُه إلى جانبهِم، وتفرُّغه لَهم، فهي مَضرَبُ مَثَل.

وقد استأثَرَت مسألةُ التواصلِ مع المريضِ وذَويه باهتمامِهِ الشديد، فكَرَّسَ لها دراسةً موثَّقَة بعنوان : l'information médicale »"" الإعلامُ الطِبّيّ، تتّسِمُ بالرصانَةِ والعمقِ، تناولَ فيها هذا الموضوعَ من جوانِبِه كافَّةً، وهي تُعَدُّ عن حَقّ وثيقَةً مرجِعيَّة، سيجدُ فيها جميعُ المعنيّينَ بتنشئةِ الأطبّاء، المبادئَ الأساسيّةَ التي يَحسنُ بكلِّ طبيبٍِ أنْ يسترشِدَ بها في تعاملِه مع المَرضى وذَويهِم.

ولكنَّ مساهمةَ البروفسور غصين لم تقتصِرْ على الجانِبِ النظريّ فحَسب، على أهميّتِه الكبيرة وفائدتِهِ الجليلة، بل تجسَّدَت أيضاً في ممارستِهِ الفعليّة. ويمكننا الجزمُ بأنَّه وُفِّقَ في أنسَنةِ مِهْنةِ الطِبِّ، من خلالِ أسلوبِهِ الفذِّ في تعرّفِ أحوالِ كلِّ مريضٍ من مَرضاه، ودراسةِ بيئَتهِ العائليّة، وأوضاعِهِ النفسيّةِ والاجتماعيّة، و من خلالِ مرافقتِه، قبل خضوعِه للعمليّةِ الجِراحيّة، والتزامِهِ بزيارتِه باستمرارٍ طَوالَ مدّةِ إقامتِه في المستشفى، ورحابةِ صدرِهِ في الإجابةِ عن أسئلتِهِ واستفساراتِ ذَويه.

وأنطوان غصَين صاحبُ مدرسةٍ في فَنِّ التعاطي مع المرضى، وقد رأى فيه حقّاً للمريضِ على طبيبِهِ، بل جُزءاً مُكمِّلاً للعلاج، ومقوِّماً من مقوِّماتِهِ الأساسيّة. فالمريضُ عندَهُ، ليسَ رَقماً أو زَبوناً، بل هو إنسانٌ يتألَّم. وتَشعُرُ وأنتَ في عيادَةِ هذا الطبيب، أو بين يَدَيْهِ، بأنَّكَ لستَ أمامَ جرّاحٍ نِطاسيٍّ بارعٍ فَحسْب، بل في حضرَةِ إنسانٍ كبير. ولا إخالُني أبالِغُ إن اقترَحتُ أنْ يُمنَحَ، بعدَ اليدِ الذهبيّة، جائزَةَ القَلبِ الذهَبيّ.

‌ج.    العلاقة المميَّزَة بين الأستاذ وطلاّبه

وأقامَ البروفسور غصَين عَلاقةً مميَّزةً بطلاّبهِ. كثيرةٌ هي المعاييرُ التي تؤخَذ في الاعتبار عند تقويمِ النشاطِ التعليميّ الذي يُمارسه أحدُ الأساتذة، ومن بينها سِعةُ اطّلاعهِ، وحِرصُه على تنويعِ مصادرِ معلوماتِهِ وتجديدِها، وامتلاكُه المادّةَ التي يقوم بتدريسها، وحسنُ استعمالهِ طرائقَ التدريسِ الملائمة، واهتمامُهُ بالبحثِ العلميّ، ونزاهتُهُ الفكريّة، وتوخّيه العدلَ في العلامات التي يضعها، وسعيُه إلى أن يجعلَ من الطالبِ محورَ العمليّةِ التربويّة، باستبداله أساليبَ التلقينِ التقليديّة بطرائقِ التعلّمِ الناشطة. ولا شكّ في أنّ البروفسور غصين، بشَهادةِ زملائهِ، والمسؤولينَ في كليّةِ الطبِّ في جامعةِ القدّيس يوسف، وفي مستشفاها الجامعيّ أوتيل ديو، وبشَهادةِ أفواجِ الأطبّاءِ الذين تتلمذوا عليه في قاعاتِ الصفوف، وتدرّبوا على يديه في غرفِ العمليّاتِ وقربَ أسرّةِ المرضى، قد تحلّى بهذه الصفاتِ كلِّها، واستحقّ أن يُعَدَّ، بفضلِ كفاءاتِه التربويّةِ العالية، ومناقبيَّتهِ اللافتة، عَلَماً من أعلام أساتذةِ الطبِّ في مِنطقتِنا.

