لقاء حول الاحتباس الحراري واقع وتحديات

الحركة الثقافية- انطلياس

 2009/3/8

كلمة الأستاذ الياس كساب

الاحتباس الحراري هو ظاهرة إرتفاع درجة الحرارة في بيئة ما نتيجة تغيير في سريان الطاقة الحرارية من البيئة و إليها. و عادة ما يطلق هذا الإسم على ظاهرة إرتفاع درجات حرارة الأرض في معدلها. و عن مسببات هذه الظاهرة على المستوى الأرضي أي عن سبب ظاهرة إرتفاع حرارة كوكب الأرض ينقسم العلماء من يقول أن هذه الظاهرة هي طبيعية و أن مناخ الأرض يشهد طبيعيا فترات ساخنة و فترات باردة مستشهدين بذلك عن طريق فترة جليدية أو باردة نوعا ما بين القرن 17 و 18 في أوروبا. هذا التفسير يريح كثير الشركات الملوثة مما يجعلها دائما ترجع إلى مثل هذه الأعمال العلمية لتتهرب من مسؤليتها أو من ذنبها في إرتفاع درجات الحرارة حيث أن أغلبية كبرى من العلماء و التي قد لا تنفي أن الظاهرة طبيعية أصلا متفقة على أن إصدارات الغازات الملوثة كالآزوت و ثاني أوكسيد الكربون يقويان هذه الظاهرة في حين يرجع بعض العلماء ظاهرة الإنحباس الحراري إلى التلوث وحده فقط حيث يقولون بأن هذه الظاهرة شبيهة إلى حد بعيد بالدفيئات الزجاجية و أن هذه الغازات و التلوث يمنعان أو يقويان مفعول التدفئة لأشعة الشمس .

أيها الحضور الكريم،

نرحب بكم في الحركة الثقافية -  أنطلياس في هذه الامسية لالنتكلم عن السياسة والانتخابات والحوار والوفاق والسلاح ، ولا في المفردات التي تملاء صفحات الجرائد وتحتل الاذاعات وتحجز الشاشات ، بل لنلتقي سويا نستمع الى موضوع يشغلنل اليوم خوفا على المستقبل حتى ولو البعيد.

-       فما هو واقع الاحتباس الحراري اليوم ؟

-       هل للانسان دور في التغيير المناخي للارض؟

-       ما هي نتيجة المؤتمرات التي تعقد في أكثر من منطقة من العالم ؟

-       ما هو سبب فشل مؤتمر بوزنان ببولندا ؟

-       لماذا أحدث آل غور صدمة في هذا الموضوع ؟

-       أين الدول العربية ولبنان تحديدا من حيث ما يجري ؟

-       هل من وسيلة للتصدي , والتغيير المناخي ؟

عن هذه الاسئلة وغيرها يجيبنا الاستاذ حبيب معلوف بنتيجة عمل متواصل في قضايا الفلسفة والبيئة والتنمية والاعلام البيئي، التنمية المستدامة،  السياسات البيئية، الفلسفة البيئية، ومعظم قضايا البيئية المحلية والعالمية مثل تلوث الهواء وقطاع النقل والطاقة البديلة والمتجددة والسياحة البيئية والتنظيم المدني وترتيب الاراضي وقضايا السكان والتمدن والتمدد العمراني والتصحر وتغير الناخ والتنوع البيولوجي.. بالاضافة الى قضايا التلوث على انواعها والنفايات، وتلك القضايا المتعلقة بالبيئة والاقتصاد والعولمة وتحرير التجارة والمياه والفقروالتربية والشباب والتعليم.

حبيب معلوف كاتب وصحافي، متخصص في الفلسفة (الجامعة اللبنانية)

أستاذ محاضر في الجامعة الانطونية في بيروت، مادة قضايا معاصرة (الفلسفة البيئية) وعامل في الاعلام البيئي والتنموي.

-       رئيس الهيئة اللبنانية للبيئة والإنماء.

-       رئيس تحرير مجلة " منبر البيئة " منذ العام 1995 حتى العام 2002.

-       مسؤول شؤون البيئة في جريدة " السفير " اللبنانية منذ العام 1998 وحتى تاريخه، ويشرف على إصدار صفحة كل ثلاثاء.

-       صدر له كتاب تحت عنوان:" على الحافة: مدخل الى الفلسفة البيئية "

-       أنجز عدة أبحاث ونشر العديد من المقالات حول القضايا البيئية المختلفة في لبنان والعالم العربي منها حول المنظمات غير الحكومية وقضايا العولمة والإعلام البيئي في العالم العربي

-         حاضر وشارك في وضع " الاستراتيجية العربية للتوعية والشراكة والإعلام البيئي " التي تم وضعها ومناقشتها في مقر جامعة الدول العربية

-       شارك في وضع " الاستراتيجية البيئية للبنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "

-       يعد حاليا كتاب حول القضية البيئية والحضارة الإنسانية.

-       يعمل حاليا مع مجموعة من رفاقه على تاسيس حزب للبيئة في لبنان

 

 

ماذا حصل في آخر مؤتمر عالمي للأمم المتحدة حول تغير المناخ في بولندا؟

مناخ العالم تغير فعلا والعبرة في كيفية التكيف معه لا في وقفه!

الأستاذ حبيب معلوف

مقدمة:

كانت مسألة وضع اللوم على البشر في تغير مناخ العالم لا تزال مدار جدل واسع وخلاف شديد بين العلماء، حين كلفت "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ـ التابعة للامم المتحدة) ،نهاية العام 1995 ،أهم الخبراء الدوليين في مجال المناخ، وضع تقرير عن الموضوع لحسم الخلاف. انتج هؤلاء الخبراء بقيادة الخبير "بن سنتر" نماذج حاسوبية اسهمت في محاولة تقييم التأثير المناخي مؤكدة ان الانشطة البشرية وحدها هي التي يمكنها انتاج مزيج من الانبعاثات والتغيرات الحرارية. مع العلم ان الخبير "جيمس هانسن" كان منذ العام 1988 قد اصدر تقريرا ميز بشكل حاسم بين قوى الطبيعة المؤثرة على تغير المناخ مثل البراكين، وبين تلك الناجمة عن النشاطات البشرية مثل استخدام الوقود الاحفوري وانبعاث ثاني اوكسيد الكربون المؤثرة على تغير المناخ.

