نظّمت "الحركة الثقافيّة- أنطلياس" ندوة حول موضوع "الكنيسة والقضية الاجتماعيّة من خلال توصيات الإرشاد الرسوليّ: مراجعة نقدية"، شارك فيها كلّ من الخوري لويس سماحة، والدكتور ميشال عواد، وأدارها الدكتور منير صادر.

 

images/bf2011/louisamahaweb.jpg

رحّب الدكتور منير صادربالمشاركين في الندوة ، الذين تحدّوا الطقس العاصف لاجراء مراجعة نقدية لموضوع القضية الاجتماعيّة من خلال توصيات الإرشاد الرسوليّ، قائلاً إنّ موضوع الندوة يعيد بالذّاكرة إلى العاشر من أيار/مايو 1997 حين أعطي "الإرشاد الرسولي-رجاء جديد للبنان" في مناسبة الزيارة التاريخيّة لقداسة الباب الراحل يوحنا بولس الثاني للبنان. عندها، "زهّرت في لبنان كلّ بوارق الأمل والرجاء"، ولكن سرعان ما ذبلت، وما تبقى من سينودس الرجاء إلا مجموعة تساؤلات تحفر عميقًا في ثنايا الذاكرة الوجدانيّة لمسيحيي لبنان، الذي يعيشون حالة انعدام وزن وجودي. وأردف الأستاذ منير صادر أنّ الندوة في قسمها الأوّل ستعرّفنا على مضمون الإرشاد الرسوليّ وتوجيهاته، وماهيّة تناسب هذه الإرشادات مع القيمين على الكنيسة، ومدى التزامهم بتطبيقها، من خلال كلمة الدكتور ميشال عواد الحائز على دكتوراه دولة في علم الاجتماع، والأستاذ في جامعة الروح القدس الكسليك والجامعة اللبنانيّة، وصاحب مؤلفات عدّة. وأضاف الأستاذ صادر إنّ الندوة في قسمها الثاني ستطلعنا على مدى التزام كاريتاس لبنان بالإرشاد الرسولي، وبالشأن الاجتماعيّ من خلال كلمة الأب لويس سماحه الرئيس السابق لكاريتاس لبنان منذ العام 2004 إلى العام 2010، والرئيس الحاليّ لللّجنة الاقتصاديّة الاجتماعية للرهبنة المارونيّة اللّبنانيّة.

 

وفي هذا الصدد تحدّث الدكتور ميشال عواد شارحًا أنّ "الإرشاد الرسولي" يهتمّ بتظهير المبادىء التي ترتكز عليها الكنيسة الكاثوليكية في تعليمها وعملها الاجتماعي، لأنّ رسالتها هي الدعوة إلى العمل في سبيل إنشاء "حضارة المحبة"في هذا العالم. ويحثّ الإرشاد " جميع الكنائس الكاثوليكية على تفعيل مؤسّساتها الاجتماعية والخدماتية، وأن تأخذ على عاتقها القضية الاجتماعية في لبنان. ويلحظ الإرشاد الرسوليّ أن الكنيسة ترتكز على مبادئ أساسيّة هي أولاً قيمة الإنسان وموقعه فهو أسمى المخلوقات، والإنسان هو درب الكنيسة. أمّا القيمة الثانية وفق الدكتور عواد هي التضامن، لأنّه أساس المحبّة، والقيمة الثالثة هي العدالة. ولا تعني العدالة أنّ كلّ البشر متساوون في كلّ شيء، أو يجب أن يكونوا كذلك؛ فاللّه خلق الناس متنوّعين، والطبيعة قائمة على هذا التنوّع إذ "يستحيل، في المجتمع المدني، أن يرتفع كلّ الناس الى مستوى واحد". فالعدالة تعني، بالأحرى، أن جميع البشر، بالرغم من كلّ تمايزاتهم، هم متساوون في بنوّتهم للّه وفي كرامتهم الإنسانية، وفي تمتّعهم بالحقوق البشرية الأساسية. وهذه "العدالة الطبيعية" هي من صُنع اللّه، أما العدالة الاجتماعيّة فعلينا كلنا أن نسعى إلى تحقيقها بفضل انخراطنا بالحياة المدنية والاجتماعيّة في وطننا. أما القيم الأخرى فتتعلّق بالإنماء والترقّي و السلام والعائلة. فالإرشاد الرسولي يتطرّق إلى مختلف نواحي الحياة الاجتماعيّة، مثل حقوق الإنسان، والالتزام السياسي وخدمة الإعلام، و الاهتمام بالفقراء والفئات ذات الحاجات الخاصّة والسكن والصحّة والتربية والعمل. أما عن تداعيات الإرشاد الرسولي، فقال الدكتور ميشال عواد أنّ الكنائس رحّبت بالإرشاد الرسوليّ وخاصّة حول رسالة لبنان وضرورة التعايش والتضامن بين جميع أبنائه.  وتحدّث أيضًا عن تجربة المجمع البطريركي المارونيّ، قائلاً إنّه عقد مجمعاً بطريركياً عامّاً دام الإعداد له سنوات عدّة وانعقد في ثلاث دورات سنوية (2003-2005)، وصدر عنه مجموعة من الوثائق (23 وثيقة) عالج مختلف المواضيع الاجتماعية التي جاء "الإرشاد الرسولي" على ذكرها. وأورد أيضًا معوقات التنفيذ من الذهنية التقليدية وثقل هيكلية الكنيسة،والنقص في العمل الإنمائي، وموقف المسيحيين المزدوج من دور الكنيسة. وخلص إلى أنه على الكنيسة تبنّي اصلاحات هيكليّة وجذريّة آملاً أن يساعد انتخاب بطريرك ماروني جديد، علامة سماوية لتجديد الكنيسة في لبنان.