ولكنّه اشتهر أيضاً بطريقتهِ المميَّزَة في تعاطيه مع الأطبّاءِ المتمرّنينَ والمقيمين. غالباً ما يأخذُ هؤلاء على مَن يتولّى الإشرافَ على تَخصُّصهِم في المستشفيات، انشغالَه بمستلزماتِ مهنتهِ، وحِرصَه على تعزيزِ موقعِهِ داخلَ الجسم الطبّيّ، على حسابِ اهتمامِهِ الفعليِّ والجادّ بتنشئتهم. أمّا البروفسور غصَين فينتَمي إلى طبقةِ أساتذةِ الطِبّ الكبار الذين يؤمنون بأنَّ مسؤوليّتَهم عن إعداد أطبّاءِ المستقبَل لا تَقِلُّ أهميّةً عن مسؤوليّتِهم في العنايةِ بالمرضى، إذ يعتبرون أنّهم، كأطبّاء، مؤتَمَنونَ على صحّةِ مرضاهُم وسلامتهِم، وأنّهم، كأساتذة، مَعنيّونَ بتسليمِ وديعةِ العِلمِ، ومِشعلِ الرسالةِ، إلى تلامذتِهِم.

لم يحتكر أنطوان غصين يوماً المواهِبَ الاستثنائيّةَ التي خُصَّ بها ذكاؤه الحادّ، وعقلُهُ النَيّر، وبصيرتُه الثاقِبة، ولم يستأثر يوماً بالوزْناتِ الغزيرةِ التي تجمَّعَت في مِبضَعِه وأصابعِ يدَيه، ولم يبخُلِ البتَّةَ برصيدِهِ الكبيرِ من الانجازاتِ العلميّةِ والطبيّةِ المتألّقةِ التي زخرَت بها مسيرتُه الحافلةُ والمديدة. فلقد كان رائدُه وهمُّه على الدوام، بل شغَفُه، تنميةَ معارفِ طلاّبِه وطاقاتِهم وشخصيّتِهم، بإشراكهم في ما حصّله من علوم، وما اكتنزَه من خِبراتٍ راكمها من آلافِ المعايناتِ التي أجراها، والحالاتِ التي عالَجها، والعمليّاتِ الجراحيّةِ التي قامَ بها. ولأجل ذلك، فتح خزائنَه الغنيّةَ على مصراعَيها، ليغِرفَ منها طلاّبُ العِلم، وارتضى أن يكونَ الجسرَ الذي يعبرون عليه إلى مناهلِ المعرفةِ الصافيةِ والمتدفّقة. ويكفيه فخراً أنّ خيرةَ مَن يتولَّونَ إدارةَ أقسامِ الطِبِّ العامّ والجراحةِ في مستشفياتِ هذا البلدِ الرئيسيّة، هم الأطبّاءُ الذين أسعفَهم الحظُّ بالتتلمذِ على يديهِ، والتدرّبِ في كنَفهِ، وما زالوا حتّى اليوم يعتبرونَه المعلِّمَ والمَرجِعَ والقُدوَةَ والمِثالَ الأعلى.

فما أحوجَنا اليومَ إلى هذا النَموذَجِ من الأساتذةِ الذينَ يأخذونَ بيَد طلاّبِهم، ويبذلونَ وقتَهم وجهدَهم في رعايةِ خطواتِهم المتدرّجةِ في مسالكِ العِلم، ويكونون لهم الأخَ الكبير، والرفيقَ المرشدَ والأمين، فيفرَحونَ بهم حينَ يُصبحونَ أقراناً لهم ونُظَراء، في العَلاقةِ النِدّيةِ التي لا تقومُ إلاّ بينَ الزملاء. ويكتملُ فرَحُهم عندما يتفوَّقونَ عَلَيهِم. أَولَيسَ البروفسور غصَين هو صاحِبُ القَولِ المأثور : « nul maître ne mérite son nom que si, de son vivant, il est dépassé par ses élèves »، " ما مِن معلِّمٍ يَستحقُّ لقَبَه هذا ما لَم يَتفوَّق عليه تلامذَتُهُ، وهو بَعدُ على قيد الحياة ".