كما لا ننسى "معاهدة الامم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ" التي اعتبرت من اهم انجازات قمة الارض التي عقدت في الريو (البرازيل) العام 1992 .

لقد اجمع العلماء ان مستويات ثاني اوكسيد الكربون ظلت ثابتة الى حد ما عند مستوى 280 جزءا في المليون تقريبا، لمدة الف سنة قبل العام 1800 ، ومنذ ذلك الحين ومع تطور التصنيع، بدأت النسب بالارتفاع مع استخدام الوقود الاحفوري لتصل الى 370 جزءا في المليون. من هنا كان طموح "بروتوكول كيوتو" الشهير الذي ابرم في اليابان العام 1997 ،ان تؤدي الى تثبيت الانبعاثات الجوية لثاني اوكسيد الكربون في القرن 21 عند 550 جزءا في المليون، والذي يبلغ نحو ضعف المستوى السائد في الأزمنة ما قبل الصناعية!

ومن ينسى تلك الأصوات العلمية المتشائمة التي ارتفعت آنذاك، مؤكدة انه حتى لو تم تطبيق بنود اتفاقية كيوتو، التي تفرض على الدول الغنية اولا، تخفيض انبعاثاتها بنسب معينة (بين 6 و 8٪)، فإن ذلك لن يجدي نفعا، وأن المناخ سيتغير لا محالة!

على الرغم من ذلك لم تحترم هذه الاتفاقية، بسبب معارضة الولايات المتحدة الاميركية والرئيس بوش الابن نفسه، بعد خضوعه لتأثيرات كبريات الشركات التي تعتمد على الطاقة الاحفورية، ونظرا لعلاقاته الوثيقة ونائبه ديك تشيني بما يسمى "جماعات ضغط اللوبي النفطي".

ثم كان مؤتمر لاهاي (هولندا) العام 2000 الذي فشل ايضا بسبب التحجج بمطالبة اتباع اللوبي نفسه وإدارة بيل كلينتون وآل غور بأن تقبل الصين والهند بدروهما الالتزام بتخفيضات إلزامية للانبعاثات، بالرغم من علمهم ان قمة الريو واتفاقية كيوتو كانتا قد طالبتا الدول الاغنى والاكثر تلويثا (لا سيما الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي واليابان) ان تبدأ اولا، واعطيت الدول الفقيرة مهلة عشر سنوات!

لم تتوقف عمليات التشكيك بمدى مسؤولية الانسان وانبعاثات صناعاته عن تغير المناخ، ولا سيما من قبل خبراء ومراكز ابحاث ممولة من شركات نفطية، وقد كلف الرئيس بوش العام 2001 "الاكاديمية القومية للعلوم"، وهي اكثر الهيئات العلمية الاميركية تقديرا، للرد على سؤال ان كان القلق حول الاحترار الكوكبي له ما يبرره ام لا!

وقد اتت النتيجة متوافقة مع ما توصلت اليه مجموعة خبراء الامم المتحدة، مما دفع بالرئيس بوش الى وضع ما سمي "الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخي" العام 2002 ، والتي وصفها المراقبون ب"المخادعة"، كونها لم تكن إلزامية.

وقد كرر بوش الابن ما قاله والده العام 1992 في قمة الأرض، "نحن مع الاتفاقيات والمفاوضات المناخية، ولكن أسلوب الحياة الأميركية ليس قابلا للتفاوض!".

وبالرغم من ان كلام الرئيس كان واضحا، فقد اجتهد البعض بالتفسير: "ان السيارات الفخمة والطريق المفتوح والبنزين الرخيص.. هي صورة مرتبطة بـ«الحلم الاميركي»، ولا يمكن التراجع عنها".

يبدو ان كلام بوش الأب والابن قد جاء في عمق حقيقة المشكلة، دون مواربة. وقد أخذت المشكلة كل أبعادها اليوم، بعد ان تحول «الحلم الاميركي» بالرفاه، حلما عالميا، وإن تم تصغير حجم السيارات!

ان مشكلة تغير المناخ، ومسؤولية الإنسان عنها، لم تعد تتطلب المزيد من المؤتمرات والإثباتات منذ زمن بعيد، بل باتت تتطلب تغييرا جوهريا في أسلوب حياة وحضارة واقتصاد الانسان الحديث، ولا سيما في البلدان الغنية والمتقدمة.

والمعادلة واضحة. ان قضية تغير المناخ تتعلق بكيفية استخدامنا للطاقة، والطاقة هي في بنية وأسس الاقتصاد العالمي. وبما ان الاقتصاد العالمي قد توجه كثيرا نحو التحرر من اي قيد، وما عاد يخضع الا لشروط السوق نفسه الذي يقوم على "المنافسة"،حتى الأمس القريب (قبل وقوع الازمة الاخيرة التي لا يعرف بعد ابعادها) فلا مجال لتصحيح الوضع القائم والتراجع، كون كافة السلع والتكنولوجيات وبدائل الوقود الاحفوري ("الأرخص" حتى إشعار آخر لتوليد الطاقة)، لا تستطيع المنافسة على المستوى العالمي، اقتصاديات الطاقة الاحفورية... الا اذا حصل تدخل دولي (دولتي)، وتغيير جوهري في الفلسفات الاجتماعية والاقتصادية المسيطرة.

 لم تعد المسالة تحتاج الى التقدير والتكهن ،وقد بدأت نتائج تغير المناخ فعلا منذ سنوات اذ قدرت آخر الدراسات الاقتصادية العالمية للاتحاد الاوروبي الفاتورة التي يفترض ان تدفعها البشرية من جراء تغير المناخ العالمي بما يقارب 5500 بليون يورو. أي ما يوازي خسائر الحربين العالميتين الأخيرتين!