 

واستلم الأب لويس سماحه الكلام، متحدّثًا عن البعد الاجتماعيّ الوطنيّ للإرشاد الرسوليّ، أي عند دور الكنيسة في خدمة المجتمع، دور اضطلعت به كاريتاس في مسائل عدّة مثل الخدمة الصحيّة الإنسانيّة، والإجتماعيّة والتربويّة، وإدارة أملاك الكنيسة وهموم الشباب والسلام  والمصالحة، وخدمة الإعلام. فأوضح أنّ كاريتاس حاولت بفضل الخدمات التي تقدّمها أن تلبي حاجات اللّبنانيين. وعرض الأب لويس سماحه شرائح تظهر عمل كاريتاس. ففي مجال الخدمة الاجتماعيّة وفّرت كاريتاسالخدمات الصحيّة من خلال المراكز الصحيّة الإجتماعية والعيادات النقّالة. ومن خلال المراكز الإنسانية الثلاثة  تلتزم مساعدة المحتاجين، و تعزيز وضع الأشخاص المهمّشين. وعلى الصعيد التربويّ، تلتزم كاريتاس برسالة الكنيسة الرامية إلى تنشئة الشباب مهنيًا وإنسانيًا، فوفّرت لهم دروسًا مسائيّة ، ومخيّمات صيفيّة، بالإضافة إلى إقامة معهد للتعليم والتدريب الفنيّ في زحلة. وتدعو كاريتاس إلى اللجوء إلى الإعلام قائلة إنّ  الإرشاد شدّد على خدمة الإعلام لما له من دور مهم، نلتمسه حاليًا في هذه المظاهرات، لذا تحاول والكنيسة أن تنشئ أشخاصاً كفاة يديرون الوسائل الإعلاميّة الدينيّة. وشدد الأب سماحة على أنّ الإلتزام بتطبيق توجيهات الإرشاد الرسوليّ هو الحلّ الوحيد للنهوض بالمجتمع. فأنهى كلمته بكلام للطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني : " أيّها الأبناءُ المحبوبون العائشون في لبنان، إنّ أجدادكم (...) كانوا يوما ً ضمن الجماهير التي كانت تحيط بيسوع لتسمع أقواله وتعليمه (...) إن قَدمي فادي العالم قد وطئتا أرضكم (...) وقد أُعجبت عيناه بها (...) ليرافقكم جميعاً نظر الفادي المملوء محبّة".

وختم الأستاذ منير صادر النّدوة،  آملا أن تتجدّد الكنيسة من الداخل، وأن يلبّي آباء المجتمع الماروني الدعوة حتى نتماهى مع الإرشاد الرسولي.