 

رابعاً : الخشوع أمامَ الحياة

 

وآمَن أنطوان غصَين بأنّ الحياةَ هي العطيَّةُ الأسمى، والنعمةُ الأبهى. ولاحظَ أنّ شعورَ مُعظَمِ الناسِ بالرَهبةِ أمام المَوت، غالباً ما يزرَعُ اليأسَ في النفوس، ويُحبِطُ الهِمَم، ويحمِلُ على الاستسلامِ لآجالهِ المحتومة. ولأنّه من أنصارِ مدرسةِ الأمَل، دعا إلى استبدالِ هذا الشعورِ بالرَهبة، بعاطفةِ الخشوعِ أمامَ قُدسيَّةِ الحياةِ وعظمَتِها، لأنّ مِن شأنها أن تُحفِّزَ على العملِ لتحسينِ ظروفِها، وإطالةِ أمَدِها، وصونِها من الأخطارِ التي تتهدَّدُها، وتعزيزِ فُرَصِ المحافظةِ عليها أو إنقاذِها. ورأى في هذا السياقِ أنَّ عمليّاتِ زَرعِ الأعضاء، قد تكون من أهمِّ الإنجازاتِ الطبيّةِ في النصفِ الثاني من القرن العِشرين، واعتبرَ أنّ تجارةَ الأعضاءِ، قد تكون من أبشعِ الانحرافاتِ التي شابَت عالمَ الطِبّ في العَقدَين الأخيرَين، وترسّخَ لديه الاقتناعُ بأنّ التبرُّعَ بالأعضاءِ قد يكون من أنبلِ المساهماتِ في النضالِ الذي تخوضُه الإنسانيّةُ لأجلِ تحقيقِ انتصارِ الرجاءِ على اليأس، وغَلَبَةِ الحياةِ على المَوت.

وعلى غِرارِ مَن يكرّسون حياتَهم لدَعمِ قضيّةِ الحريّات، أو الدفاعِ عن حقوقِ المرأة، أو مناهضةِ التمييزِ العنصريّ، أو مَحوِ الأميّة، أو حمايةِ البيئة، أو غيرِها من القضايا المِحوَريّةِ الكُبرى، قرّر البروفسور غصَين أن يتجنَّدَ لنَشرِ ثقافةِ وَهبِ الأعضاءِ في بلادِنا. وهو لم يدَّخِر جُهداً في هذا السبيل. فدأبَ على توثيقِ ما يُسجَّلُ في هذا المَجال، على الصعيدَين المحلّيّ والعالميّ، من مبادراتٍ مَشهودَة، وعلى تسليطِ الأضواءِ عليها، لإبرازِ دلالاتِها وأبعادِها. ولم يُخفِ إعجابَه العَميق بالقرارِ الشجاعِ الذي يتّخذه إنسانٌ في كاملِ عافيتِه، أو مريضٌ يُدرِكُ دنوَّ أجَلِهِ، أو عائلةٌ فقدَت لِتَوِّها عزيزاً، ويوصونَ بموجبه بوَهبِ عددٍ من أعضائهِ لمُعاقٍ أو عليل. ومِن أبلَغِ ما كتبَهُ في هذا الإطار، المَقالَة التي تناوَلَ فيها عمليّاتِ زرعِ أعضاءٍ لستَّةِ أشخاصٍ في يومِ واحِد، تبرَّعَت بها سيّدةٌ مجهولَةُ الهويّة، ودعا فيها إلى أنْ يُقامَ لها نُصُبٌ كَنُصُبِ الجنديّ المجهول، تقديراً لسخائها وتخليداً لِذِكراها.  