 وهذه الفاتورة لا تتضمن كلفة الخسائر التي لا تقدر بمال وثمن مثل: نزوح ملايين البشر من اماكن سيستحيل العيش فيها من جراء تغير المناخ وزيادة التصحر او الجفاف او الفيضانات، بالاضافة الى زيادة الامراض ، او توقع ظهور امراض جديدة لم تكن معروفة او منتشرة في مستويات حرارية ومناخية معينة، بالإضافة الى خسارة ما يقارب 16 ألف نوع حيواني ونباتي مهددة بالانقراض... وهي اكلاف ستطيح حتما كل مكتسبات التنمية والتقدم، وتهدد حياة النوع الانساني نفسه.

ولكن ما الذي كان يفعله العالم والدول والعلماء والخبراء، وماذا حصل في المؤتمر الأخير حول هذا الموضوع؟

 

مؤتمر بوزنان الأخير

 

نهاية هذا العام، يفترض ان يتم تعديل "بروتوكول كيوتو" الشهير، ووضع اتفاقية جديدة في مؤتمر دولي يعقد في كوبنهاغن. وتحضيرا لهذا الموعد الهام والمصيري، لقضية تغير المناخ ولحالة كوبنا الصغير الهش، عقد بين 1و12 كانون الاول 2008 المؤتمر الرابع عشر للدول الاطراف الموقعة على بروتوكول كيوتو، في مدينة بوزنان البولندية.

لم يتقدم مؤتمر بوزنان الدولي حول تغير المناخ في اي من الملفات المتعلقة بهذه المشكلة العالمية بالرغم من المباحثات المضنية التي استمرت اسبوعين. وقد فشلت الاطراف المشاركة في الاجتماع في التوصل الى أي توافق حول هدف طويل الأجل لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، أي تخفيض الانبعاثات بنسبة ٥,٢ ٪ عن المستويات التي كانت في العام ١٩٩٠، كما ينص بروتوكول كيوتو، وهو الهدف الحاسم للتوصل الى اتفاق في كوبنهاغن بالدنمارك في أواخر هذه السنة أيضا.

هذه الخلاصة الأولية التي يجمع عليها غالبية المشاركين في هذا الحدث العالمي الكبير الذين تجاوز عددهم العشرة آلاف مشارك (١٢ الف مشارك حسب التسجيلات الرسمية للامم المتحدة)، واكثر من مئة وزير وممثلين عن ١٨٩ بلدا في العالم. وبالرغم من تأكيد أوساط الأمم المتحدة انه تم الاتفاق على خارطة طريق لتعديل او استبدال اتفاقية كيوتو (التي تنتهي مفاعيلها العام ٢٠١٢) نهاية هذه السنة في كوبنهاغن كما هو متفق عليه، يؤكد الكثير من الخبراء الذين شاركوا في المناقشات، ان شيئا لم يتقدم في الملفات منذ وضعت خارطة الطريق في بالي العام الماضي. 

ويرد البعض هذه النتيجة السلبية الى عدة عوامل اهمها، ظهور الوفد الرسمي الاميركي المفاوض بموقف المراقب وغير المبادر، بعد ان كان يتوقف على كل نقطة ويدقق ويعرقل في المفاوضات الشبيهة السابقة. وقد فسر البعض هذا الموقف بسبب التحول بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة الاميركية، وتوصية الرئيس الجديد بعدم تكرار المواقف القديمة وعدم اتخاذ أي مواقف جديدة... بالرغم من الحضور اللافت لآل غور في اليوم الأخير للمؤتمر والمرشح الديموقراطي الرئاسي السابق جون كيري. كما ظهر ضعف موقف الاتحاد الاوروبي بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها الرئيس الفرنسي ساركوزي بصفته رئيس الدولة التي تترأس الاتحاد الاوروبي، بسبب وجود تباينات داخل دول الاتحاد الـ٢٧ ،وبالرغم من التعهدات التي صدرت بتبني الاتحاد تخفيض الانبعاثات بنسبة ٢٠٪ حتى العام ٢٠٢٠. بالإضافة الى تشدد الدول النامية في موقفها التاريخي التي تطالب فيه بضرورة ان تبدأ الدول المتقدمة اولا بتخفيض انبعاثاتها، كونها هي التي راكمت تاريخيا الجزء الاكبر من المشكلة (الغازات)، مطالبة في الوقت نفسه بعدم حرمانها نفس فرص التنمية التي حققها الغرب، بما سيتسبب بالتالي بالمزيد من الانبعاثات.

ولعل بين الملاحظات الرئيسية التي يمكن الخروج بها من خلال متابعة اعمال هذا المؤتمر، هي ان مقولة "المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة" لحل مشكلة تغير المناخ، لم تعد تشكل تلك المقولة السحرية التي انتجتها دوائر الامم المتحدة، للتوفيق بين المسؤولية الأكبر للدول المتقدمة من جهة، وضرورة مشاركة العالم كله في تحمل المسؤولية من جهة أخرى... والتي طالما اعتبرت الحل الافضل للخروج من هذه الازمة. فلا تزال الاسئلة تطرح حول تفسير كلمة "متباينة"، وكيفية تحديد المسؤوليات وترجمتها في برامج محددة.

اما الملاحظة الثانية الاساسية التي يمكن تبيانها ايضا، فهي التسليم العالمي بـ"المسؤولية الإنسانية" والحضارية المتسببة بمشكلة تغير المناخ، وغياب الأصوات المشككة والتي كانت تروّج بأن الظاهرة من صنع الطبيعية نفسها...

وقد انتقلت المباحثات العالمية، الى خمسة محاور اساسية تمحورت حولها الاجتماعات السابقة ولا سيما خطة طريق بالي، والتي كانت محور مباحثات اجتماع بوزنان وهي:

- كيفية صياغة الرؤية المشتركة بين الأطراف والدول كافة،

- وكيفية التخفيف من الانبعاثات المتسببة بالظاهرة،

- وقضية التكيف معها،

- ومسألة نقل التكنولوجيا،

- وكيفية التمويل.

وقد ظهر جوهر الخلاف جليا بين محورين رئيسيين (مهما ظهر من تباينات بين كل منهما)، هما الدول المتقدمة الصناعية والدول النامية. تمثل المحور الاول الدول الصناعية المتقدمة كالولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي واليابان، بينما تمثل المحور الثاني الدول النامية التي تضم مجموعة الـ٧٧ + الصين، بالاضافة الى الدول الجزرية التي تعتبر الاكثر تضررا والتي كانت الاكثر تحمسا في المؤتمر والى الدول التي تصنف تحت خانة "الاقل نموا" والتي تقارب ٤٣ دولة والتي انضمت في المفاوضات الى مجموعة الـ 77 .

وإذ تصنف الدول العربية بين الدول النامية، الا انها لم تستطع ان تجتمع ولا لمرة واحدة في بوزنان، تحت إطار جامعة الدول العربية، بالرغم من تخصيص موعد يومي لهذه الاجتماعات للتداول وتنسيق المواقف!

اما الملاحظة الابرز التي يمكن تسجيلها، فهي في غياب الاهتمام الحقيقي بتغير المناخ والاجراءات القاسية المطلوبة للحد من الانبعاثات ( والتي تتطلب في عمقها التراجع عن نمط حضاري بكامله)، وان معظم الاهتمام الذي حرك هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات الشبيهة وذات الصلة، هو الحصول على فرص للاستثمار والتمويل للمشاريع، بغض النظر عن حجمها، أكثر من البحث في اتخاذ إجراءات جدية للتخفيف من الانبعاثات. ولهذا يتوقع الخبراء المحايدون ان تزيد الانبعاثات بدل ان تخف، لكي تصل الى ذروتها العام  ٢٠١٥ ،مع توقع سيناريوهات في غاية السوء لهذا الكوكب وسكانه.

 

 

الاتحاد الأوروبي يخيب الآمال

 

منذ اللحظة الاولى لانعقاد مؤتمر في دورته الرابعة عشرة الذي نظمته الامم المتحدة للأطراف المشاركة في التوقيع على الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ في بوزنان (بولندا)، كان معظم المشاركين يراهنون على الموقف الاوروبي في هذا الاجتماع العالمي، لعلمهم ان الإدارة الأميركية في حالة انتقالية، ولن تكون في وضع اتخاذ قرارات مصيرية ومهمة. وقد تأكدت هذه التأملات والتوقعات حين قام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (الذي يريد ان يفعل شيئا في ظل نهاية فترة ترؤس بلاده للاتحاد الاوروبي وتسليمها الى التشيك) في اليوم السادس لانطلاق المؤتمر بزيارة الى مدينة جرانسك البولندية واجتماعه مع تسع دول من اوروبا الشرقية لاقناعهم بالخروج بموقف موحد للاتحاد الأوروبي الذي يضم ٢٧ دولة، بالتعهد بتخفيض الانبعاثات وزيادة نسبة استخدام الطاقة البديلة والنظيفة الى ٢٠٪ بحلول العام .٢٠٢٠ وبالرغم من الاجواء العلنية والايجابية التي رشحت علنا عن الاتحاد الاوروبي في ما بعد، فقد كشفت المصادر الأوروبية المتابعة في مؤتمر بوزنان ان بولندا تحديدا، التي استضافت المؤتمر والاجتماع لدول اوروبا الشرقية، قد اعترضت أكثر من غيرها على التعهد بتخفيض الانبعاثات، كونها، اكثر من غيرها من الأوروبيين أيضا، لا تزال تعتمد بشكل رئيسي على الفحم (الوقود الاكثر تلويثا) في انتاج الطاقة، بالإضافة الى إشارتها الى دخل مواطنيها المحدود الذي لا يحتمل الآن أي تراجع في مستوى نموه الاقتصادي. وتقدر المصادر ان يكون الرئيس ساركوزي قد وعد البولنديين بتزويدها بالطاقة النووية كبديل، الا ان نتيجة هذا التغيير لن تظهر في السنوات الخمس المقبلة.

كما لا تخفي المصادر نفسها تلك التناقضات الموجودة داخل الاتحاد الاوروبي، ولا سيما الموقف الايطالي المتحفظ على المبادرة الفرنسية بالتعهد بتخفيض الانبعاثات، والتي يمكن ان تضر بصناعاتها التحويلية. بالإضافة الى الموقف الالماني المتحفظ ايضا وإلى الخطوط الحمر التي وضعتها المانيا مرارا لحماية صناعاتها الكبيرة، ولا سيما صناعات الحديد والصلب التي يمكن ان تتأثر سلبا اذا ما التزمت بإجراءات صارمة لتخفيض الانبعاثات.

 

آل غور يحتل الشاشات... ولكن

 

لاحظ المتابعون انها المرة الاولى في المفاوضات المناخية التي يبدو فيها الوفد الاميركي والذي تترأسه بولا دوبرنسكي في وضع المراقب اكثر منه في وضع »المشاغب«. والمعلوم ان الوفد الاميركي كان يأخذ توجهاته من وزارة الخارجية مباشرة وليس من الوكالات البيئية او أي مرجع آخر، لا بل يقال انه الوفد الذي يطبق سياسة الرئيس بوش غير المقتنع بمسألة تغير المناخ، والخاضع لارادة لوبي شركات نفطية وصناعات كبرى يمكن ان تتأثرسلبا اذا ما التزم ببروتوكول كيوتو.

وقد ارسل الرئيس المنتخب الجديد اوباما اشارات ايجابية جدا (بنظر بعض المراقبين) بإرساله اولا المرشح الديموقراطي السابق للانتخابات الرئاسية الاميركية جون كيري الى مؤتمر بوزنان والذي نقل رسالة من الرئيس المنتخب الى المؤتمرين بالتعهد بإنجاح مؤتمر كوبنهاغن نهاية العام المقبل، داعيا الى صفقة جديدة تشارك فيها كل الدول لخفض الانبعاثات.