 

وسعى إلى نقلِ هذه الأعمالِ الخَيِّرَةِ التي يُقدِمُ عليها أفرادٌ متنوّرون، من نِطاقِها الاستثنائيِّ والمحدود، بتحويلِها إلى قاعدةٍ عامّة، وتقليدٍ راسِخٍ في أدبيّاتِنا، ومفاهيمِنا، وقِيَمِ مجتمعِنا.

ولطالما وفَّرَت له المنابرُ الأكاديميّة، وصفحاتُ الجرائد، والنَدْواتُ الإذاعيّة، والحلقاتُ التلفزيونيّة، وجمعيّاتُ وَهبِ الأعضاء التي نَشَطَ فيها، إطاراً مؤاتياً لحملتِه الهادفةِ إلى تنويرِ الرأيِ العام، وهدمِ الحواجزِ النفسيّة والأوهامِ الفكريّةِ التي تكبّله، مُسهِباً في شرحِ مبادئِ عمليّاتِ وهبِ الأعضاءِ وزرعِها، وأهدافِها الطبيّة، والأحكامِ الدينيّةِ والشرعيّةِ والقانونيّةِ التي ترعاها وتحلّلها. وتميَّزَت جهودُه في مجالِ توعيةِ المواطنين على أهميّةِ التبرّعِ بالأعضاء، وفي حثِّهِم على الانخراطِ في مسيرةِ التضامُنِ الإنسانيِّ هذه، بحماسةِ الناشطين في الأحزابِ والهيئاتِ والمنظَّمات، بل بغَيْرَةِ الرُسُلِ والمُبشِّرين. ولا أراني بحاجةٍ إلى التذكيرِ بأنّ نضالَهُ هذا لم يَكُنِ البتَّةَ شعاراً نظريّاً بل وليدَ تجربةٍ شخصيّةٍ والتزامٍ عمليّ. فأنطوان غصَين هو من أوائلِ واهِبي الأعضاء في لبنان، ومِنَ الآباءِ القلائل الذين قُدِّرَ لهم أن يُعطوا أبناءَهم الحياةَ مرَّتَين، فلقَد وهَبَ فِلْذةَ كَبِدِه ميشال، فِلْذَةً أخرى من جسدِهِ، هي إحدى كِليتَيه.

ولا شَكَّ في أنّ هذا الاختبارَ العائليّ قد أثَّرَ فيه تأثيراً عميقاً وتركَ في جسدِهِ وفي فكرِهِ بصماتٍ لا تُمَّحى، ولكنّه عَرَفَ أنْ يتجاوزَ المستوى الشَخصيَّ ليرتَقي بالقضيَّةِ التي تجنَّدَ لخدمَتِها، إلى مرتبةِ العقيدَة، إن جازَ هذا التعبير.

فَلَقد رأى في وَهبِ الأعضاءِ ذروةَ العَطاء، بسببِ تجرّدِهِ عن المصالِح والحساباتِ والأهواء، وبسببِ مجّانيَّتِه المُطلَقَة. واعتبَرَ أنّه يمثِّلُ ما في الخيرِ من قوّةٍ لامتناهية، قادرةٍ على اختراقِ أسوارِ الانقساماتِ التي تُباعِدُ بين البَشَر، لأنّه يَتِمُّ بين أفرادٍ لا تَشدُّهم صِلَةُ رَحِم، أو تربُطُ بينهم عَلاقَةُ معرفة، ولكن توحّدُهم الشراكةُ الإنسانيّةُ الجامعة.

وآمنَ بأنّ التبرُّعَ بالأعضاء، شأنُه في ذلك شأنُ كلِّ حَرفٍ في أبجديّةِ العَطاء، يُحيي الواهِبَ والمتلقّي في آنٍ واحدٍ، ويُلغي الحدودَ الفاصلةَ بين الحياةِ والموت. ففي اللحظَةِ التي يُتيحُ فيها واهبٌ فردٌ لعدَّةِ أشخاص، أنْ يُبصروا بقَرنيّتَيه، أو أنْ يَنبِضوا بخَفَقاتِ قلبِهِ، أو أنْ يَعيشوا بِكليَتَيه أو بِفِلْذاتٍ مِن كَبِده، يُجدِّدُ أمامَهم فُرَصَ الحياة، ويستمرُّ هو حَيّاً فيهم، فيحوّلُ الموتَ الأصَمّ، من حتميَّةٍ قاهرةٍ لا مردَّ لها، إلى يَنبوعِ رَجاءٍ وحياة، مُحقِّقاً من جديد في كلِّ مَرَّة سِرَّ الفِداء ومُعجِزةَ القِيامَة.