أما الاشارة الثانية القوية من الإدارة الأميركية الجديدة فكانت مع حائز جائزة نوبل لقضية تغير المناخ نفسها آل غور الذي ألهب المؤتمر في كلمته في اليوم الأخير، حيث غصت القاعة بالمتدافعين لسماعه حين بدأ بالظهور على كل الشاشات التي كانت تملأ كل قاعات المؤتمر تقريبا بصوته الخطابي القوي. نقل آل غور في بداية خطابه عن الرئيس المنتخب اوباما الذي اجتمع به في شيكاغو قبل ان يأتي، كما قال، »ان موضوع تغير المناخ سيكون الرقم واحد في عهده، وان عهد تنكر الولايات المتحدة الاميركية للاتفاقيات الأممية حول تغير المناخ قد انتهى«. واذ اكد ان الادراة الاميركية ستتخذ قرارات مهمة على المستوى الداخلي كعدم بناء او انشاء محطات لتوليد الطاقة ما لم تحصل على موافقة الوكالات البيئية المعنية، كان لافتا توجيهه المديح الى من كل الصين والبرازيل. الاولى لكونها خصصت ميزانية ضخمة قيمتها ٦٠٠ مليار دولار خلال خمس سنوات للقيام بأكبر حملة تشجير في تاريخ البشرية، والثانية (البرازيل) لاهتمامها بالبيوفيول، أي لانتاج الفيول من بعض المزروعات.

وإذ خفف المراقبون من اهمية الكلام الحماسي الذي قاله آل غور، لفتوا الى الزيادة الهائلة في استهلاك الوقود الاحفوري في الصين والتي باتت تنافس الولايات المتحدة على الصدارة في اعتبارها الملوث الأكبر في العالم، والتي لا تنفع معها اعادة التشجير. كما اشاروا الى المشكلة المستحدثة التي تهدد الامن الغذائي العالمي من خلال توجه البرازيل نحو الزراعة من اجل انتاج الفيول.

كما قللت مصادر اخرى من أهمية خطابات آل غور مذكرة بضرورة ان تأخد الادارة الاميركية الجديدة موافقة مجلس الشيوخ الاميركي والكونغرس على الاقتراحات قبل عرضها العام المقبل في كوبنهاغن، وذلك لكي لا تقع في تجربة موافقة الرئيس كلينتون على كيوتو العام ١٩٩٧ ورفض الاتفاق في مجلس الشيوخ، بعد ذلك.

 

الدول العربية وانعدام التنسيق

 

على الرغم من وجود ما سمي بالاعلان الوزاري الذي صدر العام الماضي عن اجتماع وزراء البيئة العرب، والذي تحفظت عليه بعض الدول النفطية، وبالرغم من صياغة وثيقة استرشادية للمفاوضات حول تغير المناخ تؤكد على الانحياز الى مطالب الدول النامية بنقل التكنولوجيا ومطالبة مرفق البيئة العالمي بتسهيل الإجراءات للحصول على تمويل المشاريع... الا ان التنسيق كان غائبا كليا بين الدول العربية اثناء التفاوض في مؤتمر بوزنان. ولم ينجح ممثل جامعة الدول العربية في جمع الوفود الرسمية العربية المشاركة في اجتماع يومي لتبادل المعلومات والتنسيق، بالرغم من تحديد موعد يومي ثابت.

وفي حين رد بعض الوفود المشكلة الى منسق الجامعة نفسه الذي لا يضع جداول اعمال للاجتماعات، ولا يحسن المبادرة الى جمع الاعضاء ووضع برنامج عمل يقترحه على الممثلين... رد البعض الآخر المشكلة الى الدول نفسها التي تنقسم بين مهتم بالتنسيق مع دول الـ،٧٧ وبين مهتم بمتابعة الموضوع مع الدول النفطية العربية (الاوابيك)، بين من يفضل العمل تحت مظلة الجامعة العربية... الخ

وكان بعض الوفود الناشطة كالوفد الاردني قد اقترح ان يتم تقسيم الوفود العربية المشاركة على المحاور الاساسية للمؤتمر، كما تفعل الوفود المشاركة في الاتحاد الاوروبي، حيث يهتم وفد دولة ما بمحور التمويل ووفد آخر بمسألة نقل التكنولوجيا، وآخر بالتكيف او بالتخفيف ... الخ ويمكن ان يجتمعوا يوميا في وقت محدد ليعرف كل فريق ماذا يحصل في كل المؤتمر، ويتم تنسيق المواقف... الا ان ذلك لم يحصل.

كان لافتا هذه المرة حضور الوفد العراقي المشارك للمرة الأولى في أنواع كهذه من الاجتماعات، برئاسة وزيرة البيئة العراقية، وقد بدا الوفد متحمسا للتنسيق والاهتمام بموقف موحد للدول العربية، وبضرورة المطالبة بأن تتم صياغة المباحثات والمقررات باللغة العربية اسوة بالانكليزية، وعدم الاكتفاء فقط بترجمة الاتفاقيات بعد إبرامها. كما طالب بأن تكون مساهمة الدول على قدر انبعاثاتها، وان تقدم المساعدات للدول على قدر الضرر الذي يلحق بها.

اما الوفد الرسمي اللبناني الذي كان يضم شابين من وزارة البيئة، فقد بدا كطلاب الجامعة المجتهدين في متابعة الدروس والحصص، والمتابعة، من غير ان يكون لديهما موقف، بسبب غياب الوزير والمدير العام للوزارة، مع انهما شاركا في اجتماعات كثيرة في الفترة الاخيرة خارج لبنان، لمتابعة مواضيع ومؤتمرات اقل اهمية بكثير!

 

شركات التأمين وشركات توفير الطاقة: الأنشط !

 

كان بارزا في المؤتمر حركة شركات التأمين العالمية، ولا سيما شركات التأمين على الكوارث الطبيعية. وقد تخوف ممثلو هذه الشركات من زيادة المشاكل والكوارث الطبيعية من فيضانات وحرائق وغيرها من المشاكل، بسبب التغيرات المناخية. وقد قدرت خسائر العام الجاري (٢٠٠٨) بنحو ١٦٠ مليار دولار اميركي، مقارنة مع خسائر العام ٢٠٠٥ ، وهو العام الذي حصل فيه اعصار كاترينا الشهير، حيث بلغت الخسائر ٢٢٠ مليار دولار اميركي. وقد اشارت التقارير التي حملتها شركات التأمين الى ان اهم اعصار حصل في العام ٢٠٠٨ هو الاعصار نرجس الذي ضرب ميانمار وأودى بحياة ٨٤٥٠ شخصا، بالإضافة الى زلزال الصين في ايار الماضي. وأشارت الدراسة الى تزايد الزلازل منذ الثمانينيات بنسبة ٥٠٪، والعواصف ايضا.

بالاضافة الى شركات التأمين، سجلت ايضا حركة كبيرة لشركات جديدة لتوفير الطاقة او لإنتاجها بطرق تصنف بأنها "نظيفة"، والتي بدأت تراهن على فتح اسواق جديدة لها، كلما تعاظمت مشاكل تغير المناخ في العالم. وقد كثرت المعارض التي خصصتها تلك الشركات لتبيان المخاطر والتقنيات التي تعتمدها للتخفيف من الانبعاثات والمساعدة في ايجاد الحلول، وقد نشط مهندسوها على اكثر من جبهة، مع الخبراء وممثلي الدول والمجتمع المدني لتسويق الافكار والتكنولوجيات الجديدة.

 

 

الجمعيات والنقابات والشباب... وسكان الأمازون الأصليين

 

من خارج وفود ممثلي القطاع الرسمي والخبراء وأصحاب المصالح والشركات... كان هناك اربعة قطاعات لها حضور واصوات متفاوتة الارتفاع، قد اتخذت حيزا ما على المنابر في المؤتمر لإبداء آرائها.

الصوت الأول هو صوت ممثلي المنظمات البيئية الذي بدا ضعيفا داخل أروقة المؤتمر أكثر من خارجه، حيث قام البعض بالتظاهر الرمزي شبه اليومي والتمثيليات والسخرية على البنك الدولي والدول غير المتعاونة في قضية تغير المناخ. وقد تركزت مطالب الجمعيات على محورين اساسيين: الاسراع في الحد من الانبعاثات للتخفيف من المخاطر ومسؤولية البلدان المتقدمة والصناعية اولا.

اما الصوت الثاني الاعلى نبرة فقد جاء من النقابات، الممثلة عبر الاتحاد الدولي لنقابات العمال والذي يمثل ٢٧٠ نقابة في العالم. وقد اعتبر ممثلهم في كلمته ان قضية تغير المناخ ليست بيئية فحسب، بل هي قضية اجتماعية ايضا، متخوفا من ان يدفع الفقراء الثمن الاكبر من نتائجها، ولا سيما تلك البلدان التي ليس لديها قدرات كبيرة للتكيف.

أما الصوت الثالث فقد جاء من ممثل عن السكان الاصليين للامازون الذي أبدى اعتراضا شديدا على عدم تمثيل جماعته في المباحثات والمفاوضات التي تطالهم في الصميم، ولا سيما عند الحديث عن حماية الغابات التي تعتبر رئة العالم.

اما الصوت الرابع الاكثر راديكالية، فكان صوت الشباب، عبر ممثل اعلن انه يتحدث باسم ٥٠٠ شابة وشاب من ٥٠ بلدا، مطالبا بالافعال السريعة لتخفيف الانبعاثات، مؤكدا ان آثار التغيرات المناخية يهم جيل الشباب والاجيال الآتية، وان الجيل الحالي يتصرف وكأنه الأخير على هذه الأرض.

 

أصوات مميزة ... ولكن خافتة

 

كان لافتا ايضا حركة وكلام ممثل مجموعة الـ٧٧ + الصين جون آشجا، سفير دولة التيغوا في الامم المتحدة، الذي اشار صراحة الى عدم وفاء الدول الصناعية الكبرى والمتقدمة بالتزاماتها ان لناحية الحد من الانبعاثات او لناحية مساعدة البلدان النامية في نقل التكنولوجيا والتكيف وتمويل الصناديق المخصصة لذلك. كما سأل لماذا لم يتحقق شيء بعد بالي، ولا سيما دعم صندوق التكيف، معلنا في النهاية التزام مجموعة الـ٧٧ بالاتفاقية الإطارية التي وضعت العام ،١٩٩٢ التي تدعو الى العودة الى تركيزات الانبعاثات ما قبل العام ،١٩٩٠ اي ما قبل الثورة الصناعية التي حققتها البلدان المتقدمة.

أما الصوت المميز الآخر فقد جاء على لسان سيلبيستر كلاوس وزير البيئة في غرينادا الذي تحدث باسم تحالف الدول الجزرية الصغيرة الاكثر استضعافا والاكثر تأثرا بتغير المناخ، مؤكدا ان الدول الجزرية لن توقع على اتفاقيات انتحارية، مشددا على ضرورة اتخاذ اجراءات سريعة للحد من الانبعاثات كمطلب اولي، وليس اي شيء آخر، معربا عن خيبة امله من مباحثات بوزنان.

والمعلوم ان اكثر الجزر تهديدا والتي كانت ممثلة بشكل قوي في المؤتمر هي جزر المالديف، بالاو، توبالو، فينواتو، كوك ايلاند وباهامس... الخ وبالرغم من حراجة موقف الجزر وممثليها، الا ان بعض متابعي المفاوضات منذ العام ١٩٩٧ يلاحظون ان الصوت العالي لممثلي هذه المجموعة في بداية المؤتمرات، كان ينخفض في آخرها، اثر سير الاجتماعات مع باقي الاطراف، ولا سيما مع الاوروبيين، بعد تلقيهم الوعود او بعض المساعدات الصغيرة.

كما كانت لافتة حركة المسؤول الجزائري الذي كان يقود ويمثل المجموعة الافريقية، الذي ايد مطالب مجموعة الـ٧٧ من جهة، مشددا على ضرورة العودة الى الاتفاقية الاطارية التي تلزم البلدان الغنية والصناعية بالمبادرة اولا الى تخفيف الانبعاثات وتقديم المساعدة الى البلدان الاقل نموا، مشيرا الى تطوير البلدان الافريقية لتشريعاتها ومؤسساتها لتقبل تلك المساعدات، مشددا على ضرورة ايجاد اطار قانوني لتمويل التكيف ورصد التحولات المناخية.