 

* * *

خاتمة

 

عجيبٌ أمرُ لبنان.

 

ففي الوقتِ الذي تعصِفُ بهِ واحدةٌ من أقسى المِحَنِ وأعتاها، وتتأكّلُهُ الإنقساماتُ السياسيّةُ والطائفيّةُ والمذهبيّةُ المُستَعِرَة، ويتصارَعُ على أرضِهِ الأعداءُ والأشقّاءُ والأصدقاء، مُمعِنينَ فيه تهديماً وتخريباً، ولا يتورّعُ الكُثُرُ من أبنائهِ عَن تحريضِهم على ذلك، أو مُجاراتِهِم فيه، فتكادُ مؤامرةُ تفكيكِ أوصالهِ ومَحْوهِ منَ الوجود تبلغُ مراميها، في هذه الظروفِ العصيبَةِ والمأسويّةِ بالذات، تُقيمُ الحركةُ الثقافيّةُ في أنطلياس مِهرجانَها السابِعَ والعِشرين، احتفاءً بالكتاب، وتكريماً للثقافةِ وأعلامِها.

وكأنّي بها، في حمأةِ هذا الانحطاطِ المُشين، وغِمارِ الأخطارِ المُحدِقَةِ والخطوبِ المُلِمَّة، وقدِ استبدَّ بشعبِنا اليأسُ الخانِق، تُصِرُّ على إعلاء شأنِ الفكر، وتوسيعِ مدى الحِوارِ وآفاقِهِ، وتوطيدِ السِلمِ الأهليّ، توكيداً لِثوابِتِ لبنانَ الأصيلَة، وتأسيساً لقيامَتِهِ الآتية، مهما طالَ بنا زمَنُ ترقُّبِها وانتظارِها.

فاسمحوا لي أنْ أوجِّهَ باسمِكُم جميعاً، إلى هذا المنتدى الديموقراطيّ الفاعِل، المرصودِ للثقافَةِ وللحريّة، ومن خلالِهِ إلى جميعِ المنابِرِ الثقافيّةِ المَهجوسَةِ بمِثلِ هذا الهَمِّ في هذا البلد، تحيّةَ تقديرٍ وإكبار، لأنّها تذكّرُنا بأنّ الثقافةَ جوهَرُ رسالةِ لبنانَ الفَذّة، وعنوانُ دورِهِ الخلاّق، وفي رأسِ مقوّماتِ وجودِهِ، وضماناتِ بقائهِ، وشروطِ قيامَتِهِ المَرجوَّة.

واسمحوا لي أنْ أُزجيها الشُكرَ أيضاً، باسمِ جميعِ مُحبّي البروفسور أنطوان غصَين، وقادري مسيرتِهِ الأكاديميّةِ الحافِلَة، ونجاحاتِهِ المِهْنيّةِ الباهِرَة، ومَزاياهُ الأخلاقيّةِ والإنسانيّةِ المتألِّقَة، على هذا التكريمِ الذي خصَّتْهُ به. فأنطوان غصَين، على تواضُعِهِ، جديرٌ بالتكريم.

ولكنّكم تعرفون أيّها السادَة، أنّنا حينَ نكرِّمُ هذا الطَبيب، فإنّما نُكرِّمُ :

مدينةَ زحله التي أنبتَتْهُ أرضُها الخَيِّرَةُ المِعطاء، وقد عَوَّدَتْنا أنْ تَجودَ بالقاماتِ الشامِخَةِ في كلِّ حقلٍ ومِضمار،

وجامعةَ القدّيس يوسف التي احتضَنَتْهُ وتفتَخِرُ بانتسابِهِ إليها طالباً متفوِّقاً، وأستاذاً لامعاً، وعَميداً مُجدِّداً،