 

الطاولة المستديرة و»الرؤية المشتركة« المؤجلة

 

ضمن فعاليات المؤتمر عقدت طاولة مستديرة اطلق عليها تسمية "رفيعة المستوى"، شارك فيها بالإضافة الى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ووزير البيئة البولندي الذي ادار الاجتماع، اكثر من مئة وزير بيئة وطاقة وخارجية وزراعة من العالم، حاول فيها المجتمعون التباحث في الخطوط العريضة لما سمي "الرؤية المشتركة"، بالاضافة الى عرض الآراء حول آليات العمل على المدى الطويل للتخفيف من الانبعاثات وتحقيق اهداف الاتفاقية الاطارية وكيفية الاستعداد للتكيف، بالاضافة الى البحث والهيكلية المؤسساتية التي ستوفرها، اي الادوات المالية والتقنية لتحقيق الاهداف. وقد كرر الامين العام للامم المتحدة في بداية الاجتماع ما قاله في الافتتاح عن ضرورة تحديد رؤية مشتركة لتحديد المسار التفاوضي للوصول الى نص اتفاق شامل يرضي الجميع العام المقبل في كوبنهاغن، محذرا في الوقت نفسه من التذرع بالازمة المالية العالمية للتنصل من الالتزامات للحد من التغير المناخي، معتبرا ان الازمة المالية الاخيرة هي "فرصة" للتغيير، كونها توفر هي ايضا حوافز مالية جديدة لما يعرف بـ"اقتصاد الكربون". مؤكدا في النهاية على مقولة "المسؤولية المشتركة وإن المتباينة".

وقد طرحت الكثير من الافكار في الطاولة المستديرة، أبرزها ان تسير قضيتا التخفيف والتكييف بطريقة متوازية، وذلك ردا على بعض الاقتراحات التي بدأت تدعو الى العمل على التكيف مع التغيرات المناخية، كون التغير قد حصل ولم يعد هناك امكانيات لوقفه.

ولعل الكلمة الابرز والاصرح في المناقشات الوزارية كانت كلمة الوزيرة الاسترالية التي كشفت ان الجو العام السياسي في بلادها بدأ يطالب بوقف الاهتمام والصرف على قضايا المناخ وصب الاهتمام على القضايا التي تسببت بها الازمة المالية.

كما كانت لافتة كلمة الوزير الهندي الذي اكد على ضرورة النظر بإنصاف الى الامور، مؤكدا ان هناك الكثير من سكان هذا الكوكب لا يزال من دون كهرباء، ولا سيما في الهند، في وقت يسبب سكان بلد واحد ٢٥٪ من الانبعاثات العالمية، معتبرا كما الوزير البرتغالي ان الاولوية هي مكافحة الفقر.

اما ممثل المملكة العربية السعودية، وبعد ان وجه اللوم الى البلدان المتقدمة لعدم الوفاء بالتزاماتها، حذر من ان تخرج التعديلات الجديدة المقترحة على بروتوكول كيوتو بالتزامات جديدة للبلدان النامية.

 

قضيتا نقل التكنولوجيا واصطياد الكربون... مكانك راوح

 

بالإضافة الى آليات التمويل للتنمية النظيفة التي اخذت الحيز الاكبر من النقاش، لم يحصل اي تقدم في المباحثات حول قضيتي نقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة الى تلك النامية والاقل نموا، ولا في قضية اصطياد الكربون، كإحدى التقنيات المقترحة للتخفيف من تغير المناخ. فقد عارضت كل من فنزويلا والبرازيل اعتماد موضوع او تقنية اصطياد ثاني اوكسيد الكربون وتخزينها في الطبقات الجوفية للارض، كإحدى السبل القابلة للتمويل لتخفيف تغير المناخ وضمه تحت آلية التنمية النظيفة. وحجتهم ان هذه التقنية لا تزال تحتاج الى المزيد من الدرس والبحث والتجارب، وأن تمويل حماية الغابات والتشجير واعادة التشجير التي تقوم بنفس العملية اجدى . اما الدول المؤيدة فقد اشارت الى تجارب بدأت منذ ١٥ سنة في الجزائر والنروج وكندا واستراليا واليابان، ويمكن اعتماد هذه التقنية في الدول التي ليس فيها غابات مهمة. وترد الدول التي رفضت هذه التقنية، بأن التجارب التي يتم التحدث عنها لاصطياد الكربون، لم تكن بدافع التخزين، بقدر ما كانت تستخدم لاعادة ضخها في الآبار النفطية التي تم استنفاد السحب منها، والتي تساهم بإعادة ضخ النفط بعد ضغط هذه الغازات بالآبار، متخوفين ان تعود وتتسرب الى الجو.

اما حول قضية نقل التكنولوجيا التي اصبحت قضية تاريخية من كثرة ما تم التداول بها منذ اكثر من عشر سنوات، فلا تزال تراوح مكانها، ان في مباحثات بوزنان او ما قبلها، وتتمحور حول، ايجاد وتسمية الفنيين والخبراء الذين سيشرفون على العملية والآليات... في حين ان المطلوب، هو عدم ادخال التكنولوجيا التي تصنف "صديقة للبيئة"، والتي تساهم في تخفيض التغيرات المناخية، عدم ادخالها في قوانين حماية الملكية الفكرية، وتركها خارج اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، لتسهيل انتقالها وشيوعها واستخدامها من كافة الدول. وهذا بالطبع ما لم يحصل، ولن يحصل، طالما بقينا في في نظام "اقتصاد السوق"العالمي، وطالما بقيت هذه التكنولوجيات في البلدان المتقدمة.

وقد اكتفت نصوص الاتفاقيات السابقة، بـ"التمني" على الدول، المساعدة في نقل التكنولوجيا، من دون إلزامها بشيء.

 

خلاصة: في استحالة وقف تغير المناخ

 

كشف المؤتمر العالمي الاخير الذي نظمته الامم المتحدة في بوزنان (بولندا) للبحث في قضية تغير المناخ، ووضع البدائل لبروتوكول كيوتو الذي ابرم العام ،١٩٩٧ الذي فشل العالم في تطبيق بنوده، بعد الفشل في تطبيق بنود الاتفاقية الاطارية التي وضعت العام ١٩٩٢ ... انه يستحيل التوصل الى اتفاق جديد نهاية هذا العام في كوبنهاغن، كما يستحيل ان يتم تطبيق الاتفاقيات السابقة والعودة الى مستويات انبعاثات العام ،١٩٩٠ اي ما قبل الثورة الصناعية، طالما لم يتراجع العالم عن نموذجه الحضاري التقدمي والتنموي المسيطر، وأن مناخ العالم سيستمر في التغير.

تتميز مشكلة تغير المناخ، عن غيرها من المشاكل العالمية:

- انها مشكلة عالمية فعلا.

- انها طويلة المدى: ان لناحية تراكمها عبر التاريخ، ولا سيما مع تراكم تركيزاتها منذ ما بعد الثورة الصناعية، او لناحية اثرها البعيد المدى (خمسون سنة في اقل تقدير)، حتى لو تم وقف الانبعاثات العالمية المتسببة بالظاهرة كليا غدا.

- كما تنطوي هذه الظاهرة على تفاعلات معقدة بين المناخية والبيئية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية والثقافية...الخ

ومن يراجع تقارير سيناريوهات الانبعاثات وسيناريوهات التخفيف وغيرها من السيناريوهات التي وضعها خبراء المناخ، يكتشف أن نوع التخفيف وحجمه وتوقيته وتكاليفه... أمور معقدة أيضا وتعتمد على ظروف كل دولة وعلى مسارات ما يسمى "التنمية" فيها.

كما تبين العديد من السيناريوهات ان هناك، في المدى المنظور، موارد لا تزال وفيرة من الوقود الاحفوري (المتهم الاول بالتسبب بالتغير المناخي) ستؤدي بالتالي الى عدم الحد من الانبعاثات في القرن ٢١ . وان هذا الوقود هو الارخص والأوفر، وسيظل الغالب على امدادات الطاقة في العالم حتى العام ٢٠٢٠ على اقل تقدير، وهو الموعد الذي تتحدث عنه جميع الوعود الدولية للالتزام بالتخفيض من الانبعاثات، في حين ان المطلوب، حسب الاتفاقية الاطارية لتغير المناخ التي ابرمت العام ١٩٩٢ ،العودة الى مستويات العام ١٩٩٠ من الانبعاثات!

وإذا عرفنا ان اتباع سياسات واجراءات التخفيف من الانبعاثات يمكن ان يلحق بالضرر اقتصاديا بالدول التي تعتمد على انتاج الطاقة على الوقود الاحفوري (من فحم ونفط وغاز)، وبكل القطاعات التي تعتمد على هذا الطاقة، وان الصناعات الاخرى التي تعتمد على الطاقة المتجددة لا تستطيع حتى اشعار آخر ان تنافس تلك الصناعات التاريخية الكبيرة في المدى المنظور، وان المشكلة ستبقى في الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة... نعرف كم يبدو مستحيلا الالتزام بأي تعهد للتخفيف، او الوفاء بأي التزام في المدى المنظور.

بالاضافة الى ذلك، فإن اي اجراء حقيقي وجدي للتخفيض في العالم يجب ان يؤدي حتما الى تخفيض اي فرد في العالم من حجم استخدامه للطاقة، بعكس ما يقترح مفهوم  "التنمية"، القائم على الزيادة.

والحال هذه، لا مجال للتفاؤل في اي سيناريو او اي طرح، تابعنا عرضه في مؤتمر بوزنان الدولي الأخير، وهو اكبر اطار ترعاه الامم المتحدة لمعالجة هذه الظاهرة العالمية.

وإذ انبهر البعض بما أعلنه آل غور عن تغيير سياسة بلاده (الولايات المتحدة الأميركية) مع العهد الجديد تجاه هذه الظاهرة العالمية، وإشادته بدور الشريك الاكبر الصاعد في التلوث (الصين)، كونها قد رصدت ٦٠٠ مليار دولار للقيام بأكبر عملية تشجير في التاريخ لاصطياد الكربون... الا ان هذا البعض قد تغافل، عن حقيقة، ان المشكلة هي في طريقة عيش سكان بلاده ونظامها الذي لا بديل جديا عنه من قبل الحزبين الذين يتبادلان الحكم، وان الصين لا تزال تعتمد على الفحم (الأكثر تلويثا) في ثلثي حاجتها من الطاقة (وهي البلد الأول في العالم في انتاج الفحم واستهلاكه)، وهو لا يزال يعتبر الوقود الأول في هذا البلد السائر بسرعة نحو تقليد الولايات المتحدة في طريقة عيشها، كونها البلد الثاني أيضا في استهلاك الطاقة وفي زيادة الانبعاثات بعد الولايات المتحدة الأميركية. كما تجدر الإشارة انه مع النمو الذي عرفته الصين في الـ٢٥ سنة الأخيرة، لم تعد الصين مكتفية ذاتيا من النفط، بل بدأت بالاستيراد للمرة الأولى العام ١٩٩٣ ،كما تقول التقارير التي عرضت في قمة الأرض في البرازيل العام ،١٩٩٢ وقد ارتفعت المستوردات بشكل حاد من ذلك الحين وقفز الطلب ما بين العام ١٩٨٤ وحتى العام ١٩٩٥ من ١,٧ مليون برميل الى ٣,٤ ملايين برميل يوميا. وبحلول العام ٢٠٠٥ تضاعف مرة ثانية حيث وصل الى ٦,٨ ملايين برميل في اليوم، لتتخطى ٨ ملايين برميل يوميا في العام ٢٠٠٧ . ومنذ العام ٢٠٠٣ سبقت الصين اليابان كثاني اكبر مستهلك للنفط في العالم، وهي تعد الآن ثالث اكبر مستورد للنفط بعد الولايات المتحدة واليابان، حيث تستورد الآن أكثر من ٤٠٪ من إمداداتها النفطية. وبالرغم من العمل الدائم على تطوير الإنتاج المحلي للنفط وتطوير الحقول وتوسيع الانتاج في غرب الصين، ولا سيما حقول النفط البحرية في بحور الصين الجنوبية والشرقية وإعادة هيكلة صناعة النفط، فقد توقعت وكالة الطاقة الدولية مؤخرا ان تستورد الصين ٨٠٪ من إمداداتها وان تصل مستورداتها من النفط الى ١١ مليون برميل في اليوم العام ،٢٠٢٠ التاريخ المقترح لتخفيف الانبعاثات ٢٠٪ في العالم!

لهذه الأسباب وغيرها، المناخ الى مزيد من التغير. وعلى العالم ان يتوقع اكثر السيناريوهات سوءا.