والمستشفياتِ التي عَمِلَ ويَعمَلُ فيها، وفي طليعَتِها مستشفى أوتيل ديو، الذي اقتَرَنَ به اسمُهُ، وفيهِ تجَلَّتْ مواهبهُ الاستثنائيّة وإنجازاتُهُ الرائدَة،

ونكَرِّمُ فيه، قبل ذلك كلِّهِ، وفوقَ ذلكَ كلّه، الجرّاحَ والإنسان، والمهْنةَ التي ارتقى بها إلى مرتبةِ الرسالة، وباقةًً مختارَةً مِنَ القِيَمِ والمَزايا، قلّما تجمَّعَت في رجلٍ فَرد.

فإلى الحركةِ الثقافيّة، الداعيةِ إلى هذا التكريم، الشكرَ الخالِصَ والعَميم ؛ وإلى المُكَرَّمِ، الصَديق أنطوان غصَين، تحيّةَ وفاءٍ وتقديرٍ ومحبَّة ؛ وعليكم جميعاً، أيّها الكِرام، ألفُ سَلام.

كلمة البروفسور انطوان غصين  

يحاول المرء أحيانا٬ للتعبير عن امتنانه وعرفانه٬ ٱن يفتش عن كلمات غير تقليدية٬ وبعد البحث والتبحر والعودة ٳلى القاموس لا يجد ٲبلغ من كلمة شكرا.

فالشكر إذن للحركة الثقافية انطلياس على نبل مبادرتها لأنها جعلتني من مستحقي تكريمها وتقديرها وللكلمة النبيلة التي خصني بها .....

والشكر للدكتور هنري العويط الذي غمرني بفيض محبته.

وبعد٬

ٳذا كان من المألوف أن تكرم مؤسسة عريقة كمؤسستكم٬ ٲهل القلم والريشة والثقافة فإنه ليسعدني ويشرفني أن يشمل تكريمها أيضا أهل المبضع هذا المبضع الذي كم من الأحيان يكون ײأصدق أنباء من الكتبײ وذلك لتأكيد انفتاحها وتعاملها مع مختلف جوانب الفكر والعلم والعطاء.

أيها السادة،

يكثر الحديث عن دور الطبيب في مكافحة المرض والألم وعن″ٲنسنة″ رسالته٬ ولو واكب ذلك بعض الانتقاد المبرر أحيانا٬ وغير المبرر إذا ″جرت الرياح بما لا تشتهي سفينة المريض″ وإرادة ربانها. لكن ثمة دورا فريدا لهذا الطبيب لم يحظ  من المفكرين والمحللين بما يستوجبه من الاهتمام والتأمل والتركيز عنيت مصالحة الانسان مع خالقه٬ إذ لدى الإصابة باي مكروه أو اذى فإن أول كلمة تصدر عفويا وتلقاءيا عن فم المريض ׃ ″يا الله″ وهي تحمل صرخة ملامة أو استرحام ׃ الملامة إذا كان المصاب يعتبر نفسه بريئا٬ والإسترحام إذا كان يشعر بأنه مخطىء.

وهنا يبرز دور الطبيب المسؤول عن ترميم الحياة وصيانتها-والحياة من صنع الله-في إصلاح ما يحدث للإنسان من عطل في العمل الرباني ٬ وفي ازالة العتاب على الخالق الأكبر ويكون هذا الإنجاز الطبي٬ الذي يبدو وكأنه تفويض من القدرة الإلهية - لها التعظيم والإجلال - مصدر إيمان وشكران عند المريض ومصدر فخر واعتزاز عند الطبيب٬ وهذا الإحساس يبلغ ذروته إذا صادف أن يكون المريض هو الطبيب أو أحد أحبائه او القريبين منه.

 

ان شعوري بهذه المسؤولية الكبرى هو الذي يحدوني لتقبل تكريم الحركة الثقافية انطلياس ولأعرب لها عن شكري وعن أملي بأن أكون مستحقا ثقتها وتقديرها٬ وعن شكري٬ أيها الأصدقاء٬ لحضوركم ومشاركتكم.

        عشتم وعاش لبنان الثقافة والإبداع والسلام